عمان- «القدس العربي»: الخلاصة السياسية بعد الزيارة المهمة التي قام بها إلى بغداد وفد برلماني رفيع المستوى، تشير إلى أن مقايضات اقتصادية الطابع بصفة حصرية مخلوطة بكثير من النكهات السياسية قد تكون في إطار الترتيب ثم التكوين، ليس فقط على صعيد العلاقات الأردنية العراقية، ولكن أيضاً على صعيد العلاقات الأردنية الإيرانية.
بدأ رئيس مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي، منذ اليوم التالي لعودته إلى عمان، يبشر بترتيبات وتفاهمات مستجدة مع نخبة النفوذ الشيعي العراقي التي تحكم السياقات في بغداد. وبدأت حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة من جانبها بالتحضير لإكمال بعض البروتوكولات على أمل البناء على المعطيات التي وفرها رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي ورفاقه في كتل البرلمان بعد التسلل المسيس الأخير وفتح نقاش حيوي وصريح بعنوان محاولة مشتركة مع نخبة بغداد اليوم لتجاوز بعض التعقيدات والكمائن والمطبات.
وفي وقت قريب قد لا يزيد عن أسابيع، سيتوجه إلى بغداد وفدان وزاريان يمثلان حكومة الأردن. وفي وقت قريب، قد يساهم الصفدي أكثر من غيره من كبار اللاعبين في هندسة بعض المعطيات عبر توثيق وتشبيك حالة الاشتباك التشريعي مع العراقيين، مما قد يتطلب إطلالات برلمانية باتجاهي الطريق الدولي بين عمان وبغداد لاحقاً.
الرسالة فيما يبدو كانت واضحة من قادة ورموز البيت الشيعي العراقي، وأصغى إليها 23 عضواً فاعلاً في الكتل البرلمانية الأردنية، وعنوانها العريض على الأرجح الاستعداد لفتح أوتوستراد من العلاقات والمشاريع الاستراتيجية إذا ما تجاوزت عمان سياسياً ودبلوماسياً إغلاق الطرق مع طهران. وعلى سيرة الطرق، يتحفز قطاع المقاولات الأردني ومعه القطاع السياحي ولاحقاً القطاع التجاري والصناعي للتباحث فوراً مع نظرائهم العراقيين إذا ما فتحت بعض الأبواب المغلقة.
وما سمعه نواب الأردن في بغداد عموماً من قيادات عراقية من بينها محمد الحلبوسي رئيس البرلمان ومحمد شياع السوداني رئيس الوزراء وغيرهما، هي إشارات ترميزية تفيد بالاستنتاج الأخير وبعنوان “الأوتوستراد سيفتح ويشتغل عند تجاوز محطة الفكرة الأردنية عن الهلال الشيعي قديماً”.
سمعت “القدس العربي” مباشرة تقييماً فارقاً حول شغف العراقيين عموماً بتجاوز محطة الإشكال والخلاف مع من يتصورون أنهم آل البيت بكل الأحوال، من خبير اقتصادي وسياسي كبير هو الدكتور جواد العناني، صاحب القراءات المعمقة في محور الاستثمار في التحالفات السياسية اقتصادياً.
وقبل ذلك، سمعت “القدس العربي” أيضاً رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي وهو يتحدث عن توجيه مرجعي وتكليف محدد بالبحث عما يريده الشقيق العراقي من الجانب الأردني لإطلاق حزمة استراتيجية من العلاقات والمشاورات.
يتحدث العراقيون بود شديد عن اهتمامهم بعلاقات استراتيجية مع الأردن بعيداً عما يقال وما لا يقال بخصوص تداعيات تصريح شهير للأردن يحذر من الهلال الشيعي، تجاوزته الآن الظروف الموضوعية؛ لأن المضي قدماً بمشروع التكامل الثلاثي مع مصر والعراق بدأت عمان تفهم أنه يتطلب لنجاحه طرق أبواب الإيرانيين والشيعة بأنعم لغة دبلوماسية محتملة بعدما طرقت طهران أبواب عمان بدورها عبر تصريح نادر لوزير خارجيتها حسين عبد اللهيان، ساند فيه الوصاية الهاشمية الأردنية على أوقاف القدس.
