المدخل إلى موضوع هذا العدد هو الحملة الضارية ضد فلسطين والفلسطينيين، وهناك من يتمادى في تلغيم المسالك وزيادة تعكير المياه العكرة أصلا، ويحقق ما لم تكن تحلم به الدولة الصهيونية، وها هي جحافل من العاملين في السياسة والإعلام الانعزالي والمذهبي يقدمون لها ولمشروعها خدمات مجانية تضمن الاستمرار، وطول البقاء، ووفرة الأمن. وهذه الجحافل لها قوتها ونفوذها، ويدها طولى في مؤسسات المال وأجهزة التوجيه وصناعة الرأي العام.
يكفي ما حل بفلسطين، فهي ليست في حاجة لمزيد من الحرمان والحصار والعزلة والشيطنة. ويعود كل هذا إلى سيطرة فكر الفرقة والاقتتال الأهلي على عقول وتصرفات فرق وجماعات تركت خندق المقاومة إلى ‘غيتو’ الدم والنار؛ فطمست ملامح الشخصية الوطنية، وأضاعت معالم الهوية الثقافية، ولم يعد ذلك قاصرا على فلسطين وامتد إلى أكبر الكيانات العربية، وهو مصر، وأصاب القضية الفلسطينية في مقتل، حتى وصل الأمر إلى مستوى التصفية النهائية، والتفريط فيما تبقى من الأرض المقدسة دون حراك، وعليه غاب الكفاح من أجل التحرير والعودة.
وكلنا شركاء فيما آلت إليه هذه الحالة، وكم هلل قادتنا وزعماؤنا للتنازل إثر التنازل منذ ما بعد حرب 1973؛ حين راهنوا على واشنطن، فانتزعت مصر من نفسها، وسحبتها من رصيد أمتها، وبعيدا عن دوائر قوتها العربية والإقليمية والدينية، وفلسطين كانت في القلب من هذه الدوائر، وكانت عمقها ومجال حركتها الحقيقي؛ دون تجاهل الدوائر الأخرى، الإفريقية والأسيوية واللاتينية، أو إهمال تعاطف رأي عام بين دوائر الغرب، على الرغم من أن أغلب سياساته ومخططاته واحتكاراته لا ترى من المنطقة إلا الدولة الصهيونية، أما غيرها فهو برسم الإضعاف والتقسيم والتهجير والإبادة؛ ليبقى مشروعها مركز انطلاق امبراطوري؛ يواصل زحفه ليمتد من الفرات إلى النيل.
واستهداف فلسطين حل مبكرا بوصول الحملة الفرنسية إلى مصر والشام في نهاية القرن الثامن عشر، إلى أن وقعت تحت الانتداب البريطاني، ثم توافد الهجرة المنظمة لتستقر فيها مع مطلع القرن العشرين، إلى قيام الدولة الصهيونية بعد الحرب العالمية الثانية؛ لم تكن فلسطين وحدها هي المستهدفة، فقد كان الوطن العربي كله مستهدفا، لتحل محله امبراطورية صهيونية، موحدة، ويتحول إلى دويلات ومشيخات وكيانات ممزقة ومقسمة، وكل حرب أو غزو أو عدوان كان يقرب ذلك الكابوس الامبراطوري من التحقق والاكتمال.
وقبل أن تضع الحرب العظمى (1914 – 1918) أوزارها كان اتفاق سايكس بيكو لتقسيم الوطن العربي عام 1916، ولم يمر عام حتى صدر وعد بلفور بإقامة وطن لليهود في فلسطين 1917، وهو الوعد الذي قال عنه عبد الناصر: ‘أعطى من لا يملك وعدا لمن لا يستحق’.
وهنا نقول أنه حتى لو جنحت جماعات فلسطينية، واتخذت موقف العداء من مصر، فهي بذلك تعادي نفسها، وتعادي أمتها، والعكس أيضا صحيح إذا ما جنحت جماعات مصرية إلى شيطنة فلسطين.
أقول هذا في وقت برزت فيه حاجة خليجية ماسة ومشروعة لظهير وغطاء يخفف عن دولها الضغوط في سعيها للاستقرار والأمن، وكانت الضغوط والمخاطر قد زادت ضد منطقة الخليج العربية، بعد أن صارت طرفا في تعقيدات العبة الأمم’حول سوريا، وهذا وضعها في مرمى النيران من كل حدب وصوب. والحاجة الخليجية تتحقق إذا ما استعادت مصر لياقتها الوطنية والعربية، وتعيد صياغة دورها البناء على المستوى العربي والإقليمي، وذكرنا السبت الماضي أن هذا يتحقق بالحرص على صياغات جماعية للعمل العربي المشترك، التي تربط أمن مصر الوطني بدائرته العربية الأرحب والأوسع، وهذا يعيد لياقتها إلى ما كانت عليه، وتحيي ما كان من معاهدات واتفاقات ومواثيق العمل العربي الجماعي، على أن تعي الأطراف المتطلعة إلى الدور المصري بأنه إضافة نوعية للقوة العربية، ومع ذلك يجب إخضاع كل ما سبق من تجارب ومحاولات للعمل الجماعي العربي للفحص والتدقيق، والتركيز على ما أحاط تجربة الجمهورية العربية المتحدة، وملابسات الانقلاب عليها وفصم عراها؛ بجهد موضوعي وعلمي، والخروج بدروس مستفادة تكون زادا يطور من أي مساعي جديدة في نطاق العمل الجماعي العربي، وتفادي الأسباب الحقيقية وراء ذلك الانقلاب وضمان عدم تكراره!.
ولقد ثبت تاريخيا أن الوحدة المصرية السورية مدت مظلتها إلى ما هو أوسع من حدودها السياسية والجغرافية في ذلك الوقت. وحاولت تجاوز التناقضات بين نظم الحكم العربية، وقبلها كان جمال عبد الناصر قد وقع معاهدة دفاعية مع الإمام أحمد حميد الدين؛ إمام المملكة المتوكلية اليمنية عام 1956، ومع قيام الجمهورية العربية المتحدة سنة 1958 انضمت اليمن إلى دولة الوحدة، وضمهما كيان اتحادي (فيدرالي)؛ باسم الدول العربية المتحدة، وانتهى ذلك الكيان في سبتمبر 1961 مع حدوث الانفصال، وفي تلك المرحلة جرت المواءمة بين صيغتين متباينتين؛ صيغة الدولة الموحدة من مصر وسوريا، واتجمع التعاهدي، وجمع الجمهورية العربية المتحدة والمملكة اليمنية.
وحتى عقد ثمانينات القرن الماضي لم تتوقف المحاولات الوحدوية، وتوقيع ميثاق طرابلس لوحدة مصر وسوريا وليبيا والسودان، ثم أقيم اتحاد الجمهوريات العربية المتحدة، من مصر وسوريا وليبيا، وإعلان الجمهورية الإسلامية من ليبيا وتونس، وكان آخرها على ما أذكر مجلس التعاون العربي عام1989؛ المكون من العراق واليمن الشمالي في ذلك الوقت والأردن ومصر، وكانت مصر عائدة لتوها بعد قطيعة أعقبت توقيع ‘معاهدة السلام’ مع تل أبيب، وانفرط عقده مع دخول القوات العراقية إلى الكويت في 2 آب/أغسطس 1990.
وتوضع كل هذه التجارب والمحاولات وغيرها تحت المجهر؛ والعمل على تفادي قيام أي محور جديد؛ يزيد من حدة الاستقطاب القائم في المنطقة، وإذا أريد للعمل العربي المشترك أن ينجح يحتاج إلى قناعات بجدواه، وتنازلات متبادلة من كل أطرافه، وقد لا يكون هذا سهلا بعد تراكم عقود من الانعزالية والصراعات والحروب المذهبية والطائفية والاقتتال الأهلي.
وكان من الممكن أن تكون جامعة الدول العربية إطارا للعمل المشترك، وهو ما نجحت فيه حتى سبعينات القرن الماضي، وانتهى بها الأمر لتكون رديفا للهيمنة الأمريكية، وضربت بوظيفتها في التنسيق والحفاظ على وحدة أراضي الدول الأعضاء عرض الحائط، ولم تلتزم بما نص عليه ميثاقها في ذلك الشأن، وأعطت مشروعية رسمية للغزو الأمريكي للعراق، ووفرت غطاء للتدخل العسكري في ليبيا، وأصبحت طرفا منحازا في ‘لعبة الأمم’ حول سوريا.
ومجلس التعاون الخليجي تقطعت به السبل، والوضع الراهن أكبر من طاقته على التحمل، بعد أن كان يتميز بقدرته على المواءمة، وهذه القدرة ضعفت، وأضحت لا تلبي مطالب الاستقرار والأمن الملحة لدوله!
والسؤال هو ماذا يريد الخليجيون والمصريون، وكلهم مُحمل بخبرة الأيام وعبر التاريخ القريب وليس البعيد؟. وسوف يكون الرد من خلال تصريحات نائب رئيس شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان الاثنين الماضي. وكثيرا ما تكون تصريحاته عاكسة لتوجهات رسمية في دولة الإمارات، وإن بدت في إطار شخصي غير رسمي! وفحوى التصريحات دعوة لتشكيل مجلس تعاون استراتيجي؛ يضم مصر والسعودية والإمارات والبحرين والأردن،
الانطباع الأول عن هذا التصريح تحدده طبيعة الدول المقترحة لتشكيل هذا المجلس؛ حيث يغلب عليها الاتجاه المحافظ، هذا رغم ما ورد عن نظرته للمجلس المقترح لدوره بأنه ‘يحافظ على مقومات الدولة الحديثة التي تستهدف تحقيق امن اوطاننا ورفاهية شعوبنا وتنمية ثرواتنا’!.
لكن سرعان ما يتبخر أثر الكلام المتعلق بالدولة الحديثة، وهذا نلحظه في رده على منتقديه بالقول: ‘المجلس استراتيجي المقترح المصري السعودي اماراتي البحريني يخدم امن الجزيرة العربية، فالمخطط الصفوي سيكون نافذا اذا لم نتحد للتصدي له’، أي أن الهدف هو التصدي لما أسماه ‘المخطط الصفوي’، وهي لغة مذهبية قد تمهد لاشتعال الصراع السني الشيعي، وهو صراع طائفي يستهدف حرق المنطقة، وهذا يضفي على المجلس المقترح معنى المحور، وليس صيغة من صيغ القوة، التي لا تخرج عن ثلاث؛ مرتبة من الصيغة الأقوى إلى الأضعف؛ تبدأ بالدولة الواحدة، وهي غير مطروحة فضلا عن أنها غير ممكنة، وإلا كانت مساعي الوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي قد نجحت.
والصيغة الثانية هي الصيغة الاتحادية، وتقام بين دول وأقاليم لها لها استقلال ذاتي، ولن يخرج المجلس المقترح عن كونه تجمعا وليس دولة إتحادية بالمعنى المتعارف عليه!. والصيغة الاتحادية (الفيدرالية)، معروفة في العلوم السياسية، وتلجأ إليها دول ذات طبيعة امبراطورية؛ مثل الولايات المتحدة حاليا والاتحاد السوفييتي سابقا، والأخذ بها في هذا النطاق عمل ينشد القوة، أما حين يأخذ به العراق فيستهدف تفكيك دولته، وتصبح صيغة من صيغ الضعف، ويحمل معنى سلبيا حين ينادي به قادة الحراك الشعبي، في ليبيا واليمن وسوريا، ويطلبون إعادة النظر في صيغة الدولة الواحدة أو الموحدة، فتعود ليبيا مثلا إلى ولايات كما كانت، وهو ما تجاوزته منذ عام 1951 بتنصيب أمير برقة إدريس السنوسي ملكا على ليبيا، التي كانت مكونة من ولايات برقة وطرابلس وفزان.
والظن أن دعوة ضاحي خلفان ليست قيام دولة اتحادية (فيدرالية) ولا كيان تعاهدي (كونفدرالي)؛ يجمع دولا أو إمارات ومشيخات؛ غير اتحادية أو موحدة، فدولة الإمارات رغم أنها لا تتبنى الفيدرالية التقليدية للدول غير الموحدة، حين تستند إلي صيغ حديثة في الحكم؛ برلمانات منتخبة، وصلاحيات سياسية واسعة، وعوضت ذلك بالوفرة المالية والقدرة الاقتصادية، مع وشائج عربية وثقافية وتقاليد وأعراف موجودة؛ كلها لعبت دورا في تزكية علاقات التماس والتداخل بين الإمارات المكونة للدولة؛ بما لا يمنع التنافس السياسي والاقتصادي والإعلامي، والإمارات أقرب إلى الكيانات التعاهدية منها إلى الدولة الاتحادية، وأمام الإمارات فرصة للتطور في الاتجاهين الاتحادي والوحدوي!.
