لندن – “القدس العربي”:
قال المعلق في صحيفة “الغارديان” ألكسندر هيرست في مقال له إن الولايات المتحدة تقوم بالمساعدة على القتل الجماعي في غزة، مشيرا إلى أن أوروبا يمكنها المساعدة. وقال إن أوروبا محاطة بعمليتي ذبح شنيعتين، حيث لا تبعد غزة سوى 578 كيلو مترا عن قبرص، ويشن الحربين متطرفون مجانين يحلمون بالمجد الإمبريالي والنوايا الاستعمارية، حيث أصبحت الحرب بالنسبة لهم مرتبطة بشكل لا ينفصم عن التمسك بالسلطة.
وإحدى الحربين تتعلق بشكل مباشر بأمن أوروبا، أما الأخرى فهي تتعلق بمحاولتها للتأثير في العالم. وفي كلا الحربين على أوروبا البدء بالتحرك مثل قوة عظمى وليس فقط بشكل مستقل عن التأثير الأمريكي ولكن كقوة قادرة على لعب ورقتها.
من المثير للدهشة تشابه الصور من غزة وماريوبول التي قتل فيهما الآلاف من المدنيين بسبب القصفين الإسرائيلي والروسي
ومن المثير للدهشة تشابه الصور من غزة وماريوبول التي قتل فيهما الآلاف من المدنيين بسبب القصفين الإسرائيلي والروسي. ولكل من الحربين رعبها الخاص، ففي أوكرانيا هناك جحافل الأطفال المختطفين الذين رحلوا قسرا. وفي غزة، هناك مخاوف المجاعة التي تواجه مليوني شخص تقريبا. وتساءل الكاتب إن كان قادة أوروبا يرون التوازي؟ وهل يرون التحدي المشترك في الحالتين والمدخل الأمريكي القلق من الاستقطاب السياسي؟ وهل هم مستعدون لأي إمكانية لعودة ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر وأن يتحول المدخل القلق من الاستقطاب إلى أمر شرير؟
ففي المرحلة الأولى للحرب في أوكرانيا، كانت الولايات المتحدة تقوم بالشيء الصواب، لكن الدعم يتراجع الآن. ومن هنا قامت أوروبا بالتغلب على معارضة فيكتور أوربان رئيس الوزراء الهنغاري والبحث عن حل طويل الأمد يعوض الغياب الأمريكي. وبشكل متناقض ظاهريا، فعندما يكون الاتحاد الأوروبي أقل اعتمادا على الولايات المتحدة سيكون قادرا على الضغط عليها في أماكن أخرى.
وفي غزة، تواصل الولايات المتحدة المساعدة على أمر شنيع. وكما في أوكرانيا، فالاتحاد الأوروبي قادر على التحرك بطريقته، وبطرق قد تجبر إدارة بايدن على تغيير استراتيجيتها التي فشلت بشكل كامل في حماية حياة المدنيين وهو أمر لا يخدم أي مصلحة انتخابية، فدعاة التفوق الإسرائيلي لم يخفوا نواياهم لرؤية عودة دونالد ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر لكي يمنحهم اليد الحرة لعمل ما يريدون.
وعندما يتعلق الأمر بروسيا، يتركز الضغط الدولي والنشاط على الحرب في أوكرانيا، والذي ليس لروسيا أي مبرر للدفاع على النفس خلافا لإسرائيل. وقارن الكاتب بين النظامين السياسيين الروسي والإسرائيلي، مع أن حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة شوهت ما يراه الكاتب الديمقراطية الإسرائيلية.
ويقول الكاتب إن حماس فضلت معاناة الفلسطينيين على التخلي عن “الرهائن” لديها، لكن إسرائيل قامت بخياراتها، حيث طلبت من سكان غزة الفرار من مناطقهم لكي تقوم بضرب المناطق التي طلبت منهم الذهاب إليها. وقامت بغارات جوية أقوى من تلك التي شنتها الولايات المتحدة والمتحالفة معها ضد الرقة عندما كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة. ورغم تظاهر نتنياهو بأنه يريد وقف إطلاق النار، إلا أنه عبر عن رغبة بمواصلة الحرب والقيام بحملة في رفح التي هرب إليها أكثر من مليون شخص، وأعرب عن نية مواصلة احتلال القطاع بشكل يتناقض مع السلام الدائم والعدالة. ويجب على الاتحاد الأوروبي أن يستخدم كل ما لديه من نفوذ ومنعه ووقف الحرب.
