العلاقات المغربية الإسبانية: ثقل الماضي وآفاق المستقبل
23 - يوليو - 2013
حجم الخط
0
يرتبط المغرب وإسبانيا بعلاقات معقدة ومتناقضة تتعدى البعد التجاري والاقتصادي، لتمتد إلى وشائج وحمولات تضرب بجذورها في عمق التاريخ، فمنذ حكم المسلمين للأندلس سنة 711م والاحتكاك بين البلدين الجارين لم ينقطع، فكثيرا ما كان ملوك المغرب، خاصة يوسف بن تاشفين، يعرجون على الأندلس لضبط إيقاعاتها عندما يصل الخلاف بملوك الطوائف حدا يكون فيه الخطر المتربص بهم داهما، من جهة أخرى فإن الاحتلال الإسباني لشمال المغرب بدأ مبكرا جدا بضم مدينة مليلية لسيادة إسبانيا سنة 1497، وكذا مدينة سبتة التي اعترفت البرتغال بسيادة اسبانيا عليها، بموجب اتفاقية لشبونة سنة 1668، إضافة لاحتلال جزر’إشفارن’ (الجزر الجعفرية أو تشافريناس) سنة 1848، ثم بعد ذلك احتلال شمال المغرب وجنوبه، وإذا كانت علاقات البلدين المعاصرة تتراوح بين التوتر والانفراج بحسب الحزب الحاكم في إسبانيا، فإن مواقف المغرب تضل ثابتة مهما كانت التغيرات في الحكومة المغربية، ولطالما شهدت علاقات البلدين مرحلة من المد والتعاون والتفاهم كلما وصل الاشتراكيون للحكومة الإسبانية، وبالمقابل فإن هذه العلاقات كثيرا ما تعرف لحظات من الجزر والتوتر، كلما حكم اليمين في إسبانيا، هذا التوتر الذي وصل في بعض الأحيان إلى مستويات خطيرة، حيث كانت أبرز محطاته خلال السنوات العشر الأخيرة هي، * التوتر الخطير في العلاقات المغربية الإسبانية الذي رافق الصراع على جزيرة ‘تورة’ (جزيرة ليلى أو البقدونس) في عهد خوسيه ماريا أثنار سنة 2002 . *الاحتجاجات الشعبية الواسعة في المغرب ضد زيارة ملك إسبانيا للمدينتين المحتلين سبتة ومليلية سنة 2007 وذلك إبان بداية حكومة عباس الفاسي. *إدانة البرلمان الإسباني لأحداث العيون التي دفعت البرلمان المغربي إلى المطالبة بإعادة النظر بشكل شامل في العلاقات المغربية الإسبانية. وإذا كان من السهولة من خلال هذه المحطات ملاحظة الملفات الكبرى التي تحكم طبيعة العلاقات المغربية الإسبانية، والمتمثلة في ملف سبتة ومليلة والجزر المحتلة وملف الصحراء المغربية، فإن للعلاقات الاقتصادية دورا مهما في تحديد نوعية هذه العلاقات، وفي هذا الإطار تأتي زيارة العاهل الإسباني خوان كارلوس للمغرب في سياق دولي وإقليمي جد دقيق، حيث الأزمة الاقتصادية العالمية الخانقة ترخي بضلالها على كلا البلدين، خاصة إسبانيا إضافة للمتغيرات السياسية العميقة التي ما زال الربيع العربي يحبل بها، والذي يتم نسج جل يومياته في الفضاء المتوسطي المشترك وما يفرضه ذلك من تحديات أمنية كبرى. لقد دفعت أزمة إسبانيا الاقتصادية ملكها للهرولة إلى المغرب، على الرغم من فترة نقاهته، عله يجد فيه ما يلملم به وضع بلاده المزري، في إطار ‘دبلوماسية الملوك’ التي كثيرا ما كانت الحكومات الإسبانية توظف فيها الملك للعب دور الباحث عن المصالح الإسبانية والمقرب لوجهات النظر بين مدريد والرباط، ولئن كانت هذه الزيارة تنطوي على جانب كبير من الأهمية، بالنظر للوفد الوزاري المهم المرافق لخوان كارلوس، الذي من شأنه أن يعزز العلاقات الثنائية بين البلدين، خاصة على المستوى الاقتصادي، إلا أن التأمل في واقع العلاقات بين المغرب وإسبانيا يؤدي بنا إلى استنتاج، ان هذه العلاقات يلزمها الكثير من الجهد والعمل من أجل أن ترقى إلى علاقات ندية وسليمة بين البلدين، فالتأسيس لوضع علائقي صحيح وذي أبعاد إستراتيجية بين إسبانيا وجارها الجنوبي، يستدعي التخلص من مجموعة من المعيقات والترسبات والمشاكل التي تقف حجرة عثرة أمام أي علاقات من هذا المستوى، بعيدا عن المزاج الحزبي الحاكم في إسبانيا أو الظرفية الاقتصادية أو الترسبات التاريخية. كثيرا ما يتم تحاشي الحديث عن إرث الماضي الثقيل الذي ما يزال حاضرا بقوة في تأطير علاقات إسبانيا بالمغرب، الذي يعود مجمله إلى مرحلة الصراع الإسلامي المسيحي، وإلى الفترة الاستعمارية، كما أن أغلبها يعكس حالة نفسية مرتبطة بأحداث تاريخية غابرة، خلقت عقدة مستحكمة في الضمير الجمعي الإسباني، كانت هي المحرك الأساسي للحملة الإمبريالية على المغرب، من أجل غسل شرف إسبانيا من العار الذي لحقها جراء حكم المسلمين للأندلس، بحيث أعطي لهذه الهجمة طابع حروب صليبية مقدسة ضد المغرب الكافر الذي أهان شرف إسبانيا، وقد ترجمت هذه المشاعر في شكل أناشيد حماسية تحط من المغاربة وتصفهم بأبشع النعوت والصفات، ليتشكل لدى الإسبان نوع من الصورة النمطية تجاه المغرب والمغاربة، تم تكريسها أكثر بإضافة عقدة نفسية أخرى تجلت في هزيمتهم النكراء التي قلما شهد التاريخ مثيلا لها على يد ثلة من المجاهدين الريفيين في معركة أنوال المجيدة، بقيادة المجاهد محمد بن عبد الكريم الخطابي، حيث تكبدوا خسائر فادحة في العتاد والأرواح عدت بالآلاف، بمن فيهم الجنرال سلفيستري. وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن هذه الصورة النمطية ما تزال مستمرة وحاضرة بقوة لدى الإسبان الحاليين، حيث تلخصها عبارة ‘مورو’ التي غالبا ما يتم وصف المغاربة بها، خاصة المهاجرين في اسبانيا، التي تحمل حمولات قدحية وعنصرية مشبعة بترسبات التاريخ وعقده، وفي مقابل ذلك فإن صورة الإسباني البائس الذي نزح لشمال المغرب بحثا عن فرص جديدة لسد جوعه وتحسين أوضاعه، تختصرها عبارة ‘بورقعة’ نسبة للأسمال البالية والممزقة التي كان يلبسها هؤلاء الإسبان، ما تزال حاضرة لدى الكثير من المغاربة خاصة في الشمال. إن واقع هذه الصور النمطية ما كان لها لتستمر لولا تغذية الحكومات الإسبانية لها على مدى عقود، خاصة الحكومات اليمينية، التي غالبا ما كانت معادية للحقوق والمصالح المغربية وقضاياه الأساسية المتمثلة في :قضية سبتة ومليلية والجزر المحتلة. قضية الصحراء المغربية. الصيد البحري وبعض الصادرات الفلاحية المغربية للاتحاد الأوروبي .إضافة إلى رفض معالجة الكثير من القضايا التي يطالب بها المجتمع المدني في المغرب والتي تعود إلى مخلفات الاستعمار الإسباني والمتمثلة أساسا في، ضرورة الاعتذار عن الحقبة الاستعمارية وما خلفته من مآس وآلام. جبر الضرر الناجم عن هذه الحقبة، خاصة استعمال الغازات السامة في الريف. إن مجمل هذه القضايا الشائكة والمعقدة تقتضي من الجانبين، خاصة الجانب الإسباني، العمل على حلها بكل مسؤولية وشجاعة إذا ما أريد للعلاقات المغربية الإسبانية أن تتخلص من ثقل التاريخ وعقده المستحكمة والضيقة، لتطل على فضاءات أرحب وأوسع من التعاون الاستراتيجي المتكافئ والمتكامل، التي تتطلب العمل على ما يلي: – النظر لقضية الصحراء المغربية نظرة متوازنة ومنسجمة وغير متناقضة، خاصة أن مملكة إسبانيا تعج بمطالب استقلالية واضحة، لعل أبرزها الدعوات الانفصالية للباسكيين والكتلانيين، فلا يجوز الدفع بضرورة إعمال حق تقرير المصير في ملف أكدت محكمة العدل الدولية نفسها وجود روابط سيادية ودينية بينها وبين الملكية المغربية، وإنكاره لشعوب واضحة المعالم ومختلفة ثقافيا ولغويا عن القشتاليين. – العمل على تصفية الاستعمار في كل الثغور المحتلة، بما فيها جبل طارق الإسباني المحتل من طرف بريطانيا. – التعويض عن الأضرار المتولدة عن مخلفات الحقبة الاستعمارية الإسبانية للمغرب وما تميزت بها من ألوان التقتيل والنهب، حيث وصل الأمر إلى حد استعمال غازات سامة ضد شعب أعزل، ومازال سكان الريف يعانون من تبعاتها، حيث أن نسبة الإصابة بمرض السرطان مرتفعة جدا في هذه المنطقة. – التأسيس لحوار ثقافي وحضاري بين المغرب وإسبانيا للعمل على التخلص من الموروثات السلبية الناجمة عن حقب طويلة من الاحتكاك بين البلدين، من شأنه نزع كل الألغام وترسبات الماضي وبلورة ضمير جمعي جديد. – خلق مركز أبحاث إستراتيجية مشترك بين البلدين يعمل على مواكبة واستشراف مسار العلاقات الإسبانية المغربية بشكل علمي رصين. – خلق مجالات للتعاون والتنمية المشتركة في إطار علاقات ندية بعيدا عن دور حارس البوابة الجنوبية للاتحاد الأوروبي، الذي ينظر به للمغرب، أمام الهجرة السرية والإرهاب والمخدرات. عموما يمكن القول بأن المعطيات الجغرافية والتاريخية وحجم التحديات التي تفرضها المتغيـرات الإقليمـــية والدولية تفرض على المغرب وإسبانيا التأسيـــس لعلاقات صحيحة ومتينة مبنية على الاحترام المتبادل والأدوار التكاملية بعيدا عن ترســبات التاريخ والمزاج السياسي والحزبي والظروف الاقتصادية التي تحكم مسار هذه العلاقات منذ استقلال المغرب إلى الآن، مما يتطلب معها إعادة النظر في مجموع المواقف الإسبانية تجاه قضايا عادلة ومشروعة للمملكة المغربية، تستدعي مواقف شجاعة وتاريخية يمكن معها للعلاقات المغربية الإسبانية أن تتخلص من ثقل الماضي الغابر وتنفتح على آفاق واسعة من التعاون والتقارب الإستراتيجي.