لندن ــ “القدس العربي”:
علقت صحيفة “الغارديان” في افتتاحيتها على حفل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد جوزيف بايدن قائلة “سادت الديمقراطية.. على الأقل الآن”. وقالت إن نقل السلطة من رجل خطير إلى رجل آخر راغب بشفاء بلاده يعطي حسا بالراحة، لكن الديمقراطية الأمريكية تظل في خطر.
وأشارت إلى أن حفلة التنصيب كانت لحظة ارتياح عظيمة في كل العالم وليس احتفالا جامحا. فقد شهدت واشنطن نقلا منظما للسلطة في مبنى الكابيتول الذي شهد قبل أسابيع هجوما عليه. وعلم رحيل رجل عاش على الانقسام تنصيب جوزيف بايدن الذي تعهد بالوحدة، مع نائبته كامالا هاريس أول امرأة أمريكية وملونة تحتل المنصب، بعد العنصرية وكراهية النساء التي عبر عنها ترامب.
ولكن حفلة التنصيب لم يشهدها جمهور صاخب يحيي الرئيس الجديد ووقف 25.000 من عناصر الحرس الوطني لمراقبة عملية السلطة ووسط مخاطر وباء فيروس كورونا الذي زاد عدد ضحاياه هذا الشهر والعنف السياسي الذي تمظهر من خلال التمرد الذي قاده أنصار ترامب على مبنى الكونغرس، كل هذا لا يعني أن المشاكل قد انحسرت بدخول الرئيس رقم 46 إلى البيت الأبيض. فهي جزء من جسم السياسة الأمريكية وكذا القوى التي خرجت من رحمها. ورغم تعرض ترامب لهزيمة ساحقة إلا أن أكثر من 70 مليون صوتوا له، وهناك نسبة كبيرة من أنصاره تؤمن بأن بايدن سرق المنصب. وهناك واحد من كل خمسة ناخبين دعموا اقتحام مبنى الكابيتول. وتمسك ترامب حتى النهاية بالتفاهات وانسل خلسة إلى فلوريدا بدلا من مواجهة الهزيمة. وسواء استطاع الرئيس الذي حوكم مرتين الحفاظ على الزخم السياسي إلا أن الفكرة الشعبوية أو الترامبية لا تزال حية. وهناك كثرة من المرشحين لحملة رايتها أو الذين يأملون بحمل الراية وقد يكونوا أذكى من الرئيس السابق وأخطر. ولهذا فلم يكن المزاج الكئيب في حفلة التنصيب حتميا بل وكان مناسبا. فالمخاطر التي تحيط بالجمهورية لم تكن عظيمة كاليوم.
وارتفع خطاب بايدن فوق الحظة واعترف بالكفاح المستمر لدولته “سادت الديمقراطية وانتصرت ملائكتنا الجميلة”. ووعد الرئيس الجديد الإعلان عن سلسلة من التحركات ولا يتوقع شهر عسل طويل. فهو يواجه أزمة فيروس كورونا قتل 400.000 أمريكي، ربعهم مات الشهر الماضي، بالإضافة لمواجهة الاقتصاد الذي سيدخل العام الحالي بدون عشرة ملايين عامل فقدوا وظائفهم. ويخطط لرزمة تحفيز. وأصدر عددا من القرارات التنفيذية في مساء اليوم الأول لتنصيبه، منها إلغاء قرار حظر سفر المسلمين من دول إسلامية إلى أمريكا وقرار يعيد عضوية أمريكا في منظمة الصحة العالمية والعودة لاتفاقية باريس للمناخ. وهي قرارات قد تصلح بعضا من أعمال ترامب الفظيعة. لكن محو أفعال أربعة أعوام مستحيل، لان القليل من الأعمال يمكن محوه بجرة قلم. وأي سياسة طموحة يجب أن تمر عبر مجلس الشيوخ المتساوي العدد 50/50 بصوت مرجح هو صوت نائبة الرئيس. وتواجه إدارة بايدن مهمة صعبة للتعامل مع المؤسسات الفدرالية التي ألغى فيها ترامب التنظيمات والمحاكم التي ملأها بأنصاره من المحافظين.
وفوق كل هذا مزق ترامب النسيج الاجتماعي والسياسي عبر الأكاذيب الوقحة والوحشية العارية والكراهية. وكان ترامب نتاجا لفشل بلاده ولكنه عراه وفاقمه. وفي الوقت الذي تتنفس فيه أوروبا وحلفاء أمريكا الصعداء إلا إن مكانة أمريكا لن تستعاد طالما لم تحل المشاكل والأزمات الداخلية فيها.
وكل ما يمكن لبايدن عمله هو البدء بمعالجتها. وذكر الحاضرين في حفلة تنصيبه أن السياسة يجب ألا تكون “نارا مستعرة تحرق كل شيء في طريقها” في دعوة للصدق والأدب الذي يجب ألا يستمع إليهما في أمريكا بل وعبر الأطلنطي.
لكن دعوة بايدن لم تلق آذنا صاغية من البعض الذي يحاول صب الزيت على النار. ففي الوقت الذي اكتشف بعض الجمهوريين ولو متأخرين طرقا للتعبير عن الاحترام لا يزال هناك من يغذي الأكاذيب. خاصة أن الحقائق أصبحت خيارا في زمن التضليل. وكان تغيير الرئيس صعبا كما بدا ولكنه المهمة الأسهل في ظل التحديات لبناء أمة جريحة. ولكن المهمة اقتضت إزاحة رجل خطير ودخول رجل يؤمن بالقسم الذي أقسمه لتولي المنصب. وتنصيب الرئيس يجلب معه أملا وإن كان مؤقتا في وقت تحتاج إليه الولايات المتحدة بشدة لهذا الأمل.