لا أوهام اليوم وسط النخبة الأردنية بخصوص فهم منطوق ومضمون ما حذر مكنه يوماً المخضرم عبد الكريم الكباريتي وهو يعيد التذكير بأن مصالح لبلاده الأساسية مع بلدين كبيرين هما سوريا والعراق، تحتاج إلى مقاربة مختلفة مع إيران.
لا أوهام اليوم في الحالة السياسية والدبلوماسية الأردنية بأن إيران بلد مجاور ومهم ولم تسجل عليه محاولات للمساس بالأمن الأردني الداخلي، وفقاً لما أقر به علناً وأعاد تكراره أمام “القدس العربي” أيضاً رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة. المعنى هنا اليوم مجدداً أن عمان تترك أوهامها باتجاهين، ولكن ببطء شديد حتى الآن.
الأول هو الحاجة الموضوعية الملحة جداً لإطلاق حزمة تنميط استراتيجية بالمشاريع مع العراق. والثاني هو نضوج تام للفكرة التي تقول سياسياً بأن الانطلاق بتلك الحزمة يتطلب تعديلاً في النمط في العلاقة مع إيران. ويعني المساران أن عمان يفترض أن تخلع، سياسياً، رداء فكرتها عن الهلال الشيعي المعادي أو الضار أو المسموم، ثم ترتدي ثواباً جديداً يتطلع إلى حوار تبادل المنافع والمصالح، على حد تعبير الصفدي، وثم حوار علاقات جوار متزنة مع الإيرانيين على الأرجح، تتطلب نزول الحكومة الأردنية عن شجرة الموقف العقائدي أمنياً وسياسياً من إيران، أو على الأقل تجريب حالة جديدة تترك، ولو مرحلياً ومؤقتاً، تقمص سيناريو الهلال الشيعي وتتجاوزه باتجاه ما بعده. هل ثمة جاهزية في عمان فعلاً لسيناريو جديد؟
سؤال في غاية الأهمية، لكن الإجابة عنه لا تقف عند حدود ما يسمى بمخاطر اليمين الإسرائيلي على مصالح الأردن اليوم، بل محاولة استقراء المخفي في إطار اختيار مجلس النواب الأردني حصراً للقيام بمهمة التسلل السياسية، لا بل تكليف رئيس المجلس أحمد الصفدي تحديداً أحدث اللاعبين في الرئاسات الأردنية اليوم، وأقل رؤساء السلطات احتفاظاً بتحفظات تجاه إيران أو غيرها، الأمر الذي يعني ضمناً بأن نواب الأردن يستطيعون بعد الآن مناقشة مشاريع بلادهم مع الحلبوسي ورفاقه، مثل إنعاش أنبوب النفط الناقل في محور العقبة – البصرة، وأيضاً مثل تنشيط مشروع تصدير الفائض الكهربائي الأردني إلى العراق.
العراق يعود تدريجياً لموقعه العربي والدولي بعيداً عن إيران كما أن انتفاضة شعوب إيران ضد ولاية الفقيه وحرسه الثوري قد أضعفت قدرة الحرس الثوري وأذرعه داخل إيران وخارجها، وقد كان الأردن من أكبر الخاسرين اقتصادياً واجتماعياً نتيجة تدخلات إيران وتركيا بدول عربية مجاورة وتدفق اللاجئين وتفاقم تهريب المخدرات والأسلحة، وبالتالي سيكون الأردن من أكبر الرابحين عند تخلي إيران وتركيا عن تدخلاتهم الفجة بالمنطقة وتهديداتهم للأمن القومي العربي