استمرأت دولة الكيان الصهيوني العدوان على سوريا، ومن قبلها العراق، وعلى لبنان وإيران وغيرها، فلا يكاد يمرّ وقت قصير، حتى نسمع عن قصف الكيان لمواقع سورية، ويكون ردّ الفعل «سنرد في الوقت والزمن المناسبين» للأسف مرّت سنوات طويلة، من دون أن نسمع ردّاً.
لقد سبق لدولة العدوان أن قامت بقصف ما ادّعته قافلة أسلحة في السودان، وقامت بقصف المفاعل النووي العراقي عام 1981، وادّعت أنها قصفت منشأة نووية سورية عام 2007، ليتبين بعدها أنها قصفت معهداً بحثيا. واستباحت أقطاراً عربية أخرى: تونس، ولبنان، والإمارات وغيرها، وإسقاط طائرة مدنية ليبية، واختطاف أخرى سورية، وغير ذلك الكثير. وظلت كل هذه الاعتداءات الهمجية من دون ردود، ما ساعد إسرائيل وشجعها على المضي قدماً في هذا النهج. كان هذا أيضاً بضوء أخضر أمريكي من دون اكتراث بردود الفعل العربية، ولا بالقوانين الدولية، فتصبح اعتداءاتها على الفلسطينيين وعموم العرب، على أرضهم وسمائهم ومياههم الإقليمية مسألة طبيعية، بل جرى تبريرها بأن من حقّ إسرائيل الدفاع عن نفسها.
في مقدمة كتابه «غرب كنيس دمشق» يكشف الكاتب السوري سامي مروان المبيّض، عن اجتماع سري جرى في تل أبيب بين موشي شاريت عام 1954 قبل استقالته من رئاسة الحكومة الإسرائيلية عام 1955، وسلفه الأب المؤسس للدولة الصهيونية ديفيد بن غوريون، الذي قال بإن: إسرائيل لا يمكنها أن تستمر وتنمو في ظل نهضة كل من سوريا ولبنان والعراق على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فاقترح شاريت بث الفوضى وإشعال نار الفتنة في جميع هذه الدول، وأن يبدأ الخراب من العراق، لكن بن غوريون رفض. ثم اقترح شاريت أن يبدأ بلبنان، إلا أن بن غوريون عارضه مجددا، وهو كان قد اعتمد عام 1947 إنشاء دويلة في جنوب لبنان تكون تابعة لإسرائيل.. ثم اقترح أن يبدأ بسوريا، فوافقه بن غوريون. والوضع اليوم في كل من سوريا والعراق ولبنان وغيرها من الدول العربية، يؤكد على أن هذا الدمار الحاصل هو من صنيعة الدولة الصهيونية وهو مخطط قديم. فلم يتبق في الوطن العربي غير قوى قليلة، تشكلّ خطراً على الدولة المنشأة قسراً.
العدو الإسرائيلي يبدو قويّاً بسبب ضعفنا وهزائمنا وارتباكنا المستهجن
من أبشع العقوبات الأمريكية على سوريا، تشريع «قانون قيصر» لحماية المدنيين، وهو اسمٌ للعديد من مشاريع القوانين المقترحة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس الأمريكي، وكلها موجّهة ضد الحكومة والشعب السوري. يستهدفُ القانون أيضاً الأفراد والشركات الذين يقدّمون التمويل أو المساعدة للحكومة السورية، كما يستهدفُ عدداً من الصناعات السورية، بما في ذلك تلك المُتعلِّقة بالبنية التحتية، والصيانة العسكرية وإنتاج الطاقة، عدا عن استهدافهِ للكثير من الجهات الإيرانية والروسية، التي تقدّم الدعم لسوريا، فقد أقرَّ مجلسُ الشيوخ مشروع القانون في منتصف كانون الأول/ديسمبر 2019 ووقَّعهُ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأصبح «قانونًا جارياً» وقد بُدء فعليّاً في تطبيقاته عبر فرضِ العقوبات على الجهات التي تتعامل مع الحكومة السورية ووكالاتها العسكرية والاستخباراتية. سُمِّي القانون باسمِ قيصر نسبةً لشخصٍ مجهولٍ، قيل إنّه سرّب معلومات وصورا لضحايا «تعذيب» في سوريا. وقد أصبحَ هذا القانون عام 2019 جُزءًا من قانون إقرار الدفاع الوطني للسنة المالية 2020، وفقًا لتقرير مجلس النواب 116- 333 الذي وافقَ عليه، والأمر نفسه جرى في مجلس الشيوخ في 17 كانون الأول/ديسمبر 2019. وبعد بضعة أيام وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هذا المشروع.
وبالنسبة للنفط ومصادر الطاقة، نص القانون على فرض عقوبات على كل من يعمد إلى توفير السلع، أو الخدمات، أو التكنولوجيا، أو المعلومات، أو أي دعم من شأنه توسيع الإنتاج المحلي في مجال الغاز الطبيعي والنفط والمشتقات النفطية. وفي مسألة إعادة الإعمار ينص على ردع الأجانب عن إبرام العقود المتعلقة بإعادة الإعمار. القانون وفقا للأقوال الأمريكية هو لحماية المدنيين السوريين، ولكن، فإن أكثر من سيتضرّر منه هم المدنيون السوريون، بسبب الأزمة الاقتصادية التي يسببها، أو الانخفاض الكبير في سعر الليرة السورية وفقا للدولار.
بالنسبة للعقوبات على لبنان، على الرغم من الحديث عن أن أسماء لبنانية جديدة أضيفت على لائحة العقوبات الامريكية في إطار قانون العقوبات على «حزب الله» الصادر عام 2015، فهو ليس بالجديد، إلا أن السلطات الرسمية في لبنان لم تحرك ساكناً نحو الولايات المتحدة، وتعاطت بـ»خفة» مع هذا القرار، الذي لا يزال لبنان ومصارفه تحت وطأة تداعياته. وعلى أهمية الزيارة التي قام بها الوفد المصرفي اللبناني الى واشنطن ونيويورك، التي أتت في إطار الزيارات الروتينية للمسؤولين في القطاع المصرفي (كل 6 أشهر) بغية عقد لقاءات عمل مع إدارات المصارف الأمريكية، ورغم زيارة وزير الخارجية الأمريكي بومبيو إلى بيروت مؤخرا، يبدو أن مهمة إزاحة العقوبات، ستكون عملية شاقة، على اعتبار أننا على أبواب إدارة أمريكية جديدة، ويفترض بهم من جديد شرح ملف العقوبات بتفاصيله وأثره في لبنان اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.
لقد عوّل الوفد المصرفي على اللقاءات التي عقدها مع عدد من المسؤولين التنفيذيين لدى وزارتي الخزانة والخارجية، ومع أعضاء في الكونغرس. غير أن مصادر جمعية المصارف أكّدت أن أحداً لن يكون قادراً على تغيير مسار العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا الواقع لم يستطعه أيضا الوفد النيابي الذي زار واشنطن خصيصا لهذا الأمر. أيضاً، لقد زادت واشنطن من عقوباتها على إيران، فقد فرضت عقوبات جديدة على ثمانية مسؤولين إيرانيين كبار بينهم، قائد ميليشيا الباسيج، ومن بين المسؤولين الكبار المستهدفين بالعقوبات الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي علي شمخاني، ورئيس هيئة الأركان العامة العميد محمد أشتيانيو، اتهموا بالعمل على زعزعة استقرار المنطقة، وكذلك على كبار منتجي ومصنّعي الصلب. ومنحت إعفاءات لمن يعاون في تحقيقات تحطم الطائرة الأوكرانية. أيضاً، طالت العقوبات 17 شركة للتعدين وإنتاج الصلب والألمنيوم، اعتبرت السلطات الأمريكية أنها تدّر مليارات الدولارات من الأرباح. وشملت العقوبات كذلك ثلاث شركات تتخذ الصين وجزر سيشل مقرا لها، إضافة إلى سفينة «متورطة في شراء ونقل الصلب الإيراني. نعم، اتخذت الولايات المتحدة (في العاشر من يناير/ كانون الثاني 2020) مزيدا من العقوبات على إيران، وتعهدت بتشديد العقوبات على الاقتصاد الإيراني إذا واصلت طهران الأعمال «الإرهابية» أو سعت لامتلاك قنبلة نووية. وشملت العقوبات قطاعات الصناعات التحويلية والتعدين والمنسوجات.
من جهتها نقلت صحيفة «واشنطن بوست» في السابع من يناير 2020، عن ثلاثة مصادر مطّلعة: أن مسؤولين بارزين في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأوا بصياغة العقوبات التي هدد ترامب بفرضها، إذا ما مضى العراق في توجهه لطرد القوات الأمريكية. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه العقوبات ستكون اقتصادية، ويمكن للبيت الأبيض استخدامها لمحاولة عزل ومعاقبة أي شخص، أو كيان أو حكومة، بما في ذلك فرض عقوبات على الشركات الأمريكية في حال عملت مع أخرى عراقية. وتجدر الإشارة إلى أن منع أي شخص أو كيان من التعاطي مع الاقتصاد والقطاع المالي في الولايات المتحدة يمكن أن يمثل عقوبة شديدة للغاية. وما أن توعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العراقيين بعقوبات «لم يروا مثلها سابقاً» حتى عادت الذاكرة بالعراقيين إلى أيام الحصار، وما عانوه خلالها من معاناة وعوز شديدين، وسط توقعات المراقبين من أن تبعات أي عقوبات هذه المرة، ستكون أكثر خطورة.وتأتي تهديدات ترامب بعد قرار البرلمان العراقي تفويض رئيس الوزراء إنهاء تواجد القوات الأجنبية في البلاد، وسبق له أن صرح أنه «إذا طلبوا منا بالفعل أن نغادر واذا لم يتمّ ذلك ودّياً، فسنفرض أقسى عقوبات عليهم.
بعد هذه العربدة الصهيوأمريكية، وامتصاص الأخيرة للثروات العربية، في الوقت الذي تبقى فيه أسواقنا مفتوحة للبضائع الأمريكية، من الصعب على مواطن عدم وصول قوى المقاومة إلى وضع استراتيجية مشتركة، تأخذ بعين الاعتبار الإعتداءات الصهيونية المتكرّرة على أحد أطرافها، فالعين بالعين والسّن بالسّن، والبادىء أظلم! أما الخوف من أن يؤدّي الرّد المحدود إلى حربٍ شاملة، فهو تصوّرٌ في غير محلّه! فالكيان الصهيوني أجبن من خوض حربٍ حالية ضدّ جبهات متعددة، خاصة في هذه المرحلة من تسلّم نتنياهو لرئاسة الحكومة، والمظاهرات الإسرائيلية بالآلاف بشكلٍ يومي تجري ضده في فلسطين المحتلة. هو يقوم بضربات محدودة في سوريا ولبنان، ويفجّر أهدافا مهمة في إيران، لمراكمة انتصارات له لتخفيف المظاهرات ضدّه أوّلا، ولكسب الشارع الإسرائيلي ثانيا قبيل الانتخابات المنوي إجراؤها في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ولقطع الطريق عن تسلّم غانتس لرئاسة الحكومة، وفقاً لاتفاقية التناوب ثالثاً.على مسؤولي محور المقاومة معرفة التكتيك الصهيوني المتغير، والمبني على استراتيجية واضحة ومعروفة، فهذا العدو يبدو قويّاً بسبب ضعفنا وهزائمنا وارتباكنا المستهجن.
كاتب فلسطيني
ألشكر للدكتور فايز رشيد على مقاله ألرائع لهذا ألأسبوع ألذي يشير به الى هزائمنا وأنتكاساتنا حيث يقول في ألفقرة ألأخيرة ” فهذا العدو يبدو قويّاً بسبب ضعفنا وهزائمنا وارتباكنا المستهجن”. قديماً قالو “في ألأتحاد قوة” ألغريب هنا انه على ألرغم من معرفتنا بأن هذا ألعدو سيستمر في ضم ألأراضي العربية بين حين وأخر حتى يتم تحقيق هدفه “من ألنيل الى ألفرات” وليس هناك قوة من أجباره للعودة من حيث أتى سوى بأتحادنا. أن أتحادنا ليس فقط سيحرر فلسطين من ألعدو ألمحتل بل له فوائد أقتصادية لا حدود لها وتعيدنا الى عصرنا ألذهبي.
شكرًا أخي فايز رشيد. لا أعرف ماذا أقول، فمن جهة أنا أتفق معك تمامًا ومن جهة أخرى لاأرى مجالًا للخلاص من هذه الكوارث إلا بالخلاص من أنظمة القمع والإستبداد التي تتخذ من الصراع مع إسرائيل غطاء وترش به الرماد في العيون. أكثر المتضريين من قانون قيصر هو الشعب السوري لكن أمثر المتضررين من نظام القمع والقتل والاستبداد والإجرام وداعميه! هو الشعب السوري بالإضافة إلى الشعب اللبناني والفلسطينيين الذي عاشوا أو مازالوا يعيشون في سوريا ولبنان وطبعًا الشعب العراقي إذا أضفناا إيران إلى المعادلة لكن هذا موضوع آخر بحد ذاته. كم تضررت إسرائيل بالله عليكم من النظام السوري منذ نصف قرن وكم تضررت إسرائيل بعد طرد المقاومة الفلسطينية من جنوب لبنان! لاشك أن غزة بامكانياتها البسيطة وبرغم الحصار من إسرائيل ومن الدول العربية أضرت باسرائيل أكثر مما فعلته سوريا وإيران وحزب الله مجتمعة فيما يسمى خزب النقلومة والممانعة وهيهات من هكذا مقاومة وممانعة