العودة الى الشعوب والقبائل

حجم الخط
0

عندما يجبر كسر ويكون التجبير في غير موضعه الصحيح فلا بد من اعادة الكسر مرة أخرى ليتم التجبير بشكل صحيح في موضعه.
مع انتصاف القرن العشرين انجلت القوى الاستعمارية عن مستعمراتها في كل من آسيا وإفريقيا، لكنها سلمت السلطة، عبر تفاوض، لمن لا يخرج عن طوعها. ورغم ان اصل الدول مبني على مبدأ الشعوب والقبائل فقد جرى تمزيق تلك القبائل على دول عدة، كي تضمن عدم استقرارها، ولتضمن ان الكسر الذي تم تجبيره قد عاد الى غير موضعه الصحيح، فيعيق الدول التي تركتها لتظل متخلفة مرتبطة مع المستعمر الاب الذي حولها الى دول بلا مستقبل.
لذا، على سبيل المثال، فقد وُزع البشتون على دولتين هما باكستان وافغانستان، وضم الى دولة البشتون (افغانستان) اجزاء من الطاجيك(طاجيكستان)، واجزاء من الاوزبك (اوزبكستان)، والهزارة الشيعة (ايران).
كما عمل على تقسيم الهند الى دول ثلاث هي بنغلادش، والهند، وباكستان، كي يضمن عدم حصول اكثرية غالبة للمسلمين في الهند، بل واوجد دولة وهمية اسمها باكستان هي خليط يحوي اجزاء من الهند القديمة، واجزاء اخرى من البشتون، وابقى الكشميريين تائهين بين الحالتين.
كما قسم الكرد على العراق وسوريا وتركيا وايران، وكذلك ضم لإيران اعراقا شتى منها العرب الاحوازيون والاذريون والبشتون، وغيرهم. ومثل ذلك فعل مع تشاد، كما حول القبائل المسلمة في نيجيريا وكينيا (جماعة بوكو حرام)، وكذا فعل مع موريتانيا والسنغال، وشبيهه في الصومال والحبشة وجيرانهما. وحال تركيا ليس ببعيد عن ذلك. يتضح مما سبق ان الاستعمار عمد الى انشاء دول مشوّهة، حيث اخرجها من وضع الشعوب والقبائل المتحدة فشتتها بين بلدان عدة، وبذلك خلق قنبلة موقوتة.
ومع مرور حوالي قرن من الزمن، وحصول تقدم علمي، وانفجار سكاني، تحولت تلك المستعمرات القديمة الى دول يشكل فيها الشباب العنصر الاعم والاغلب، وتتميز تلك الاجيال الناشئة بالوعي الثقافي والمعرفي نظرا لكثرة وسائل التواصل الاجتماعي. ترافقت هذه الحالة مع توق الشباب الى تحسين اوضاعهم الاجتماعية فاصطدموا بالبطالة والبيروقراطية، وعدم قدرة تلك الدول المصطنعة على تلبية الحد الادنى من عمليات التطور القادرة على انتاج فرص عمل جديدة ومجزية.
واكتشفت الاجيال الشابة ان كل فئة حاكمة ربطت معها اصحاب مصالح، وانها دعمّت اساساتها على عناصر عرقية بعينها، مما ادى بالاجيال الشابة كردة فعل الى البحث عن هويتها الإثنية او الدينية لتشكل حالة دفع تطالب بواسطتها بحقوقها. لذا فحالة الربيع العربي ليست حالة جامدة ضمن محيطها الضيق بل هي حالة اعادة تموضع عالمي سيحصل بشكل هائل في كل من آسيا وافريقيا، وبداياته تشكلت في المنطقة نظرا لارتفاع منسوب الوعي السياسي لوجود العدو الصهيوني في فلسطين، وقد ساعد في تشكلها انفراط القبضة الحديدية الامريكية. إن ما يشهده العالم الان هو ثورة على الواقع غير الطبيعي الذي تركته الدول الاستعمارية.
وأحسب ان هذه الثورات لن تهدأ إلا بعد عودتها الى الالتئام في مواضعها الاصيلة، لتتكون عندها حقبة تاريخية جديدة.
عبد الغني محمد المصري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية