العلاقة بين الكاتب والسلطة

يتشابه الحال كثيراً إذا ما تأمّلنا علاقة الكاتب أو الأديب بالنظام في جميع الدول العربية، قد يكون القانون أو الدستور أو السياسة الداخلية لا تسمح للكاتب، مهما بلغت مكانته الفكرية بنقد أو انتقاد رأس النظام الحاكم، وأحياناً لا موانع تذكر علانية، ولكن من يجرؤ على ذلك سيعاقب بطرق مباشرة، أو غير مباشرة، هذا هو واقعنا العربي الذي يعرفه الصغير قبل الكبير، لكل زعيم إيجابيات وسلبيات، غير مسموح للكاتب العربي بذكر سلبيات الزعيم، من خلال نقد بنّاء وموضوعي يهدف إلى تصحيح المسار، من المتعارف عليه أن الكاتب صاحب فكر ورأي، وهو هنا يعبر عن رأيه وليس محرضا أو عميلا أو يدعو إلى فتنة وإسقاط للنظام، لماذا إذن غير مسموح له أن ينقد النظام؟ لماذا تلفّق له التهم ويعاقب على ذلك؟
المقصود هنا هو النقد وليس الانتقاد، النقد الذي يتماهى مع النقد الأدبي الذي يبرز مواطن القوة والضعف، الإيجابيات والسلبيات، النقد ليس نقيضاً للموالاة والوطنية، ولا يدل على كراهية الزعيم أو تحريض الشارع ضده.
الكاتب العربي مسموح له أن يذكر إيجابيات الحاكم فقط، والتصفيق له، وغير مسموح أبداً التطرق للسلبيات والأخطاء، لماذا؟ هل الزعيم معصوم عن الخطأ؟ أو هل هو شخصية مقدسة؟ الزعيم العربي شخصياً يطالب ويصرح علناً أمام الشعب والعالم بحرية التعبير عن الرأي والشفافية وتطبيق الديمقراطية بالوطن، سيدي الزعيم العربي لماذا تمنعنا إذن من ذلك؟ لماذا تمنع الكاتب السياسي أو الأديب المبدع من نقد النظام نقداً موضوعياً؟ ما يحدث على أرض الواقع هو حرية التعبير عن الكذب والنفاق، تحت مبررات وحجج واهية لا تقنع أقل الناس ثقافة، الكاتب الصادق والمبدع هو ثروة ينبغي الحفاظ عليها لا تهميشها ومحاربتها..

سيدي الزعيم العربي

أنت تعلم أن هناك من ينتقدك ويذكر أخطاءك في السرّ وربما يظلمك ويشتمك، لماذا لا تسمح بنقدك علناً من أصحاب الفكر والرأي، حتى تناقش آراءهم ويستفاد منها؟ هذه الأساليب القديمة بتقديس الزعيم وتعظيمه وتبجيله، وتوظيف وسائل الإعلام لذلك الهدف هي أساليب قديمة أكل الدهر عليها وشرب، بل أصبحت مضحكة ومثار سخرية الناس، وبشكل خاص عند مطالعة الصحف ومشاهدة القنوات المحلية ونشرات أخبارها وتقاريرها، التي تبجل وتعظم الزعيم وولي عهده ليل نهار، شخصية الديكتاتور وسياسة الخوف والقطيع، أوصلت الدول العربية إلى الجهل والتخلف، فارق كبير بين الخوف والمحبة، بين أن تعيش مطمئناً وسط شعب يحبك بصدق ويحترمك ويتعاون معك، وشعب يخافك وأنت تشعر بالقلق خشية ثورة أو تمرد، أو أن تتحالف مع أمريكا أو روسيا أو غيرهما، من أجل أن تبقى جالساً على الكرسي، وكما تعلم لا تحالف أجنبيا دون دفع ثمن باهظ، للتقدم والتطور وبناء مجتمع متماسك ودولة قوية لا بد من علاقة ديمقراطية بين الحاكم والشعب.

سيدي الزعيم

إذا اختلف الكاتب أو الأديب معك في الرأي فهذا لا يعني أنه يكرهك ويحرض الناس ضدك، حرية الرأي الحقيقية حق من حقوق الكاتب، ولا يجوز أن يكون التأييد الأعمى لنظامك هو الشرط الأساسي الأول لحسن السيرة والسلوك والوطنية، الحرية في التعبير عن الرأي تعني أن لكل كاتب الحق في انتقاد ونقد أي مسؤول في الدولة حتى لو كان الزعيم، بشرط أن يكون موضوعياً يهدف للمصلحة العامة، وإذا سمح الزعيم للكتّاب بانتقاده فهذا يعني أن كبار المسؤولين في الدولة سيخافون ويرتجفون وسيقولون لأنفسهم: إذا كان الزعيم لا يمنع الكتّاب من انتقاده فهذا يعني أنه لا يجوز لنا أن نعترض على الانتقاد الموجه لنا، وسيتوقفون عن الاختباء خلف الجملة الشهيرة (أوامر من فوق).
في النهاية هذه هي الديمقراطية والحرية الحقيقية، وبلا شك هي خطوات مهمة على طريق التقدم والنجاح والتواصل والمحبة بين الحاكم والمحكوم.
* روائي أردني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية