العمادية من المدن العراقية التي يمكن أن نطلق عليها اسم “المدن القلاع” فهي أشبه بعش النسور الذي تبنيه على قمم الجبال، إذ بنيت على قمة جبل يرتفع عن سطح البحر حوالي 1400 متر، وما تزال المدينة في الكثير من أجزائها محاطة بسورها التاريخي الذي تعرض لبعض الهدم في أماكن محددة بالقرب من بواباته الثلاث التي تم توسعتها وتم تبليط الطرق التي تربط المدينة بما يحيطها من مدن مثل دهوك والموصل.
العمادية من المدن الحدودية العراقية، فهي تقع على بعد نحو 570 كم شمال العاصمة بغداد، كما أنها قريبة جدا من الحدود العراقية التركية، أذ لا تبعد عنها سوى 10 كم، وهي مركز قضاء تابع أداريا لمحافظة دهوك إحدى محافظات إقليم كردستان العراق، وتقع على بعد 70 كم شمال مدينة دهوك، ويبلغ عدد سكانها حوالي 8000 نسمة فقط، لأن المدينة غير قابلة للتوسع نتيجة وجودها داخل أسوارها القديمة على قمة الجبل. يتبعها إداريا عدد من النواحي هي؛ ناحية جامانكي، وناحية سرسنك، وناحية ديرلوك، وناحية بامرني، وناحية شيلادزي، وناحية كاني ماسي.
وكان يسكن العمادية تاريخيا خليط من السكان الذين يدينون بمختلف الأديان مثل اليهود والمسيحيين والإيزيديين والمسلمين، أما اليوم فلم يعد يسكنها سوى الأكراد. وتمثل الزراعة والخدمات وبعض النشاطات السياحية مصادر الاقتصاد الرئيسية لسكان المدينة المحاطة بمزارات ومصايف سياحية مهمة مثل كلي زاويته ومصيف سرسنك، ومصيف أنشكي، ومصيف سولاف، وهذه الأماكن تعد من أهم مناطق السياحة والاصطياف في كردستان العراق، كما يأمل سكان العمادية في تسجيل المدينة في سجل التراث العالمي لليونسكو لتتم المحافظة على آثارها التي يمكن أن تتحول إلى مزارات تنشط السياحة فيها.
عاصمة الإمارات
شهدت العمادية قيام وانهيار العديد من الإمارات، وهكذا عاشت تحت ظل الإمارات والعشائر الكبيرة أو الوحدات القبلية التي تتحد مع بعضها لتكون إمارة، ولتتحول العمادية إلى عاصمة لها تحكم منها المناطق المحيطة. وقد أطلقت على المدينة طوال تاريخها عدة تسميات منها: “آمات، آماتي، آفاهي ميديا، آشب، والعمادية”. كما يطلق الأكراد عليها اليوم اسم “آميدي” إلا أن مصادر تاريخية تؤكد أن “آمات” أو “آماتي” هو أقدم اسم للمدينة، وقد عثر عليه في مدونة آشورية تعود إلى حوالي (823 ـ 810 ق.م) محفوظة في المتحف البريطاني.
وجاء في مقال كتبه بشير فرنسيس وكوركيس عواد نشر في مجلة “سومر” ذكرا فيه “جاء في الكتابات الآشورية اسم مدينة في هذا الموضع أو بالقرب منه بصورة آمات، وأوضح ذكر لها انتهى إلينا في مسلة وجدت في القصر الجنوبي الغربي في نمرود، وفيها أخبار شمس أداد الخامس الملك الآشوري (823-810 ق.م) وهو ابن شلمنص الثالث، وذكرها الملك أداد نيراري الثالث (805-782 ق.م) في مسلة له وجدت في نمرود أيضا وكتبت باسم آمات وبقيت كمدينة معروفة حتى العصر البابلي الحديث”.
ويذكر ابن الأثير في كتابه “الكامل في التاريخ” المدينة والصراع الذي دار حولها فيقول “حكي عن بعض العلماء من الأكراد ممن له معرفة بأحوالهم، أن أتابك زنكي لما ملك قلاع الحميدية وأجلاهم عنها خاف أبو الهيجاء بن عبد الله صاحب قلعة آشب والجزيرة ونوشي، فارسل إلى أتابك زنكي من استحلفه له وحمل إليه مالا وحضر عند زنكي في الموصل فبقي مدة ثم مات فدفن في تل توبة” كما يذكر “حكى غير هذا بعض فضلاء الأكراد، إذ قالوا: إن زنكي فتح قلعة آشب وخربها وبنى قلعة العمادية ولم يبق في الهكارية إلا صاحب جل صورا وصاحب هرور، ولم يكن لهما شوكة يخاف منها، فعاد عماد الدين زنكي بعد ذلك إلى الموصل”. ويبدو أن هذا هو الرأي الذي تبناه المؤرخ العراقي عباس العزاوي في كتابه “العمادية في مختلف العصور” إذ يذكر أن “ليس من الصواب اعتبارها مدينة قديمة معروفة بهذا الاسم لما قبل الإسلام، بل اشتبهت على الباحثين بـ (آمد) فلم يفرقوا، ولا تعد أيضا من بناء البويهيين، فلم يعرف لها هذا الاسم قبل بنائها من عماد الدين زنكي كما هو ثابت من مؤرخين عديدين، بناها باسم العمادية بعد أن خرب بلدة (آشب)”.
بينما يذكر المؤرخ والعسكري والوزير الكردي العراقي في العهد الملكي محمد أمين زكي بك في كتابه “خلاصة تاريخ الكرد وكردستان” إن اسم العمادية جاء من نسبة هذه القلعة إلى عماد الدولة، الأمير الديلمي الذي كان في المدينة سنة 338 هـ كما يذكر حمد الله المستوفي في تاريخه للمدينة، بينما يقول ياقوت الحموي، إن هذه القلعة سميت باسم عماد الدين زنكي، إذ بناها على أطلال قلعة آشب التي خربها، وأن سكان هذه القلعة هم من الأكراد الهكارية العريقة”. كما يشير محمد أمين زكي بك إلى ما ذكره ابن الأثير في الكامل فيقول “إن قلعة آشب كانت من أعظم القلاع الحكارية وأمنعها. بها أموال الأكراد الحكارية وأهلهم وبعد أن فتحها عماد الدين زنكي أخربها وبنى عوضا عنها القلعة المسماة الآن العمادية نسبة إلى لقبه، وهي عامرة وقلعة آشب هي الخربة، والظاهر أنها معربة عن أسم (آمادي – آميدي) القديم كما يذكرها الأكراد لغاية الآن بدليل بناء القلعة على أطلال مدينة تاريخية”.
ويذكر الأمير شرف خان البدليسي مؤرخ الإمارات والدول الكردية في كتابه الشهير “شرفنامه” أن إمارة بادينان وعاصمتها العمادية تأسست في أواخر عهد العباسيين، وأن مؤسسها كان من نسل العباسيين، كما يزعمون وكان يدعى بهاء الدين، فأطلق اسمه على أسرته، ثم حدث تحريف في الاسم تحت تأثير اللهجة الكرمانجية فصار بهاء الدينان، ثم بهادينان، واستقر على بادينان، ويشير البدليسي إلى إن العمادية كان يحكمها تيمور لنك وابنه شاهرخ من بعده الذي أمضى أيامه الأخيرة في تلك البلدة، وأنه أقطعها لابنه الأمير سيف الدين. وبقيت هذه الإمارة نتيجة صراعات امرائها في مهب التنازع بين شاهات فارس وسلاطين العثمانيين حتى انضمت أخيرا للدولة العثمانية واطيح بأمارة البادينان في القرن التاسع عشر وتبعت لولاية الموصل.
الآثار
يذكر مدير آثار محافظة دهوك حسن قاسم في مقابلة صحافية، إن “العمادية من المدن المهمة التي لا تزال تحتفظ بالآثار والشواهد التاريخية، إذ كان لهذه المدينة دور كبير في تاريخ المنطقة منذ العهد الآشوري، وتم ذكرها في القرن الثامن قبل الميلاد، حين كانت معقلاً للميديين والآشوريين”.
وتحوي العمادية اليوم الكثير من الآثار التي تعود لحقب تاريخية متعددة، وأهمها قلعة العمادية التي تعد تحفة تاريخية قديمة، ويبرز فيها بشكل خاص باب الموصل الغربي الذي ما زال يحتفظ بكامل هيئته مع التماثيل المنحوتة على جدرانه التي تعود إلى العهود المثرائية القديمة، ويضم الباب أماكن للحراس، وكانت له أهمية كبيرة، فقد كانت القوافل التجارية الخارجة من العمادية تسلك هذا الطريق متجهة إلى مدينة الموصل. وفي داخل القلعة يظهر جامع العمادية الكبير بمئذنته الطويلة المستدقة بتصميمها الفريد الذي يظهرها بهيئة تشبه فنارات سواحل البحار، وهذا المسجد الأثري بني في عهد عماد الدين زنكي مؤسس المدينة، إذ يعود تأريخ بناء المسجد إلى حوالي سنة (537 هجرية).
ومن آثار المدينة المهمة باب قصر الأمارة، وهو كل ما تبقى من آثار إمارة بهدينان، التي أسسها الأمير بهاء الدين بن خليل بن عز الدين العباسي، وفي بعض الروايات الأمير بهاء الدين شجاعي الذي ينتمي إلى منطقة الشيروان الكردية في سنة (1261) حسب قول الدكتور صلاح هروري استاذ التاريخ في جامعة دهوك. وكذلك تضم المدينة مقبرة الأمراء والسلاطين الذين حكموا العمادية وتوجد فيها كهوف للمثرائيين تعود إلى ألفي سنة قبل الميلاد. أما أثار مدرسة قبهان التي أسسها في العام 1534 السلطان خليل فهي تحفة أثرية تعاني الإهمال وتحتاج إلى الصيانة والاهتمام، وكذلك توجد في العمادية آثار بعض الديانات غير الإسلامية مثل الكنيس اليهودي القديم الذي يضم قبر النبي حزقيل، بالإضافة إلى بقايا كنيسة قديمة لا يعرف زمن بنائها على وجه الدقة.
واقع العمادية اليوم
صغر حجمها يجعلها متركزة في القلب، يحيطها طريق دائري ملتف حولها ويضم الدوائر الحكومية والمصالح الرسمية، بينما لا تضم المدينة سوى أربعة أحياء فقط هي سردبكي، وميدان، وحمام، وأيوم، وهي تمتاز بنمط معماري حميم يميز المدن القلاع التي تحتفظ بتاريخها القديم، لذلك تجد أزقتها ضيقة بالكاد تكفي لمرور فرد واحد. ويذكر الكاتب عبد الخالق دوسكي في تقرير صحافي عن العمادية “المدينة التي تحكي أزقتها تاريخا طويلا لعصور مختلفة لم تعد تتسع للسكان، وليس في الإمكان توسيعها أفقياً مثلما يحدث مع باقي المدن، ما أضطر الأهالي إلى ترك مدينة الأجداد والتوجه إلى أسفل الجبل الذي يحتضنها لبناء مدينة أخرى أطلقوا عليها اسم العمادية الجديدة”.
ورغم أن لمدينة العمادية طابع أثري وسياحي، فهي تشهد هجرة مستمرة لسكانها الأصليين. ويعزو هؤلاء السكان أسباب هجرتهم إلى عدم استيعاب مساحة المدينة مساكن جديدة، كون موقعها لا يسمح بالتوسع، إذ إن العديد من سكانها اضطروا إلى الهجرة إلى مركز محافظة دهوك والعيش هناك، بسبب عدم توفر أرضٍ لبناء دور سكنية، ما أدى إلى ارتفاع أسعار المنازل بشكل كبير. ومعروف أن مساحة المدينة لا تتجاوز 420 ألف متر مربع، شُيّد عليها أكثر من 1200 منزل، فضلاً عن المؤسسات الحكومية والخدماتية.
العباسي والزنكي هذا احسن دليل. ان البناه عرب أن الاكراد لم يبنوا شيء ولكنهم هجروا السكان واحتلت المدن ونسمع يوما هروبهم منها
مدينة ميدية ( الميديين ماد ، ميد ، ميدين اجداد الكورد لغتنا واحدة وجيناتنا واحدة ) واسمها كان آمات ..آماد اي مركز من مراكز الميديين .. اينما ذهب الكورد بنوا قلاعاً تشبه جبالهم ليقاموا فيها الغزاة