والتوجه نحو العمل العربي الجماعي شئ مطلوب ومفيد وممكن، وشرطه الأساسي توفر إرادة حقيقية؛ مبرأة من وباء الانعزالية والمذهبية، وساعية لإخماد الفتن وتهيئة مناخ التضامن والتعاون؛ ويبدأ بهدنة؛ تتيح الفرصة لالتقاط الأنفاس، وحقن الدماء، وفتح أبواب المحاسبة والمصالحة، وبذلك تخف الوطأة على الخليجيين والفلسطينيين، وبل عن كل أبناء العرب المتناحرين، وهو المطلوب.. الآن وبسرعة.
‘ كاتب من مصر يقيم في لندن
يا حيف ………….
لا حول الله، من كان يهاجم ليل نهار البترودولار صار ينظِّرُ ل للعمل المصري البترودولاري المشترك.
هؤلاء الذين ذكرتهم بحاجة لأن يتصالحوا مع شعوبهم أولا ، ثانيا لايوجد ما يجمعهم في الوقت الراهن سوى لحظة مصلحية عابرة تتمثل في توحيد الجهود للوقوف في وجه المطالب التي تتهدد عروشهم من الشعوب التي وصلت لدرجة الاحتقان وليس آخر قراراتهم التحالف للوقوف في وجه المحور القطري الإخواني كما يقولون، ثالثا صيغ الاتحادات القديمة التي ذكرتها كلها بنيت في لحظات عاطفية وليست على أساس علمي واقعي فلا فائدةوشكرا
أحى الأستاذ دياب على النفس الوحدوى الجميل ولكن لن تكون هناك وحدة للعرب بدون مصر القوية ، وحتى تعود مصر إلى قوتها الحقيقية لابد لها أن تمتلك رؤية لقيام حضارة ، ومن هنا كانت أهمية محاربة الفساد بضراوة حتى نوفر الموارد المالية للقيام بهذا المشروع الحضارى المنشود وحتى تتحقق العدالة الإجتماعية بين المواطنين جميعاً . ومصر القوية لابد لأن تعود لحجمها الطبيعى وهو كل السودان ومنطقة برقة المصرية التى ضمت لليبيا عام 1951 ومنطقة أم الرشراش المصرية التى إحتلتها إسرائيل عام 1949 ويا حبذا لو أضيف إليها تشاد ليكتمل المربع الذهبى ولا ننسى أن مصر أم الدنيا
لم اكن اود التعليق على رأي احد القرّاء!! ولكن ما ذكره السيد -الحزين!!- حول موضوع برقه وام الرشراش وتشاد ، يعبّر عن فداحة بالتاريخ والجغرافيا !! . اما بالنسبة للتحولات الفكرية المتواصلة التي نلحظها في كتابات الاستاذ محمد عبدالحكيم فهي تشير بوضوح الى ازمة العقل العربي . لاحل لوضع امتنا البالغ الخطورة الا الاستمرار في ثورة الشعوب ضد التخلف والفساد والظلم وكل اشكال الحكم السلطوي الطاغي . مصر لا قيمة لها بدون نجاح شبابها في تصحيح مسار ثورتها لتحقيق اهدافها في الحرية والكرامة وازالة الفساد من جذوره في مصر وفي كافة امتداداته في الوطن العربي.
إن أم الرشراش هى أرض مصرية مائة فى المائة واتلها المجرم إسحاق رابين يوم 10 مارس 1949 وقتل حاميتها بدم بارد وعددهم 350 ضابط وعسكرى من أفراد الشرطة المصرية ومساحة أم الرشراش المصرية عو 1500 كيلو متر مربع ومن أشهر مدنها ميناء إيلات المصرى وليس الإسرائيلى لأنه أرض مغتصبة ثانياً بالنسبة لبرقة فأخر حدودها هى مدينة مصراته وتعنى من مصر أتى أما بالنسبة للسودان فهى أرض مصرية مائة فى المائة وجنوب السودان فتحها إبراهيم باشا بن محمد على وحدود مصر الجغرافية فكانت حد بلا بونت وهى الصومال الحالية أما تشاد فلم تكن من الأراضى المصرية ولكنى أقترح ضمها لمصر مستقبلاً بإخوة الإسلام لأن فيها أكبر مخزون لليورنيوم تحتاجه مصر من أجل مصالح العرب والمسلمين فما يضيرك يا أستاذ عبدربه أن تكون بلادى مصر قوية لتقود العرب والمسلمين وهذا قدرها وعاشت مصر دولة قوية