إسطنبول ـ «القدس العربي»: عادت أزمة الجفاف والسدود المتواصلة منذ سنوات بين تركيا والعراق إلى الواجهة مجدداً، مع تفاقم أزمة نقص المياه في العراق، والمطالبات المتكررة لتركيا، بزيادة الإطلاقات المائية، في حين تطالب أنقرة، بغداد بوقف «إهدار المياه» وهو ما كاد يفجر أزمة دبلوماسية.
والسبت، عقد اجتماع رفيع المستوى بين البلدين جمع وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني، الذي يشغل أيضاً منصب المبعوث الخاص لرئيس الوزراء العراقي لشؤون المياه، مع مبعوث الرئيس التركي لشؤون المياه، فيسيل أوروغلو، وذلك في أحدث جولة مباحثات بين الجانبين، اللذين يسعيان لحل الأزمة من خلال الحوار، الذي نجح في تحقيق تقدم وحل بعض المشاكل في السنوات الماضية، دون وضع حلول جوهرية للأزمة المتصاعدة.
وحسب بيان لوزارة الموارد المائية العراقية، طالب الحمداني، خلال الاجتماع من الجانب التركي بـ «إعادة النظر بخطة الإطلاقات المائية، وبما يؤمن حاجة العراق لتجاوز ظروف الشحة المائية الحالية» لافتةً إلى أن المسؤول التركي «أبدى استعداده للتعاون مع العراق بالإيعاز لمؤسسة المياه والسدود التركية لزيادة الإطلاقات المائية خلال الأيام القليلة المقبلة، وحسب الخزين المتوفر لديهم».
وحسب البيان، «تم خلال الاجتماع الافتراضي، الاتفاق بين الجانبين على إرسال وفد فني عراقي للاطلاع موقعيا على واقع الخزين المائي في السدود التركية، ومناقشة الخطط التشغيلية لتلك السدود وفقا للخزين المتاح، لتجاوز أزمة شح المياه الحالية التي يمر بها العراق».
وتجددت مؤخراً أزمة المياه بين تركيا والعراق، وذلك عقب إعلان تركيا تشغيل سد «إليسو» على نهر دجلة جنوبي تركيا، بطاقته الكاملة. وتزامن الإعلان مع ضعف موسم الأمطار الذي أدى إلى جفاف الكثير من السدود في تركيا وتزايد الخشية في العراق من أن تؤدي الآثار السلبية للسد التركي إلى أزمة مياه غير مسبوقة، وسط تحذيرات من موجة جفاف وعطش قد تضرب البلاد، حيث يعتبر العراق من الدول الخمس الأكثر عرضة لتغير المناخ والتصحر في العالم بسبب تزايد الجفاف، حسب السلطات العراقية.
أزمة الجفاف والسدود بين أنقرة وبغداد تعود إلى الواجهة
والثلاثاء الماضي، اعتبر السفير التركي في العراق، علي رضا غوناي، أن «الجفاف ليس مشكلة العراق فقط، إنما مشكلة تركيا ومنطقتنا بأكملها».
وكتب عبر «تويتر»: «نتيجة للاحتباس الحراري، سيكون هناك المزيد من حالات الجفاف في السنوات المقبلة. الطريقة الأكثر فاعلية لمكافحة هذه المشكلة، ليست طلب المزيد من المياه من تركيا، ولكن استخدام المياه المتاحة بأكثر الطرق كفاءة».
ترشيد الاستهلاك
وتابع: «هدف ترشيد استهلاك المياه، يجب تحديث أنظمة الري والتخلي عن الري البدائي المسبب بإهدار المياه ولهذا الغرض يجب القيام باستثمارات في البنية التحتية والشركات التركية مستعدة لذلك» وجدد الاتهام للعراق أن «المياه تُهدر بشكل كبير في العراق. يجب اتخاذ تدابير فورية للحد من هذا الإهدار» مطالباً العراق أن «يقوم بواجبه بشكل صحيح».
تصريحات السفير التركي أثارت غضب أطراف عراقية مختلفة لا سيما وزارة الزراعة التي طالبت باستدعاء السفير التركي، وتقديم مذكرة احتجاج «على تصريحاته المتكررة بهذا الخصوص».
ورغم تأخر الأمطار في الشتاء الماضي، إلا أن بيانات تركية مختلفة أكدت أن الأمطار المتأخرة كانت كفيلة في إعادة ملء معظم سدود البلاد بنسبة مئة بالمئة، وأن نسبة الأمطار هذا العام كانت كافية ومرضية، بعد أن سادت لأشهر مخاوف عميقة من خطر الجفاف ونقص المياه بسبب تأخر الأمطار وندرتها في بداية فصل الشتاء الماضي.
في المقابل، شهد العراق موجة جفاف خلال المواسم الثلاثة الماضية بسبب قلة سقوط الأمطار. وحسب المدير العام للمركز الوطني لإدارة الموارد المائية حاتم حميد حسين فإن «الخزين المائي أقل من العام الماضي بمقدار 60٪» وأضاف في تصريح قبل أيام نقلته وكالة الأنباء العراقية أن ايرادات العراق من نهري دجلة والفرات تقدّر بنسبة 35٪ «مقارنة بالمعدل العام للمئة سنة السابقة».
ونهاية العام الماضي، أعلن وزير الزراعة التركي، بكير باكديميرلي، أن إنتاج الطاقة بسد «إليسو» في جنوب شرق البلاد بلغ كامل طاقته، وذلك بعد أشهر قليلة من إعلان الرئيس رجب طيب اردوغان البدء بملء السد الذي ظل لسنوات طويلة محل خلاف كبير مع العراق، حيث حذرت بغداد مراراً من أن ملء السد سوف يؤدي إلى تقليل كميات مياه نهر دجلة التي تصل العراق والمساس بحصته من مياه النهر وما ينتج عن ذلك من مخاطر كبيرة.
مفاوضات
وبدأت المفاوضات التفصيلية بين تركيا والعراق حول ملف المياه، بعدما أوفد اردوغان نهاية عام 2019 مبعوثه الخاص إلى بغداد، لبحث المسألة مع المسؤولين العراقيين. وقدم المبعوث التركي مجموعة مقترحات خاصة بتنفيذ مشاريع لاستصلاح الأراضي، وأخرى لتنمية قطاع مياه الشرب والصرف الصحي. كما دعا إلى «ضرورة زيادة التعاون في المجالين التجاري والاقتصادي، إضافة إلى إنشاء مركز أبحاث مشترك متخصص بإدارة المياه بين البلدين مقره بغداد، وكذلك التعاون في مجال زراعة الغابات، وإنشاء مشاتل لأشجار الغابات الملائمة لظروف العراق» كما جرى الاتفاق على تبادل المعلومات الفنية حول مناسيب «الخزين المائي» بما يسهم في تحسين تشغيل السدود وإدارة المياه، لاسيما أثناء الأزمات في مواسم الشح والفيضان.
كما وعدت تركيا، العراق، بمساعدته في بناء مشاريع تتعلق بالمياه والكهرباء والغابات وخطوط المياه والمجاري والتوزيع وغيرها بما يعزز البنية التحتية للمياه في العراق ويقلل من احتمالات تضرره من السد التركي، حيث تجمع مصادر عراقية وتركية على أن جزء من مشكلة المياه في العراق لا تتعلق بالسدود بقدر ما تتعلق بترهل البنية التحتية وأساليب الري القديمة التي تستنزف كميات هائلة من المياه.