العراق يعمل على زيادة طاقته الإنتاجية للنفط رغم التحديات

حجم الخط
0

لندن ‘القدس العربي’
يتطلع العراق إلى أن يصبح بحلول عام 2020 ثاني أكبر منتج للنفط بدون منازع في منظمة الدول المصدرة للنفط (اُوبك)، بعد المملكة العربية السعودية والتي تمتلك قدرة إنتاجية تفوق 12 مليون برميل يومياً تنتج منها حالياً أكثر بقليل من 9.5 مليون برميل يومياً. وتسعى بغداد، بموجب إستراتيجية عامة لقطاع الطاقة حتى عام 2030، إلى رفع قدرة العراق الإنتاجية البالغة حوالي 3.6 مليون برميل يومياً إلى 9 ملايين برميل في اليوم بحلول عام 2020، والمحافظة على تلك الطاقة الإنتاجية لعدة سنوات قد تمتد لعشر أو أكثر.
ويعول العراق لتحقيق ذلك على قفزات كبيرة في القدرة الإنتاجية في أكبر حقوله النفطية الموجودة في جنوب البلاد. وقد بدأ هذا الحلم بالتحقق فعلاً مع بدء الإنتاج التجاري في آب/اُغسطس الماضي من حقل مجنون العملاق الذي يحتوي على إحتياطيات تقدر بـ39 مليار برميل وتديره شركة ‘شل’ الهولندية البريطانية. وقد إرتفع إنتاج الحقل من 45 ألف برميل يومياً، قبل أن تتسلم ‘شل’ إدارته في عام 2010، إلى 210 آلاف برميل يومياً الشهر الماضي. وكانت ‘شل’ وشريكتها الماليزية ‘بتروناس’ قد تعهدتا بموجب عقد الخدمة التي منحتهما إياه العراق بزيادة الطاقة الإنتاجية لحقل مجنون إلى 1.8 مليون برميل يومياً بحلول عام 2018، لكن العراق يفاوض ‘شل’ من أجل خفض هذا الهدف إلى 1.2 مليون برميل يومياً بحلول عام 2020، وذلك ضمن خطة عراقية لتخفيض مستويات الإنتاج المستهدفة المتفق عليها أصلاً مع الشركات الأجنبية في حقولها الخمسة العملاقة، من ما مجموعه حوالي 10.5 مليون برميل يومياً بحلول عام 2018 إلى 7.15 مليون برميل يومياً بحلول عام 2020.
وتعود رغبة العراق في خفض أهداف الإنتاج الأصلية من حقوله الرئيسية إلى عدة أسباب أهمها: أنه يخشى من إغراق السوق النفطية بكميات تفوق الطلب، فيما لو ارتفعت طاقته الإنتاجية الكلية إلى أكثر من 12 مليون برميل يومياً حسبما كان متوقعاً، إذا ما إلتزمت الشركات الأجنبية العاملة في حقوله الرئيسية بأهداف الإنتاج الأصلية المتفق عليها، مما سيتسبب في إنخفاض أسعار النفط في السوق العالمي، وبالتالي تراجع إيراداته النفطية.
وهذا يعني ان لجوء العراق إلى خيار خفض أهداف الإنتاج الأصلية سيجنبه الحاجة إلى الاحتفاظ بطاقة (قدرة) إنتاجية فائضة كما تفعل السعودية، التي تكلفت نفقات كبيرة لرفع قدرتها الإنتاجية ثم إضطرت لعدم إستغلال تلك القدرة بالكامل خوفاً من إغراق السوق. كما أن قرار العراق تخفيض الأهداف الإنتاجية الأصلية لحقوله العملاقة سيسهم في إطالة أعمارها الإنتاجية ويبطئ استنفاد مكامنها النفطية، مما يتيح للبلاد الإستفادة من ثروتها النفطية لأطول فترة ممكنة.
ثم أن مشاريع تطوير 12 حقلاً نفطياً، منها خمسة حقول عملاقة، يتطلب بنية تحتية متطورة ذات طاقة كبيرة بينما بنية العراق التحتية منهكة وغير متقدمة بسبب الحروب والحصار الإقتصادي الذي عانته البلاد لسنين طويلة.
وقد أعاد العراق بالفعل الإتفاق مع الشركات الأجنبية العاملة في ثلاثة من حقوله العملاقة لتخفيض أهدافها الإنتاجية الأصلية. فقد وافقت شركة ‘لوك أويل’ الروسية على خفض الهدف الإنتاجي لحقل غرب القرنة-2 الذي تديره من 1.8 مليون برميل يومياً إلى 1.2 مليون برميل يومياً بحلول عام 2018.
كما وافقت شركة ‘إيني’ الإيطالية على خفض الهدف الإنتاجي لحقل الزبير من 1.125 مليون برميل يومياً إلى 850 ألف برميل يومياً بحلول عام 2020. كما أن وزارة النفط العراقية اتفقت مع شركة ‘إكسون موبيل’ الأمريكية على خفض الهدف الإنتاجي لحقل غرب القرنة-1 من 2.825 مليون برميل يومياً إلى 1.8 مليون برميل بحلول عام 2020.
كما إتفقت وزارة النفط العراقية مع ‘بي.بي’ البريطانية على تخفيض الهدف الإنتاجي لحقل الرميلة من 2.85 مليون برميل يومياً إلى 2.1 مليون برميل يومياً بحلول عام 2020، ولكن التفاوض ما زال جارياً حول تعديل بعض الشروط الاُخرى في الإتفاق الأصلي.
شهد قطاع النفط العراقي علامة فارقة ثانية مع بدء الإنتاج الأولي البالغ 120 ألف برميل يومياً من حقل غرب القرنة -2 في شهر آذار/مارس الماضي. هذا الحقل هو أيضاً من حقول العراق العملاقة إذ يحتوي على احتياطيات تقدر بـ14 مليار برميل وتديره شركة ‘لوك أويل’ الروسية، التي تنوي زيادة إنتاجه إلى 400 ألف برميل يومياً، مع نهاية هذا العام مما سيسهم مع الزيادات الأخرى المتوقعة من الحقول الواقعة في جنوب العراق في رفع قدرة العراق الإنتاجية من حوالي 3.6 مليون برميل في اليوم حالياً، إلى حوالي 4 ملايين برميل في اليوم بدون إحتساب الطاقة الإنتاجية لإقليم كردستان البالغة حوالي 360 ألف برميل يومياً.
لكن ما زال أمام قطاع العراق النفطي أشواطاً كبيرة عليه أن يقطعها قبل أن يحقق هدفه في بلوغ طاقة إنتاجية تناهز 9 ملايين برميل يومياً. ويعتقد بعض خبراء النفط أن العراق لن يكون قادراً على تجاوز طاقة 6 ملايين برميل يومياً بحلول عام 2020، وذلك لأن التحديات التي يواجهها العراق في مجال البنية التحتية المنهكة تمتد إلى قطاع النفط نفسه. فتأخر وزارة النفط في إنشاء منظومة لجلب مياه البحر من الفاو بواسطة الأنابيب ثم معالجتها من أجل حقنها في آبار الحقول العملاقة، للحفاظ على الضغط داخل المكامن النفطية، سيؤخر زيادة الإنتاج من جميع تلك الحقول. مشروع حقن المياه ما زال في طور التصميم، وقد لا يكون جاهزاً بحلول عام 2017 عندما ستنشأ الحاجة إليه، مع أن بعض الشركات ستتمكن من الإستعاضة عن ذلك جزئياً – ولو إلى حين – إما بإعادة حقن آبار التي الحقول التي تديرها بالمياه التي تخرج مع النفط وتفصل عنه، أو بالإستفادة من مياه الأنهار بعد معالجتها.
كذلك فإن التأخير الحاصل في توسيع مرافق التصدير، وإنشاء مرافق جديدة لتنظيم عمليات التصدير، سيحولان دون التمكن من تصدير كل الكميات المستهدفة للتصدير، إذا ما ارتفعت القدرة الإنتاجية قبل إكتمال تجهيز مرافق التصدير بالكامل. ومؤخرا أتمت وزارة النفط إنشاء وتشغيل منصتين عائمتين لتحميل الصادرات النفطية بطاقة 900 ألف برميل في اليوم لكل منهما، وستنتهي من إنشاء وتشغيل منصتي تحميل إضافيتين بطاقة 900 ألف برميل لكل منهما مع نهاية هذا العام، مما سيزيد في الطاقة التحميلية في جنوب العراق إلى حوالي 6 ملايين برميل يومياً، إذا ما أضيفت طاقة مينائي البصرة وخور العمية إلى طاقة منصات التحميل العائمة.
لكن تأخر مشروع الفاو للخزانات النفطية، حيث سيتم خزن ومزج النفط المنتج في الحقول ومن ثم ضخه إلى منشآت التحميل، سيعني أن العراق لن يتمكن من تصدير كل الكميات المنتجة من أجل التصدير، وهذا سبب إضافي سيدفع العراق إلى العمل على تأجيل عمليات زيادة القدرة الإنتاجية للنفط من الحقول.
فيما مضى كان مستودع الفاو يتسع لـ3.5 مليون برميل لكنه دمر أثناء الحرب العراقية – الإيرانية. وهنالك مشروع لإعادة بنائه وتوسيعه ليضم 24 خزاناً بسعة 365 ألف برميل لكل خزان. لكن لم يتم لغاية الآن سوى تركيب وتشغيل أربعة خزانات فقط، ويبدو أن المشروع لن يكتمل قبل عام 2018، مع أن تاريخ الإنتهاء الأصلي للمشروع كان عام 2012. وبالتالي لن تتمكن الشركات التي تدير حقول العراق العملاقة من إنتاج كميات كبيرة من النفط بمستويات ثابته حتى يتم تركيب وتشغيل خزانات الفاو والمضخات التي تضخ النفط من المستودع إلى منشآت التحميل، إذ أن منصات التحميل معرضة لتقلبات الطقس بسبب وجودها في عرض البحر، ويتوقف التحميل منها أحياناً عندما يسوء الطقس. وفي غياب وجود خزانات كافية لا مناص من تخفيض الإنتاج من الحقول لحين التمكن من إعادة أعمال التحميل. كما ان نقص المضخات يقلل من كميات التصدير الحالية، ولذلك فحتى المنصتين اللتين تم تشغيلهما تعملان بنصف طاقتهما.
كذلك فإن بعض شركات النفط الأجنبية تشكو من كثرة المعوقات البيروقراطية التي تتعرض لها والتي تعرقل أعمالها في تطوير الحقول النفطية. وقد وصل الأمر بباولو سكاروني، رئيس شركة ‘إيني’ الإيطالية، في شباط أن هدد علنياً بالإنسحاب من مشروع تطوير حقل الزبير بسبب تأخر وزارة النفط في الموافقة على عقدين كانت ‘إيني’ تريد إحالتهما على شركات هندسية لبناء محطتين لفصل الغاز المصاحب للنفط في الحقل، مما جعل وزارة النفط تسارع بالموافقة بعد ذلك.
لغاية الآن لم يؤثر الوضع الأمني المتدهور في الأنبار والمناطق المحاذية لها على جنوب العراق، حيث يتم إنتاج غالبية النفط العراقي. أما في الشمال، حيث تبلغ القدرة الإنتاجية للحقول التي تديرها شركة نفط الشمال الحكومية حوالي 580 ألف برميل – باستثناء القدرة الإنتاجية لإقليم كردستان حيث تدير حكومة الإقليم قطاعها النفطي بشكل مستقل، فإن الهجمات المتكررة التي يتعرض لها أنبوب تصدير النفط من كركوك إلى ميناء جيهان التركي قد أدى إلى توقف التصدير تماماً لمدة قاربت الشهرين. ولا توجد دلائل تشير إلى متى سيبدأ التصدير مجدداً. ومن غير المرجح إنتقال تلك الهجمات إلى جنوب العراق لأن التركيبة السكانية هناك لن توفر حاضنة طائفية لأي أعمال تخريبية مناوئة للحكومة على غرار ما يحدث في الأنبار والمحافظات المجاورة. لكن عدم الإستقرار السياسي العام في البلاد سيفاقم المعوقات البيروقراطية التي تؤخر أعمال التطوير في حقول الجنوب.
مع ذلك، ورغم كل ما يقال عن المعوقات التي تواجه أعمال التطــــوير النفطـــية، إلإ أنه يجب الإعتراف بأن العراق قد نجح في رفع قدرته الإنـــتاجية من حوالي 2.5 مليون برميل في 2010 إلى حـــوالي 3.6 مليون برميل يومياً خلال أربع سنوات، وهذا إنجاز لا بأس به في ظل التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه البلاد.
كذلك يجب الإعتراف بأن العراق قد نجح في فرض شروط تجارية صارمة على الشركات الأجنبية العاملة في 12 من حقوله، إذ أنه يدفع للشركات التي تدير حقوله الخمسة الكبرى رسوما تترواح بين 1.15 دولار إلى 2 دولار عن كل برميل جديد تنتجه الشركات. كما يتعين على الشركات دفع ضريبة بنسبة 35 في المئة للحكومة العراقية عن تلك الرسوم والتي تعتبر منخفضة إذا ما أخذنا في الإعتبار أن أسعار النفط حالياً تتجاوز 105 دولارات للبرميل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية