مجزرة «كرايست تشيرش» النيوزيلندية إعلان مدوٍّ بعودة العنصريين والعنصرية إلى صدارة الأحداث. لكن بطل المجزرة الأسترالي ترينتون تارانت ليس أبوبكر البغدادي. الوحوش البيض شيء والدواعش الإسلامويون شيء آخر. كلاهما عنصري حتى السديم العظمي، لكنهما مختلفان في توصيف عدوهما المركزي.
الدواعش عنصريون إسلامويون جدد، يعتبرون الآخر غير المسلم، متديّناً أو غير متديّن، بل كل متديّن مسلم من غير مذهبهم الأصولي المتشدد والمغلق، عدواً كافراً مستوجباً القتل. التكفير قرار غير معلّل بالقتل.
الوحوش البيض عنصريون قدامى غير متدينين بالضرورة، يعتبرون الآخر الملّون، سواء كان وثنياً أو مسيحياً أو مسلماً، عدواً محتملا مرشحا للموت. الآخر ذو اللون الأسود أو الأسمر او البنيّ، أياًّ كان عرقه أو دينه، عدو مستحق الموت. الدواعش الإسلامويون ينبتون، غالباً، بين عامة الناس الفقراء والأميين. قلّة هم الدواعش الناشطون بين اهل السلطة والمال والعلم. الوحوش البيض ينبتون في كل البيئات والمستويات والأماكن.
العنصرية الداعشية ثقافة وممارسة. للدواعش لغة ومصطلحات وقيم وتقاليد وشعائر مميزة، كما لهم مراس وممارسة مميزان، يغلب عليهما نزوع حتى حدود الشبق إلى الظهور والعرض والاستعراض والدعاوة المدوّية. عنصرية البيض المتوحشين ثقافة وممارسة، شأن العنصرية الداعشية، لكنها أسبق وأعرق وأفعل. للوحوش البيض عقيدة، الإسلاموفوبيا، ولغة ومصطلحات وتقاليد وشعائر مميزة، كما لهم مراس وممارسة مميزان، يغلب عليهما نزوع إلى إظهار التميّز والتفوق على العدو الملّون، ومحاصرته واقتلاعه وحتى قتله اذا ما اشتدّ فيهم التغوّل والتعصّب.
للوحوش البيض وجود في السلطة وبين أهل السلطان أعرق وأفعل من الدواعش الإسلامويين. الوحوش البيض لا يمانعون في مشاركة غيرهم من غير العنصريين السلطة والحكم، بل لعلهم يفضّلون المشاركة. الدواعش الاسلامويون يكرهون التشارك مع الغير في السلطة، بل يحرصون على مصادرتها وممارستها منفردين. النازيون العنصريون الألمان تعاونوا مع غيرهم من غير العنصريين للوصول إلى السلطة، لكن الدواعش الإسلامويين حرصوا على الاستيلاء عليها بقواهم الذاتية ولم يتأخروا في إعلانها ـ كما في الموصل العراقية بادئ الامر – دولةً اسلامية جسّدت، في ظنهم، خلافةً اسلامية ذاوية.
في عالمنا المعاصر، أخفق الدواعش الإسلامويون في بناء سلطة الدولة إسلامية أو الاحتفاظ بها، في حين أن العنصريين البيض ـ وبعضهم شديد التوحش ــ نجحوا في الوصول إلى السلطة وممارستها والاحتفاظ بها واستخدامها بفعالية داخل بلدانهم وخارجها. ثمة حكّام بيض عنصريون متعصبون في الولايات المتحدة وإيطاليا وهنغاريا و»إسرائيل» والبرازيل، لكن لا وجود في السلطة لدواعش إسلامويين في أي دولة عربية أو إسلامية، وإن كان بعض الحاكمين في بعض هذه الدول يمارس سياسة تمييز عنصري فاقعة.
التعصب العنصريالأعمى قد لا يتورّع معهما عن محاولة الفتك بعدوه بأفتك سلاح وبأي ثمن
إلى ذلك، ثمة خطران يتصاعدان من ممارسات الحاكمين والمتحكمين العنصريين البيض، ولاسيما في الولايات المتحدة و»إسرائيل». الخطر الأول يتمثل في الرئيس دونالد ترامب الذي يمارس سياسية تمييز عنصري فاقعة في الداخل، كما في الخارج. فهو يعادي جهاراً نهاراً المهاجرين الملوّنين والمسلمين واللاتينو داخل الولايات المتحدة، كما يمارس سياسة عنصرية عدوانية ضد المكسيك بإصراره على بناء جدار عازل على الحدود معها، لمنع هجرة اللاتينو القادمين من بلدان امريكا الجنوبية اللاتينية، كما يحاول بأساليب شتى قلب نظام الحكم التحرري في فنزويلا المعادي لليمين الفاشي. أما بنيامين نتنياهو، كبير العنصريين الصهاينة وداعية «الدولة اليهودية» العنصرية المعادية لكل ما هو عربي ومسلم، فيمارس سياسة عنصرية استيطانية تهدف إلى تهجير الفلسطينيين العرب من ديارهم والاستيلاء على كامل فلسطين التاريخية بشراً وشجراً وحجراً.
الخطر الثاني يتمثّل في احتمال عدم تورّع الحكّام البيض العنصريين ــ أمثال نتنياهو ــ عن استخدام أسلحة الدمار الشامل، بما فيها السلاح النووي، في الصراعات المحتدمة مع اعدائهم. فالتعصب العنصري الاعمى يمكن أن يدفع صاحبه إلى حماقة وجنون قد لا يتورّع معهما عن محاولة الفتك بعدوه بأفتك سلاح وبأي ثمن. الجنون فنون ومثله التعصب الأعمى الذي غالباً ما يقود إلى جنون هادئ او جنون صاخب ومتفلّت من أي رابط أو ضابط.
أي مصير سينتهي اليه كوكبنا الأرضي إذا ما انتهى الحكم في الدول المقتدرة إلى ايدي وحوش بيض عنصريين مجانين، أو إلى دواعش اسلامويين عنصريين متعصبين عميان؟
كاتب لبناني
تحية لالاستاذ عصام نعمان
مقالة رائعة للمقارنة بين نوعين من الاررهابيين ولكن ينقصها الحلل وبررايي هو ابعاد مصادرهما الفكرية عن الحكم وهما الدين والقومية وهو باعلان اممي يتم فيه حظر الاحزاب الدينية والقومية
أنا أختلف مع عنوان وطريقة تحليل الكاتب 180 درجة، لماذا؟!
لأن على أرض الواقع بعد 11/9/2001 للتغطية على تقصير الموظف ومن خلفه مؤسسات الدولة، في حماية الإنسان والأسرة والشركة في الدولة، قال جورج بوش الإبن(من ليس معنا فهو ضدنا)، بناءا على منهج تعليمي أصيل في دولة الحداثة الأوربية والعلمانية والليبرالية.
الموضوع من وجهة نظري، موضوع اقتصادي صرف، والإشكالية سببها شماعة نظرية المؤامرة لتقصير/فساد أو عدم النجاح في المنافسة الإقتصادية، في أجواء العولمة والإقتصاد الإلكتروني، بعد عام 1945، عندما بدأ نسر الثقافة الأمريكية ومفهومها لمعنى الدولة والمواطن الصالح ودور الحكومة تجاهه.