العقوبات الأمريكية على إيران قد تكون «عنق الزجاجة» الأخير لطهران

حجم الخط
10

تتأمل الكثير من القوى السياسية العربية المعارضة للهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط، أن تكون العقوبات الأمريكية الأخيرة، هي القاصمة لظهرها، وأن تمهد السبيل لطردها، أو رفع يدها عن العراق وسوريا ولبنان وحتى اليمن، لكن التمنيات شيء وواقع توازنات القوى في المنطقة شيء آخر، فعلى ما يبدو، إن لم تقصم هذه العقوبات ظهر إيران، وهي في الغالب لن تفعل، فإنها ستقويها، فهي بمثابة الفرصة الأخيرة لإضعاف سياسات طهران وصعودها الإقليمي وتدفق «ثورتها» الشيعية نحو منطقة ذات أغلبية عربية سنية، لذلك تبدو هذه العقوبات وكأنها (عنق الزجاجة) الأخير الذي أن تجاوزته إيران، فإنها ستغرق المشرق العربي بمزيد من أمواجها الهوجاء.
فالإيرانيبون، ومنذ سيطرة الخميني على السلطة، عام 1979، وهم يرزخون تحت أشكال من العقوبات الأوروبية والأمريكية، حتى إن البرنامج النووي نفسه الذي تطور بمساعدة وتعاون من الفرنسيين والأمريكيين في عهد الشاه، توقف بعد سيطرة الخميني، لتلجأ طهران لاحقا للصين ومن ثم لروسيا، التي ساهمت بشكل كبير في إعادة بناء البرنامج النووي الإيراني. لذلك، فإن العقوبات لا تسقط أنظمة في الغالب، بل تضيق عليها، وعلينا أن نتذكر أن إيران تمكنت من تمديد أذرعها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وهي خاضعة لتلك العقوبات، وفي وضع اقتصادي مزر، بينما فشلت دولة غنية كالسعودية في مواجهتها، فالملاءة المالية لا تعني دائما القدرة على إدارة نزاع سياسي أو عسكري، أو التمكن من جلب الاحترام والمكانة الدولية، وها هو الرئيس الأمريكي ترامب، يوجه الإهانات واحدة تلو الأخرى، لقيادة السعودية رغم أنها من أكثر الداعمين لاقتصاد أمريكا، بينما يخاطب الإيرانيين بطريقة ندية داعيا إياهم للتفاوض، وهنا مثال آخر جلي، على أن القوة والنفوذ تفرض وتبنى ولا تشترى، فالسعودية التي استقوت بالأمريكيبن لعقود لم تستطع مواجهة التمدد الإقليمي الكاسح لإيران في المشرق العربي، رغم أن إيران لا تحظى بدعم الإدارة الأمريكية كما السعودية، ورغم أن إيران استخدمت وما زالت خطابا إسلاميا معاديا للأمريكيين، بينما حاولت الرياض فعل العكس وانظروا النتائج. الأمريكيون أنفسهم، لا يبدو أنهم يخططون لأكثر من ضغط اقتصادي يجبر إيران على العودة لطاولة المفاوضات النووية، ولا تبدو أي خيارات عسكرية أخرى ممكنة، خصوصا تلك المتعلقة بإسقاط النظام الإيراني، فحتى إن وصلت الأمور لضربة عسكرية ما، فإنها لن تتطور لعملية شاملة لتغيير النظام، فهذه قضية أصبحت من المحاذير الأمريكية بعد التورط في العراق، الذي أدت سياساتهم الفاشلة فيه، لسيطرة قوى شيعية عراقية موالية لإيران، الأكثر تغلغلا من الأمريكيين في العراق، تاريخيا وثقافيا واجتماعيا، كما أقر الجيش الأمريكي في تقريره النقدي الشهير والذي صدر قبل شهور قليلة.

الملاءة المالية لا تعني دائما القدرة على إدارة نزاع سياسي أو عسكري، أو جلب الاحترام والمكانة الدولية

فأي عملية لتغيير السلطة، تتطلب دراسة لمدى القدرة أولا على إسقاط النظام، وثانيا وجود بديل قادر على الامساك بزمام الامور، وثالثا وهو الأهم، ما هي التكاليف والأثمان السياسية والمادية التي ستتكلفها الإدارة الامريكية عندما تقدم على مشروع كهذا في بلد ما، فعراق صدام حسين مثلا، كان لقمة سائغة للأمريكيين، فهو أولا كان محاصرا ومنهكا قبل الاحتلال بسنوات، والأهم أن تركيبته الاجتماعية لم تساعد سلطة كنظام صدام حسين على الصمود في وجه تحد خارجي كبير كالغزو الأمريكي، فأكثر من ثلثي الشعب من شيعة وأكراد كانوا ينتظرون هذه الفرصة للتخلص من حكم صدام حسين، وهم من شكلت أحزابهم السلطة الجديدة بعد الاحتلال، بتأييد من السكان جنوب وشمال البلاد، نجح صدام في مواجهة تحد عسكري كالحرب الإيرانية لثماني سنوات، إلا أن فارق القوة العسكرية بين إيران وأمريكا، وفارق قوة دولة صدام العسكرية والسياسية ما بين الثمانينيات وعام 2003، وفارق التوازنات الإقليمية بين المرحلتين، كلها أسباب عجلت بسقوط بغداد للامريكيين حينها، وهي في الوقت نفسه الأسباب التي تجعل طهران أكثر منعة أمام الامريكيين اليوم، فانهيار الاتحاد السوفييتي وعدم وجود حلفاء إقليميين لصدام حسين في المنطقة حينها، يقابله اليوم وجود حلفاء لطهران فاعلين سياسيا وعسكريا من بغداد ولا ينتهي في بيروت، كما استعادت روسيا المناصِرة لطهران قوتها الدولية، هذه العوامل وغيرها تجعل الصدام مع إيران عمليا وكأنه صدام مع إقليم كامل وقوى دولية تسانده، وهذه الاعتبارات هي نفسها ما دفع جامعة كولومبيا وقبل سبع سنوات من اليوم، من التحذير من تكلفة أي هجوم أمريكي على إيران، من خلال إعداد ورقة بحثية بالتعاون مع مساعد مستشار الأمن القومي في عهد اوباما كولن كال، وقع عليها عدد من كبار السياسيين الامريكيبن منهم وزير الدفاع الأمريكي السابق، وحذرت هذه الورقة البحثية من تكلفة الهجوم على إيران مفرِدة جزءا كبيرا للحديث عن ردود فعل أذرع إيران وميليشياتها والخسائر المتوقعة في صفوف الأمريكيين وحلفائهم، والتأثير على الاقتصاد الاقليمي وممرات النفط في الخليج وغيرها من العوامل العديدة التي تمت دراستها للخروج بالإجابة عن ثلاثة أسئلة: ما هي أهداف العمل العسكري؟ وهل لأمريكا القدرة على تحقيق تلك الأهداف؟ وما هي الاستراتيجية المرسومة للخروج؟ وبينما يطرح الامريكيون أسئلة كهذه لحساب الربح والخسارة، يعتقد الكثير من الجمهور العربي أن الامريكيين سيقاتلون الإيرانيين فقط من أجل عيونهم، لطرد الإيرانيين من بلادهم، ومن دون أي حساب للتكاليف والنتائج، وأن إسقاط النظام الإيراني المدرع بحلف إقليمي يحكم كبرى عواصم المشرق العربي وبدول عظمى كروسيا، هو مجرد (كبسة زر) من إصبع المنقذ ترامب لا أكثر.
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    أعتقد بأن النظام الإيراني الآن نمر من ورق! فمعظم الشعب الإيراني لا يريد هذا النظام الذي أفقرهم!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول أبو حمزة الشامي:

    مقاطعة إيران اقتصاديا اكبر اكذوبة لمستها في حياتي عمليا و في قمة المقاطعة كان كثير من الطلبة الإيرانيين يقومون بدراسات عليا في الجامعات الغربية و باختصاصات حساسة. أما ما حققته إيران في البلدان العربية لم تكن تستطيع فعله لولا الدعم الخارجي كما في العراق و سوريا و لبنان. فلبنان مثلا تم صناعة حزب الله المقاومة بدلا من الفصائل الفلسطينية المرابطة بالجنوب اللبناني بعد تامر النظام السوري مع إسرائيل لطرد هذه المنظمات علما ان إسرائيل لم تستطع طردهم لولا مساهمة النظام السوري بقيادة المقاوعة حافظ الاسد

  3. يقول أبو حمزة الشامي:

    و قد تم صناعة حزب الله و اريد ان يكون مقاومات حتى يتم التحكم و التنين للمقاومة و تأتي مجموعات غريبة تريد المقاومة فعلا. و تم حصر الفلسطينيين في المخيمات بلا أدنى حقوق انسانية. و جاءت الثورة السورية لتكشف الوجه الحقيقي لهذا الحزب الطائفي البغيض

  4. يقول أبو حمزة الشامي:

    الحقيقة هي أن الجميع متأمر على الشعب العربي السني إيران و انظمته الحاكمة. فجميع سياسات الانظمة الحاكمة ضد مصالح السنة. فلو ان الانظمة أرادت فعلا هزيمة إيران لكفى هزيمتها غي سوريا. فإذا هزمت ايران في سوريا سو يقطع ذراعها في لبنان بشكل تلقائي و كلفة الحرب تكون أقل بكثير من جعجعة البوارج الأمريكية. فقط مد الثوار في سوريا ببضعة صواريخ مضادة للطائرات. و لكن اعتبروا نصر الثورات العربية تهديدات لعروشهم.
    و ختاما ما يحصل في الخليج هو جعجعة لحلب الانظمة النفطية بسبب الركود الاقتصادي و إيران تلعب دورها المرسوم بكل مهارة و الانظمة العربية تلعب دورها المرسوم بكل غباء و دناءة غير مكترثة لمصالح شعوبها فقط لشخص الحاكم فقط

  5. يقول سامح //الأردن:

    *مقال ممتاز ومتزن وشكرا للأخ الكاتب.
    أنا مع مقولة (لن تقع حرب شاملة)
    بين (أمريكا وإيران ) .
    الجميع سوف يخسر وأولهم أمريكا..

  6. يقول بلحرمة محمد:

    لا سيد داود فالقيادة الايرانية عكس ما تدعي استطاعت ومند الثورة عام 1979 ان تنجز الكثير وان تتخطى الصعوبات رغم العقوبات المفروضة عليها ورغم المؤامرات والمخططات الصهيوامريكية والغربية وبتمويل اموال النفط المنهوب فمن قال لك ان الشعب الايراني يرفض هدا النظام وما براهينك في هدا الصدد؟ ثم من اين استقيت معلوماتك بشان افقار الشعب الايراني من طرف قيادته؟ ليس العرب هم من ينسحب عليهم بانهم نمور من ورق؟ السنا مستعمرين وتابعين ومستسلمين للارادة الصهيوامريكية والغربية؟ السنا في اخر ترتيب الامم؟

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      حياك الله عزيزي بلحرمة وحيا الله الجميع
      لي أصدقاء بإيران أثق فيهم يخبروني فيها عن أوضاع الشعب الحقيقية! نصف الشعب الإيراني تحت مستوى الفقر!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  7. يقول ثائر المقدسي:

    [وعلينا أن نتذكر أن إيران تمكنت من تمديد أذرعها في العراق وسوريا واليمن ولبنان، وهي خاضعة لتلك العقوبات، وفي وضع اقتصادي مزر، بينما فشلت دولة غنية كالسعودية في مواجهتها] …
    طيب كيف استطاعت إيران بهذه البساطة التي يصورها الأخ وائل عصام (ودون حتى التطرق إلى الأسباب الأساسية في المسألة) … كيف استطاعت أن تمدد أذرعها في العراق وسوريا واليمن ولبنان رغم أنها خاضعة لتلك العقوبات ورغم أنها في وضع اقتصادي مزر ؟؟؟ هل يُعقل ذلك دون تواطؤ أو تمهيد لهذه الهيمنة من قبل أطراف دولية كبيرة وفي مقدمتها أمريكا نفسها حتى قبل الأنظمة العربية المعنية ؟؟؟ …

  8. يقول يانيف:

    أشكر الكاتب على وصف الأوضاع الراهنة في منطقة الشرق الأوسط بهذه الدقة! ﻻ شك في أن العقوبات الاقتصادية ﻻ تحل المشاكل وإنما تزيدها سوءًا وخطورةً في حاﻻت كثيرة فلذا من المتوقع أﻻ تحقق سياسة “عنق الزجاجة” هذه هدفها الرئيسي، هو أن جعل إيران تعود إلى طاولة المفاوضات. إني اتفق مع بعض المعلقين أن الخطر ليس إيران (بصفته “نمرًا من الورق”) بل شريكتيها المشار إليهما في المقال – الصين وروسيا – وهما قد بذلتا جهودًا كبيرة على مدار سنوات للحصول على التكنولوجيات والقدرات العسكرية التي تمنحهما إمكانية تصدي الوﻻيات المتحدة. لكن في رأيي، الأهم هو أن نفهم أن الصين وروسيا تساهمان بالفعل في إشعال منطقة الشرق الأوسط كلها وأن “الثورة الشيعية” ﻻ تربطها صلة بالشيعة وقد أصبحت أداة في خدمة هاتين الشريكتين. آمل أن يتفهم ذلك رئيس الوﻻيات المتحدة كيﻻ يضيف الزيت للنار.

  9. يقول BOUMEDIENNE:

    في كل المشهد الخاص بالمشرق الاسلامي، الئ يومنا هذا لا تزال الا قلعة واحدة صامدة في وجه امريكا،وهذه القلعة هي ايران، وجنوب لبنان بقيادة حزب الله، وهذه حقيقة تقال، فبغض النظر عن هذا سني وهذا شيعي، فان الامبريالية الصهيوغربية اليوم، هي في مازق، في المنطقة بسبب وجود هذه القوئ، التي لم ترد الركوع لامريكا وربيبتها اسرائيل، وحتئ وان استمرت الضغوط الامريكية والعربانية، فان اي انزلاق، سيحرق العربان بالدرجة الاولئ، وهذا ما تبحث عنه امريكا والغرب المتصهين، تخريب وتدمير ثم اعادة اعمار…
    اما عن الصعيد السياسي فانه سيكون بدون شك في صالح ايران، لان اي خرغب سيجعل منها قوة، اكتسبت تجارب الحرب والدبلوماسية، بينما العربان، فانهم لا مشروع لهم الا مشروع اسيادهم الصهيو غربيين، والشعوب لا وزن لها في كل ذالك، فهي ستدفع فاتورة كل ذالك….

إشترك في قائمتنا البريدية