بغداد –”القدس العربي”: تتبلور ملامح تداعيات الصراع الأمريكي الإيراني للهيمنة على الساحة العراقية، مع مساع إيرانية محمومة لكسر العقوبات عليها، بالترافق مع آمال بقدرة حكومة عادل عبد المهدي، على اتباع نهج يراعي التوازن ويقدم المصلحة العراقية.
ومع بدء سريان العقوبات الأمريكية على إيران، تبدو مؤشرات احتدام الصراع الإيراني الأمريكي في المشهد العراقي واضحة المعالم، رغم إعلان رئيس الحكومة العراقية عادل عبد المهدي، خلال مؤتمره الصحافي الأسبوعي ان “العراق ليس جزءا من منظومة العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، وليس طرفا في أي نزاع”.
ويتابع المراقبون تحركات وضغوط كلا الطرفين الإيراني والأمريكي وبقوة على الحكومة العراقية الجديدة لتأكيد وجودهما الفاعل في الشأن العراقي.
ومع تأكيد وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو “أن واشنطن ستحاول بكل السبل ان تقوض إمكانيات إيران في العراق والشرق الأوسط” وبعد إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن شروط يتعين على إيران تنفيذها لرفع العقوبات الأمريكية، ومنها “احترام طهران لسيادة الحكومة العراقية والسماح بنزع سلاح الميليشيات الطائفية وتسريحها”. فقد أصبح احتمال وقوع التصادم حتميا خاصة مع تمسك الطرفين بمواقفهما ومشروعهما في العراق.
وفي هذه الأيام، يتسابق سفيرا إيران والولايات المتحدة في بغداد لعقد لقاءات بالوزراء الجدد وفتح آفاق جديدة للتعاون وعقد الصفقات، لتأكيد تثبيت مصالحهما.
وعقب قيام السفير الأمريكي دوغلاس سليمان، بزيارات لعدد من الوزراء بينهم التجارة والكهرباء وحكومة الإقليم، أعقبه السفير الإيراني ايرج مسجدي، بزيارات لوزارات الخارجية والمالية والتجارة والنقل، لبحث امكانيات زيادة الصادرات الإيرانية للعراق، للإفلات من العقوبات الأمريكية عليها، وسط الإعلان عن تشكيل لجنة مالية مشتركة عراقية إيرانية لتحويل قيمة مبيعات إيران للعراق باليورو والدينار، حيث أعلن السفير الإيراني عن وصول حجم التبادل التجاري مع العراق إلى ثمانية مليارات ونصف المليار دولار سنوياً.
ومن الواضح ان إيران حسمت أمرها بجعل العراق منفذا رئيسيا لتخفيف آثار العقوبات الأمريكية عليها من خلال جعله بوابة للالتفاف على العقوبات. وقد بادرت طهران إلى سلسلة من الإجراءات التي تفضي لتهيئة الساحة العراقية لهذه المهمة مستفيدة من استثناء الولايات المتحدة له من العقوبات على الدول التي تتعامل ماليا مع إيران. لذا تركز إيران هذه الأيام على ان يكون لها كلمة في تشكيلة حكومة عادل عبد المهدي، بما يضمن وجود عناصر تراعي احتياجاتها لمواجهة العقوبات الأمريكية. وأصبح معروفا للجميع ان الخلاف بين القوى السياسية الداعية للإصلاح وتغليب المصلحة العراقية، وبين قوى تجعل محاباة إيران طريقا لمصالحها الخاصة والتي تصر على الحصول على العديد من الوزارات الشاغرة، هو الذي أخر اكمال الكابينة الوزارية لحكومة عبد المهدي، التي لم تعد قضية محلية بل أصبحت محط اهتمام دولي وإقليمي متزايد. وعبرت عن ذلك لقاءات السفير الإيراني وتصريحات قائد الحرس الثوري ان “إيران فازت في معركة الرئاسات الثلاث في العراق وان الذين تولوها من المعسكر الإيراني” إضافة إلى قيام مسؤول ملف العراق في حزب الله اللبناني محمد كوثراني، بزيارة العراق وعقد اللقاءات مع القيادات الشيعية لبحث تشكيل الحكومة.
وبالتزامن مع حملة واسعة للأحزاب الشيعية لإدانة العقوبات الأمريكية على إيران، يقود النواب الشيعة في البرلمان حراكا متواصلا لطرح موضوع إخراج القوات الأمريكية من العراق بحجة انتفاء الحاجة إليها بعد انتهاء تنظيم “داعش” رغم ان الفترة الحالية شهدت تصاعدا للعمليات الإرهابية في المدن المحررة وفي العاصمة التي تنفذها مجاميع مسلحة مختلفة، إضافة إلى تحذيرات ومخاوف لدى سكان المدن المحررة من خطورة إعادة التنظيم تجميع عناصره في المناطق الحدودية بين العراق وسوريا، وسط شعور عام بالحاجة إلى الدعم الأمريكي العسكري للعراق في هذه المرحلة كونه غير مستقر، وان انسحاب القوات الأمريكية سيكون المستفيد الوحيد منه إيران وحلفاؤها.
وفي إطار الضغوط التي تمارس على عبد المهدي، استجاب مجلس الوزراء لمطالب هيئة الحشد الشعبي وقرر مساواة رواتب الحشد بالقوات الأمنية النظامية، كما ينوي تقديم المزيد من الدعم لها مع منحها حرية التحرك والتمركز في المناطق والمحافظات التي تراها ضرورية لتواجدها.
وليس بعيدا عن الصراع السياسي للاستحواذ على الوزارات، وقعت سلسلة تفجيرات بسيارات مفخخة وعبوات ناسفة في العديد من مناطق العاصمة العراقية والمدن والقرى، فيما اعتبرها المراقبون رسالة تحذير لعادل عبد المهدي من منح الوزارات المهمة كالدفاع والداخلية لشخصيات مستقلة بعيدة عن نفوذ الأحزاب المتنفذة أو من التقرب لسلاح الميليشيات.
وردا على تصريحات قائد الحرس الثوري محمد جعفري، حول رئاسات العراق والتدخل الإيراني في الشأن الداخلي، أعلنت الكثير من القوى السياسية والشخصيات عن رفضهم للخضوع للهيمنة الإيرانية، ومن ذلك تشديد زعيم القائمة الوطنية أياد علاوي، على رفض هذه التصريحات، مشيرا إلى أنه “لا يحق لإيران ولا لأمريكا، إقحام العراق في صراعاتها ولا نرضى أن تجري الصراعات الدولية على حساب العراق وشعبه” ومؤكدا على أن “العراق لن يكون إلا لشعبه”.
ويعتقد الكثير من المتابعين ان رد إيران على العقوبات سيكون بشكل رئيسي عبر حلفائها وأصدقائها في العراق، من خلال تعزيز مصالحها وتوسيعها للحصول على مزيد من العملة الصعبة. وفي المقابل ستسعى الولايات المتحدة لتقليص مصالح طهران في العراق تدريجيا، وسط سعي العراقيين ان لا يكون الصراع بين البلدين على حساب مصلحتهم الخاصة وان لا يؤدي إلى ضياع الآمال بإمكانية حكومة عبد المهدي في تحقيق الإصلاحات المرجوة.