طرحت الفنون المصرية والعربية بشكل مباشر وغير مباشر قضية العنصرية كواحدة من القضايا الرئيسية، وشددت الفنون جميعها على رفض التمييز العنصري بوصفة عملاً عدائياً ضد الإنسانية. وإزاء تصاعد وتيرة العنف ضد الملونين في الولايات المتحدة الأمريكية تزايدت الأعمال الإبداعية المناهضة للأفكار والممارسات العنيفة، غير أن دعاوى الرفض للتفرقة بدأت مبكراً وتمثلت في كثير من أوجه الفن المختلفة التي تنوعت ما بين السينما والمسرح والفن التشكيلي والباليه فكانت بمثابة صرخات مدوية كأنها أجراس إنذار تحذر من مغبة الانقياد وراء المتعصبين الذين يضعون اللون والعرق والعقيدة كمقاييس للتعامل والتقييم.
وهناك نماذج متعددة قُدمت لتبرئة الإبداع المصري والعربي من عار العنصرية، حيث قدم المخرج السوري مصطفى العقاد قبل أربعين عاماً على الأقل الفيلمين الشهيرين “أسد الصحراء” و”الرسالة” والاثنان تعرضا للقضية ذاتها من منظورين مختلفين، فالفيلم الأول ناقش قضية الحرية وحق الشعب الليبي في الاستقلال وتقرير المصير بعيداً عن وصاية المحتل الإيطالي، ورمز لذلك بشخصية الزعيم والمجاهد الكبير عمر المختار الذي عانى مرارة الاضطهاد هو وأتباعه جراء التمسك بحقهم في الحرية والاستقلال.
كذلك قدم العقاد مثالاً حياً لرفض الإسلام للتمييز العنصري في فيلم “الرسالة” المذكور سلفاً، ولفت النظر بشكل قوي لشخصية بلال مؤذن الرسول كونه كان في الجاهلية عبداً حبشياً ونال ما ناله من أذى لولا أنه أعلن إسلامه فاستراح من ميراث العبودية الذي أذاقه سوء العذاب، ولم يكن بلال سوى عينة من البشر المتشابهين في ظروف الاضطهاد والقمع كالذين قدمهم المخرج الكبير أيضاً في سياقات مختلفة ليدلل على الفكرة نفسها.
وعلى جانب آخر وفي إطار المواجهة، عمد مصطفى العقاد إلى المشاركة في تقديم العديد من أفلام الكاوبوي “رعاة البقر” لفضح الهمجية الأمريكية والتنديد بالممارسات غير الأخلاقية للمجتمع القائم على القوة والهيمنة وسياسة فرض الأمر الواقع بالحديد والنار، وقد اعتبر المخرج العربي هذه النوعية من الأفلام مجرد بضاعة تجارية هادفة للربح، لكنها بقيت برغم ذلك أدلة إدانة تُثبت تهافت وضعف شعار الحرية الذي ترفعه أمريكا في وجه العالم للمتاجرة بالديمقراطية.
أما الفنون المسرحية المختلفة فقد اعتنت بتقديم إسهامات لنبذ الفكرة العنصرية متمثلة في مسرحية “الأميرة والصعلوك” للكاتب ألفريد فرج وبطولة نور الشريف، وبعض الاستعراضات الشهيرة كحكاية سندريلا التي عرضت صوراً إنسانية لأوجه التمييز ضد المرأة بالاتكاء على قصة الفتاة الجميلة التي قاست مرارة التعصب والغيرة من زوجة الأب المُستبدة، وهي حاله فردية وقعت في محيط أسرة يعاني بعض أفرادها من تشوهات نفسية ولدت بداخلهم نوازع الحقد تجاه سندريلا الفتاة الطيبة الجميلة والرقيقة فصارت القصة المُتخيلة حالة إبداعية متميزة ضد العنف والقسوة.
وبالعودة إلى السينما نجد أن من أهم ما قدمته السينما المصرية في هذا الصدد سلسلة أفلام “عنتر ابن شداد” التي قام ببطولتها فريد شوقي واستهدفت السخرية من المجتمع البدائي قبل رسوخ الحضارات الإنسانية، حيث كان معيار البطولة والسيادة والقيمة هو الانتماء العرقي واللوني، إلى أن جاءت أسطورة عنتر ابن شداد بتفاصيلها التاريخية فغيرت المفاهيم البائدة واتجهت بالثقافة العربية البدوية إلى المعنى الإيجابي السوي القائم على العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات.
ولا شك في أن شعار المساواة انبثقت منه عشرات التجارب الإبداعية التي صبت جُل أفكارها في خانة الانتصار للحرية كمقوم أساسي للحياة الاجتماعية وقد لامست بعض الفنون الاستثنائية الفكرة كما في أوبرا “عايدة” على سبيل المثال فجاءت مُتسقة مع الجمال الإبداعي كمحتوى راقي ومناهض لنوازع الشر والتعصب والكراهية.
ومن دواعي التذكير بدور السينما المصرية أيضاً في تكريس مبدأ المساواة بين البشر، أن معظم التجارب التاريخية التي قُدمت على الشاشة خلال القرن الماضي كانت معنية بمقاومة العنصرية والتبصير بتعاليم الدين الإسلامي التي تأسست عليها قاعدة التنوير، ومن بين الأفلام المهمة المتصلة بهذا الشأن فيلم “وإسلاماه” الذي عرض في جانب مهم منه تجارة الرقيق وبيع البطلين الصغيرين جهاد ومحمود في سوق العبيد وهما ورثة الحُكم، هذا بخلاف أفلام أخرى مثل “فجر الإسلام” و”ظهور الإسلام” و”الشيماء” وغيرها.
ويضاف إلى كل ذلك الإبداع الغنائي الذي قام على مبدأ المساواة بين الأبيض والأسمر في ترجمة حرفية مُختزلة في أغاني خالدة مثل “أسمر يا اسمراني” و”البيض الأمارة والسمر العذارى” و”اسمر ملك روحي” و”بحبك يا أسمر” وكلها تعبر عن ثقافة التناغم والتواصل والانسجام في نسيج إبداعي واحد لا يقبل الشك أو الطعن في صدقه وعمقه وجوهره.