1-
فتحت باب الغابة. ليس للغابة باب، لكنني تخيلتُه. باب افتراضي. فتحته ودلفتُ. استقبلتني هناك أشجارٌ كثيرةٌ وماء. ثمة حيوانات تشتهي بشراً يداعبونها. توقفت عند أول غصن أسأله عن الطقس. متلهفاً كان الغصنُ بأوراقه باهية الخضرة، مبتهجة بالبشر الذين تمثلتهم، بكى قليلاً وقال لي: الطقس هنا عكس طقسكم خارج الغابة، السلام هنا مكانه الأثير. دع سلاحك عند الباب وادخل. ليست الحرب، وليس ثمة ما يستدعي القتال. كلٌ يحصل على ما يحتاج. العمل هو الأمل.
2-
الجميع في الغابة يعمل، أو هو برسم العمل. تنال حقك المستحق بلا مطالبة أو سؤال. فالسؤال في الغابةً مذلة غير مستحبة. هذا هو بيتك الذي يجيرك ويحمي ما تحب. لك الغابة بكل ما فيها، وأنت حرٌ في ترك ما تحب أو أخذه.
3-
بين الشجرة واختها مسافة أصغر من الوحشة، فالأشجار هنا شقيقات يتبادلن الحب والحراسة، وإذا سنجابٌ طلب القفز سوف يجد في الأغصان أذرعاً حنونة تشيله وتنقله وترأف به، فالسناجب خبيرة في البناء. تبني الجسور المتينة بين الشجرة والأخرى، وتجد في الأغصان عوناً على صوغ الأراجيح. الحبال من تجاعيد الحيوانات، لكن مقاعد الأراجيح من خشب الشجر. ستكون الغابة برمتها ذريعة للعطاء.
4-
اطرق الباب وادخل، والباقي تتكفل به الغابة.. كن في الداخل عندما تأخذك الأشجار للكوخ المخبوء في تلافيف الأكمات. كوخٌ هو الدفء النادر في شتاء الغابة، حيث فاكهة الشتاء تستعر. لك الباب، وأنت البيت والمكان. والطقس ترنيمة المسافر والمقيم، الغابة ليست مكان السفر، لكنها للإقامة. خذ المكان فدفئه لك، وطقسه يغني من أجل أن تأمن النوم المشحون بالأحلام. فقط، أطرق الباب وادخل، تجد المكان لك، والبيت في انتظارك.
5-
شمس صغيرة في سريرك.. سرير الغابة ليس للنوم، فالأحلام لا تدعك تنام. السرير الصغير لا يسع الليل، ولا تأخذه سِنة من النوم. شمس تضيء البيت والشرفة والمكان. فشمس الغابة صديقة الكائنات. ما عليك سوى أن تطرق الباب وتدخل. لن تنتظر جواباً، تسأل بلا مذلة وتدخل، أنت السؤال والجواب معاً، فلا تتأخر عن ذلك.
6-
الباب لك، والغابة أيضاً. لا تتأخر عن الدخول فلا يصدكَ بابٌ ولا حجاب. اطرق وادخل، ترى وتسمع الغابة في انتظارها، كأنها بشرٌ في الانتظار.
شخصٌ من البشر،
يعلّم الصور،
طبيعة الغناء والنظر.
لديك مما يصنع الهواء،
من خضرة الشجر،
ذبالة الكؤوس والنبيذ،
ولذة القضاء والقدر.
7-
الباب مفتوحٌ على الهواء
الباب والطريق والتراب
والملتقى سواء
الباب، للغابة، مثل الماء
الباب والهواء
8-
تخيلتُ باباً للغابة
دخلتُه
فادخرَ لي البابُ هديةً
من خشب الطريق
يقاوم الحريق
صوتٌ وشبّابة.
9-
فالغابة تراودني ثلاث مرات في طبيعتها، أولاً بوصفها الفيزيائي، حيث الشجر والغصون والأوراق. وقدرتي على الإمساك بجسدها. وثانياً في مخيلتي، حيث التلاشي التام في صورة الغابة وهي قيد التحول من مادتها الروحية إلى حالها المادي بعد الانتقال من الفيزياء إلى الكيان السائل الهش قيد الصياغة. والثالثة في هذا النص الذي أكتبه بطاقة الرؤية والمعرفة، ليتحول، ثالثاً، إلى حال الكتابة. الكتابة عندما يصير النص في حروف وكلمات، حيث اللغة.
10-
مزاعمُ الغابة
تلك هي الألوانُ العابثة
خفيفةُ الحركة
صادقةُ المَكر
تَسْبَقُ الخريفَ،
تزيِّن الفضاءَ له
بالسجَّاد المزخرفِ
فيفقد الشجرُ موهبة الاتزان
وتبدأ الأوراقُ التقمُّص
في العبث والمباح.
وفي الصباح
كَدسةُ أوراقٍ تصدّ الباب
وتطلقُ ضوءاً ناحلاً من النافذة
وتبدأ الغابةُ في المزاعم.