حتى بعد جهود تمويه مشددة، فإن عملاً غير أخلاقي يبقي بشكل عام دلائل تفضحه.. هنا عقب سيجارة، وهناك بصمة إصبع، إليكم حادثة كلاسيكية كهذه: في البداية ربطت لجنة الانتخابات المركزية الانضمام إلى ما يسمى “وحدة الإشراف على الانتخابات” بالخدمة العسكرية، أي لن يكون للعرب موطئ قدم في وحدة الإشراف. بعد ذلك قال أعضاء لجنة الانتخابات بأن الشرط وضعته شركة خارجية وطلبت تغييره. وهذا التفسير غير مرض. ألم يقرأ أعضاء لجنة الانتخابات هذه الوثيقة قبل نشرها؟ وإذا كانوا قرأوها، ألم ينتبهوا حقاً إلى أن الأمر يتعلق بتمييز كبير؟
لهؤلاء الذين يسألون: لماذا يدور الحديث عن عمل غير أخلاقي؟ أقول إن جذور هذا القرار هي في محاولة ردع جمهور كامل عن التصويت. المبادرون إلى عملية التصويت في صناديق الاقتراع في البلدات العربية في الانتخابات الأخيرة كانوا من رجال حزب السلطة، الذين استوعبوا ما أراده زعيمهم رئيس الحكومة. النية غير الخفية التي لوح بها المبادرون بتفاخر هي خفض نسبة التصويت في أوساط الجمهور العربي. أليس هذا ذبحاً للديمقراطية في ميدان المدينة.
لقد أملت أن يقوم رئيس لجنة الانتخابات المركزية، القاضي حنان ملتسر، بالخروج ببيان شديد يعلن بكامل القوة الأخلاقية التي منحته إياها وظيفته بأنه خلال فترة ولايته لن يتم تنفيذ عمل وحشي كهذا، بحيث لا يتم تصوير الناخبين وكأن الأمر يتعلق بمجرمين. وحقيقة أن العرب هم الذين جرى تصويرهم ستظل وصمة عار على جبين مجتمع ديمقراطي، ويجب قتل هذه المحاولة في المهد. ولكن ما يفطر القلب هو أن القاضي ملتسر الذي كان يجب عليه رفع علم العدالة والعمل من أجل الدفاع عن المضطهدين والضعفاء في المجتمع، لم يتخذ أي خطوات فعالة في يوم الانتخابات من أجل منع التصوير، ولم يعمل من أجل تقديم الذين تعلن نياتهم منع العرب من المشاركة في الانتخابات، للمحاكمة. لقد تنازل عن 20 في المئة من مواطني الدولة، وهي النسبة نفسها التي تتلقى اللكمات من كل صوب.
الأكثر من ذلك هو أنه بدلاً من الخروج بتصريح له طابع رئاسي، موجه لجميع مواطني الدولة، والقول فيه إن المواطنين العرب هم جزء منا، وأن احترام حقوقهم ضمانة لوجود نظام ديمقراطي.. وبدلاً من جلب آلاف الاقتباسات والنصوص من مصادر يهودية وإنسانية توضح أهمية دمج العرب، بدلاً من ذلك كله اختار القاضي ملتسر أن يمنح جائزة لمن يقسمون المجتمع، ولمن يكرهون الآخر، الذين يعد أمثالهم في شعوب أخرى رأس الحربة في كراهية اليهود في بلادهم.
هكذا، الخطاب اليميني المتطرف، وحتى الفاشي، الذي يشوه صورة العرب ويصفهم بمزوري الانتخابات، بمساعدة لجنة الانتخابات، يشوه صورة الفضاء العام. بدلاً من الخروج في حملة دعائية كبيرة وتشجيع العرب على التصويت كعمل مدني سام، الذي يدفع قدماً بالاندماج ويمنع الاغتراب بين المواطن والدولة وبين الأقلية والأكثرية، جاءت لجنة الانتخابات وتوافقت مع اليمين المتطرف الذي يريد اتهام العرب بكل أمراض الدولة. كل ذلك في الوقت الذي بقي فيه “طاهراً” رئيس حكومة أساس كل العلل، الذي يتعلق عدد من لوائح الاتهام ضده.
عندما مرض الشاعر أبو العلاء المعري أوصوه بمرق الدجاج. “لم لا يكون مرق أسد”، سأل باستغراب. وعندما فكر في الأمر قال: أيتها الدجاجة المسكينة، بسبب ضعفك أوصوا بك.
حقاً، لماذا يتم توجيه الاتهامات للعرب؟ لماذا لا يسألون عن طهارة الانتخابات في المستوطنات أو في أوساط الأصوليين؟ لأنه، وليبق هذا سراً بيننا، ما الذي يستطيع عربي أن يفعله عدا عن تزوير صوت هنا وصوت هناك، في الوقت الذي يستطيع فيه رئيس الحكومة إحداث تغيير جوهري في نتائج الانتخابات بواسطة طائرات بدون طيار تُرسل إلى بيروت قبل وقت قصير من موعد الانتخابات. كل طائرة تُرسل إلى لبنان تجلب، في أعقاب الخطاب العدائي الذي يتولد حولها، عشرات آلاف الأصوات.
بقلم: عودة بشارات
هآرتس 2/9/2019