لقد تضاءلت اهمية اخبار الاحداث التي تعصف بعالمنا العربي، وتوارت اخبار الصراع السوري وغليان 30 يونيو وانفجارات بلاد الرافدين، وقام الاعلام العربي بجر المواطن الى بيروت، العاصمة اللبنانية، الى ساحة الحدث الاعظم الذي تتلألأ فيها الاضواء الساطعة وتحشد فيها نجومه اللامعة تحت عنوان مكتوب بالحروف العربية التي ينتمي اليها المواطن الذي يعيش على الساحة، ولكنه يعيش غريبا عن معناها. هكذا وجد المواطن البسيط المقهور والمسحوق نفسه خارج ساحات الاعتصام والاغتصاب والتخوين والتكفير مدفوعا للدخول في ساحة اخرى يخوض فيها صراعه ونضاله الافتراضي للحفاظ على وجوده وهويته وثقافته وينادي بارودته ليسترد الارض ويحافظ على العرض. الساحة البيروتية خالية من طلقات المدافع وزحف الدبابات وقصف الطائرات انها ناعمة وحالمة ورومانسية ليس اكثر من مسابقة لاختيار اجمل صوت غنائي عربي ضمت مجموعة من الشباب من ذوي الاصوات والاداء الجميل الساعين للفوز بلقب المسابقة واختير لها لجنة تحكيم من نجوم الغناء اللامعة وتسير فاعليات المسابقة في اجواء غنائية وموسيقية ورقصات استعراضية غاية في الابهار من حيث الاضاءة والالوان وتنظيم الاستعراضات واستضافة بعض نجوم الغناء العربي في كل حلقة من المسابقة. والمدهش ان ترجيح كفة المتسابق لا تقوم على اسس علمية وانما تقوم على الانطباع الشخصي الذي كونه اداء المغني على لجنة التحكيم والجمهور الذي يعبر عن رأيه بالتصويت تليفونيا. ومن هنا تأتي اهمية الاتصالات التليفونية ليس فقط للمتسابق حيث يفوز من يحصل على اكبر عدد من الاتصالات التليفونية بصرف النظر عن مستواه الفني وجدارته الفنية وانما تحقق فيضانات الاتصالات التليفونية المصوتة للمتسابقين الارباح المالية التي تستهدفها المسابقة ويزيد نجاح نجاح المنظمين وزيادة ارباحهم المالية اذا نجحوا في استنفار مشاعر المتابعين للمسابقة ودفعوهم الى المزيد من الاتصالات وبالتالي تحقيق المزيد من الارباح. ولا اعتقد ان المصادفة وحدها هي التي تسببت في انتهاء التصفيات بصعود ثلاثة متسابقين الى الدور النهائي فتاة من سورية وشاب من قطاع غزة والثالث من مصر اي من ثلاث مناطق تلتهب بحمم الغضب والمقاومة وسفك دماء الابرياء وفجأة تحولت اغاني المسابقة الى الاغاني الوطنية التي تلهب الحماس وتدفع الى مقاومة المستبد الداخلي وقهر العدو الخارجي وكأنها تعد جيوش على اعتاب معركة وطنية كبرى وتسمع التعليقات وتقرأ المقالات وتشاهد التقارير التليفزيونية في الاعلام الدولي والمحلي عما يدور على الساحة المعركة البيروتية حتى في جريدة ‘القدس العربي’ تجدها لا تتحدث عن مسابقة غنائية وانما عن احزان النكبة وينابيع الالم الحلبية وتصميم الثوار على التصوير تحت الراية المنصورة اذن نجح الاستنفار وجعل الملايين يرفعون الاعلام في الساحات ويضغطون على هواتفهم للمساهمة في تحقيق الانتصار على جبهة بيروت وفاضت الانهار باموال المتحمسين، وكما كان متوقعا حقق فتى القطاع الحلم الفلسطيني ومنحت المسابقة للعرب ساحة لتحقيق نصر افتراضي بعد ان حاصرهم واقعهم بمرارة الهزيمة ومذلة الانكسار.