وتساءل الكاتب عما يمكن عمله، وما هو النفوذ الذي يملكه الاتحاد الأوروبي ولا تملكه الولايات المتحدة؟ وهو نفوذ محدود، لكن يمكن للاتحاد الأوروبي، زيادة الضغط وبخاصة بعد مجزرة الطحين التي قتل فيها أكثر من 116 شخصا، كانوا ينتظرون قافلة إغاثة إنسانية، وكلما تماسك الموقف الأوروبي، دفع بايدن لشجب نتنياهو علنا أو القيام بعمليات إسقاط الإغاثة جوا. ولدى الاتحاد الأوروبي ورقة ضغط وهي التجارة، ذلك أن إسرائيل هي أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي. وتمثل التجارة مع أوروبا نسبة 30% من التجارة الدولية.
طلبت أيرلندا وإسبانيا في الشهر الماضي من المفوضية الأوروبية مراجعة أو تعليق اتفاق التجارة بين الاتحاد وإسرائيل، ذلك أن الأخيرة خرقت العقد بسبب انتهاكات حقوق الإنسان
وطلبت أيرلندا وإسبانيا في الشهر الماضي من المفوضية الأوروبية مراجعة أو تعليق اتفاق التجارة بين الاتحاد وإسرائيل، ذلك أن الأخيرة خرقت العقد بسبب انتهاكات حقوق الإنسان. وفي تشرين الثاني/نوفمبر أكد الاتحاد الأوروبي أهمية خط أنابيب البحر المتوسط والذي سيزود القارة بالغاز الطبيعي من الحقل المشترك بين قبرص وإسرائيل، حيث اعتبر مشروع بنية تحتية يحظى بأهمية قصوى. ويجب علينا نسيان الأولوية وإلغاء العقد. ويمكن للاتحاد الأوروبي فرض عقوبات وحظر للسفر على مستوطني الضفة الغربية كما فعلت الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل.
ويجب أن يذهب الاتحاد الأوروبي أبعد من هذا ويعكس قرار محكمة العدل الدولية القاضي بضرورة اتخاذ إسرائيل الإجراءات الضرورية لمنع الإبادة والتطهير العرقي أو التحريض عليهما. وكذا فرض عقوبات على متطرفين مثل إيتمار بن غفير وبيتسلئيل سمورتيش ونتنياهو نفسه. وأخيرا يمكن للاتحاد الأوروبي الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود 1967 وبتبادل الأراضي، حيث توجد الكثير من المقترحات حول كيفية التبادل. وكان الاتحاد الأوروبي قد اعترف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني منذ عام 1980 وحان الوقت للتأكيد على هذا المبدأ.
وبالطبع، لا يمكن لأوروبا حرف المسار بنفسها. لكن التحذير من التداعيات والتهديد بتحركات سيكون محرجا لبايدن، وبخاصة في ظل الوضع الواهن الذي يجد نفسه فيه خلال الموسم الانتخابي، وسيجد نفسه في موقف أصعب لو أظهر حلفاؤه في أوروبا أنهم قادرون على التحرك في وقت لا يفعل هو فيه أي شيء. وفي الحقيقة لو مارس الأوروبيون الضغط على بايدن في أحاديثهم الخاصة، فربما كان كافيا لكي يندفع البيت الأبيض لاستخدام ما لديه من أوراق نفوذ ويضغط على نتنياهو. وكما تعلم الاتحاد الأوروبي في العقد الثاني عبر الأزمات، فربما كانت اللحظة الحالية وسيلة له لكي ينضج ويتحرك بطريقته.