معالجة سامر العربيد، رئيس خلية الجبهة الشعبية المتهمة بقتل رينا شنراف، في وضع حرج، في أعقاب التحقيق معه، ويمكن أن يدل على حدوث خطأ مهني حدث أثناء التحقيق. هذه قضية استثنائية. وستبدأ وزارة العدل والشاباك قريباً بفحص تطوراتها وسيضطرون إلى أخذ العبر المطلوبة منها. هذه القضية تضاف إلى تساؤلات أخرى ثارت حول العملية.
من الأفضل عدم الانفعال أكثر من اللزوم من ردود اليمين التلقائية التي كانت مسرورة من وضع العربيد. أنه رجل بعيداً عن أن يكون صديقاً من الصالحين. التفاصيل الأولية التي تنشر من التحقيق تظهر الشك بأن الأمر يتعلق بمخرب مخضرم ومجرب، أنشأ حوله عدداً من الخلايا الإرهابية التي أخفاها عن بعضها، وأعد عبوة ناسفة وضغط بنفسه على زر التشغيل عندما وصلت عائلة شنراف إلى النبع الذي يقع قرب رام الله للاستجمام في نهاية شهر آب.
ولكن دولاً ديمقراطية تعمل على حماية نفسها من الإرهاب لا يمكنها استخدام التحقيق والتعذيب كعقاب. في نهاية الانتفاضة الثانية، اعتادت إسرائيل على اغتيال مخربين كبار في الضفة الغربية، في الأماكن التي اعتُبر تنفيذ الاعتقال فيها خطيراً جداً، وكذا ما زالت تتصرف بين فينة وأخرى في القطاع. أما في الضفة فإن الوضع يختلف: لإسرائيل سيطرة أمنية فعالة على الأرض. وعندما تريد فإنها تستطيع الوصول إلى أي مشبوه بالإرهاب واعتقاله. إذا كان المشبوه مسلحاً، وهناك شك في نيته استخدام السلاح من أجل منع الاعتقال، يضربونه من أجل الامتناع عن تعرض حياة الجنود للخطر.
في كل حالة أخرى، الهدف هو الاعتقال ثم التحقيق والتقديم للمحاكمة. هذا ما يحدث في الأغلبية الساحقة من الحالات (وأحياناً، يتم إطلاق سراح قتلة؛ هذا ما فعلته حكومة نتنياهو في صفقة شاليط في 2011).
أصدرت المحكمة العليا قراراً بشأن التعذيب في التحقيق. وفي قرار حكم آخر صدر بشأن استخدام “وسائل خاصة” من العام 2017، رسم للشاباك قواعد المسموح والممنوع. من قرارات الحكم هذه، يبدو أنه يمكن استخدام وسائل خاصة في التحقيقات، في الحالة التي يمكن فيها أن يكون لدى المحققين “حماية الضرورة”، أي حين يكون المحقَّق معه على دراية بـ”قنبلة موقوتة”، وهناك حاجة إلى انتزاع المعلومات منه بالقوة لمنع المس بحياة الناس. ما هي هذه الوسائل الخاصة؟ حدد القضاة بأن الأمر يتعلق بأفعال ممنوعة في ظروف عادية، ولكنها لا تصل إلى درجة التعذيب. وقد امتنعوا عن التفصيل.
عملياً، عدد الحالات التي يستخدم فيها الآن تحقيق كهذا يمكن عدها على أصابع اليد في كل سنة. في كل حالة كهذه يجب أن تصادق عليها القيادة العليا في الشاباك. بعد ذلك، يتم إحضارها للإشراف القضائي، لدى النائب العام المسؤول عن ذلك من قبل الدولة.
مما نُشر، تبدو قضية الجبهة الشعبية وكأنها تلبي هذه المعايير. أعضاء الخلية متهمون بقتل الشابة، ومن المعروف أنهم عملوا على إعداد عبوات أخرى كان هناك شك بأن أشخاصاً لم يعتقلوا بعد سيحاولون تشغيلها.
هؤلاء أيضاً نشطاء مجربون نسبياً، ويحرص تنظيمهم على السرية ويجعل نشطاءه يجتازون إعداد هدفه بمساعدتهم في الصمود أثناء التحقيق أمام الشاباك.
إن التحقيق من خلال استخدام الوسائل الخاصة يمكن أن ينتزع المعلومات، وليس من خلال إحضار المتهم للمعالجة وهو يحتضر. وحسب أقوال الشاباك، شعر العربيد أن وضعه سيئ أثناء التحقيق، ومن الواضح أن شيئاً ما تشوش في الطريق. ستكون هناك حاجة إلى فحص هل انحرف المحققون عن التعليمات المعطاة لهم، وتحت أي إشراف طبي كان يقع المعتقل، وما الذي عرفته سلسلة القيادة.
لا توجد للشاباك مصلحة في إنهاء التحقيق معه هكذا، والتحقيقات التي تؤدي إلى نتيجة كهذه يمكن أن تزيد دافعية نشطاء آخرين في التنظيم للقيام بعمليات أخرى. والإشراف على التحقيقات ومنع التعذيب مصلحة عامة، وبشكل خاص هي مصلحة رجال اليمين الذين ثاروا ضد ادعاءات لشباب يهود على تعذيبهم أثناء التحقيق في قتل عائلة دوابشة في قرية دوما قبل أربع سنوات.
في الأسابيع التي سبقت عملية النبع، طارت قوات الأمن خلايا عسكرية للجبهة الشعبية في رام الله. وعلم جهاز الأمن أن التنظيم الذي قلل العمل في السنوات الأخيرة عاد إلى تخطيط عمليات. عدد من أعضاء الخلية، ومنهم العربيد ونشيط آخر لعب دوراً مركزياً في قتل شنراف، اعتقلوا بعد العملية. ولكن العربيد تم إطلاق سراحه حين لم يتضح في التحقيق الأولي أي شيء.
حسب بيان الشاباك نهاية الأسبوع الماضي، كانت الخلية نشطة قبل ذلك، ونفذت عمليات قبل عملية النبع. القصد هو سلسلة عمليات إطلاق نار لم يحل لغزها وحدثت في السنوات الأخيرة بمنطقة رام الله. هذا يعني أن تنظيماً إرهابياً معروفاً نسبياً وموجوداً تحت الملاحقة الاستخبارية وهوية عدد من نشطائه المخضرمين معروفة لإسرائيل، نجح في العمل تحت نظر جهاز الأمن طوال فترة غير قصيرة.
ثمة سؤال آخر أقل أهمية يظهر حول الطريقة التي نشر فيها بيان الكشف عن الخلية. قبل بضعة أسابيع كشف الوزيران افيغدور ليبرمان واييلت شكيد في “تويتر” عن الخلية رغم وجود حظر مفروض على القضية ورغم أن عدداً من النشطاء المتهمين كانوا طلقاء.
أمس، في التاسعة مساء، نشر الشاباك بياناً قصيراً عن حل لغز العملية وعن اعتقال مشبوهين. لم يذكر في البيان أي شيء عن الوضع الصحي لرئيس الخلية. وبعد فترة قصيرة من ذلك نشرت منظمات فلسطينية عن معالجة العربيد. ترتيب الأحداث يطرح شكاً بأن هناك محاولة للتبكير وتسويق نجاح بهدف تقليص الانطباع بأن خطأ قد حدث. لم يحاول الجهاز إخفاء عملية المعالجة عن وسائل الإعلام، لكن يبدو من الأفضل لو أن البيان الأول للإعلام قدم جميع التفاصيل ذات العلاقة.
بقلم: عاموس هرئيل
هآرتس 2/10/2019