الغارديان: متى يدرك الإسرائيليون أن تدمير الفلسطينيين سيترك ثمنا باهظا عليهم؟

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”:

نشرت صحيفة “الغارديان” مقال رأي للمحامي والكاتب الفلسطيني رجا شحادة، ومؤسس منظمة “الحق” الفلسطينية، تساءل فيه عن الحرب التي تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين منذ عام، ومتى ستكتشف إسرائيل أن “ثمن تدميرنا هو باهظ”.

وقال الكاتب: ” في بداية الحرب الإسرائيلية على غزة، عندما بدأ القصف المكثف للمدنيين، كانت الفكرة التي تدور في ذهني: كيف سنعيش نحن الفلسطينيون مع الإسرائيليين بعد هذا؟ وبعد اثني عشر شهرا ومع استمرار عمليات القتل وتدمير غزة بلا هوادة، ومع قيام إسرائيل بتوسيع الصراع إلى الضفة الغربية، حيث قُتل أكثر من 700 فلسطيني، ومع تصعيد هجماتها في لبنان وإيران، أصبح السؤال أكثر إلحاحا”.

وأشار إلى أن الكثير من المذابح ارتكبت على مدى 12 شهرا، حيث قتل الفلسطينيون 1,200 إسرائيلي، وتبعه قتل الإسرائيليين أكثر من 41,000 فلسطيني، من بينهم أكثر من 17,000 امرأة وطفل، و287 عامل إغاثة، و138 صحاافيا وعاملا في الإعلام، وهذه الأرقام لا تشمل من هم تحت الأنقاض في ثلثي مباني غزة التي دمرتها إسرائيل، وهذا تفصيل واحد عن حرب الـ12 شهرا. ففي 25 أيلول/ سبتمبر أعادت إسرائيل شاحنة تحتوي على 88 جثة مجهولة الهوية إلى غزة.

ويقول شحادة إن إسرائيل كانت مخطئة في تفكيرها بأنها قادرة على إخفاء هذه الجرائم عن العالم من خلال الحد من دخول الصحافيين وتغطيتهم للحرب في غزة. ولم تسمح إسرائيل للصحافيين أو التقارير المستقلة من غزة،  الأمر الذي جعل من السهل التشكيك في الروايات الفلسطينية للأحداث وأعداد القتلى ومدى الأضرار التي لحقت بهم.

وللتشكيك أكثر بهذه الأرقام، فإن الأرقام الهائلة عن الأرواح التي أُزهقت عادة ما تكون مصحوبا بتحذير: كما تزعم وزارة الصحة التي تديرها حماس.

كل هذا جعل الجيش الإسرائيلي أكثر تهورا ووحشية، حيث قتل أعدادا كبيرة من الفلسطينيين في غارة جوية واحدة. فيما جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قتل أو القبض على يحيى السنوار، زعيم حماس، هدفا رئيسيا للحرب التي لم يوفر فيها أي ثمن.

وبدلا من استخدام القنابل الدقيقة عند توفر معلومات استخباراتية عن مكان وجود السنوار، استخدم الجيش الإسرائيلي قنابل تزن 2,000 رطل (900 كغم)، مما أسفر عن مقتل وإصابة مئات الفلسطينيين الأبرياء. وقد تكرر هذا الأمر عدة مرات على مدار العام الماضي، واستمر حتى بعد أن توقفت الولايات المتحدة عن إمداد إسرائيل بهذا النوع من القنابل بسبب استخدامها في المناطق المدنية.

ويقول الكاتب إن الفلسطينيين في غزة ومعظمهم لاجئون من المدن والبلدات التي أصبحت إسرائيل عام 1948، هجروا أثناء هذه الحرب أكثر من مرة. وقد عاملت إسرائيل السكان مثل “المنقولات” التي يمكن الاستغناء عنها، ويمكن نقلها إلى أي مكان تريده. وقد نزح بعد هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، كل سكان غزة تقريبا والبالغ عددهم 2.3 مليون نسمة.

ويعلق شحادة قائلا: “أعترف، أنني في بداية الحرب، لم أتعامل بجدية مع التصريحات الأولية لقادة إسرائيل المتطرفين، مثل وعدهم بتحويل غزة إلى صحراء لا يمكن العيش فيها ووصفهم الفلسطينيين بعبارات تجعلهم بشرا أقل. ولم أصدق أن الإسرائيليين حطوا من قدر الفلسطينيين إلى هذا المستوى، وجعلهم قادرين على ممارسة هذه السياسة دون ردة فعل داخل إسرائيل وخارجها. وكما كشفت الأحداث، فقد كانوا يقصدون ما قالوا تماما، وتركوا قطاع غزة الآن مكانا غير قابل للعيش، وقد تحققت التحذيرات الخطيرة”.

ويضيف أن ما فشل بمعرفته أنه بمجرد قدرتهم على الإفلات من مجازر غزة، انتهز القادة المتطرفون في إسرائيل الفرصة لارتكاب نفس المجازر في الضفة الغربية والآن في لبنان. وبدأوا بتدمير البنى التحتية في المخيمات والبلدات بالضفة، واستخدموا المسيّرات لقتل الفلسطينيين من الجو، تماما كما يفعلون في غزة.

ويرى الكاتب أن تطورا مهما حدث خلال العام الحالي، وهو نهاية إفلات إسرائيل من العقاب، حيث قدمت جنوب أفريقيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية في هيغ. وشعر الكاتب بالفرح من بيان منظمة بيتسليم لحقوق الإنسان الإسرائيلية: “ولى زمن الإفلات من العقاب لصناع القرار في إسرائيل”.

إلا أن التفاؤل ثبت أنه كاذب، فلم تردع القضية في محكمة العدل قادة إسرائيل حتى الآن. و”كان عليّ العلم بشكل أفضل، بعد خيبات الأمل التي أصابتني بعد عقود من خوض معارك عبثية من أجل حقوق الإنسان ضد الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية فيما يتعلق ببناء المستوطنات غير القانونية”.

ويقول إن أحداث 7 تشرين الاول/ أكتوبر أصبحت بالنسبة للإسرائيليين شبيها بما أطلق عليه عالم النفس التركي- القبرصي واكيم فولكان  “الصدمة المختارة”، وعرّفها بأنها الصدمة التي تربط شعور المجتمع بذاته وقدرته حتى على إغلاق نفسه عن إمكانية الشفاء وإحلال السلام.

إلا أن 7 أكتوبر ليست الصدمة المختارة والوحيدة في تاريخ إسرائيل المتقلب، فعادة ما تقول الدولة العبرية إن العلاقات بين الإسرائيليين والفلسطينيين حافلة بالصدمات التي لا يمكن نسيانها، ويتم استخدامها لـ”شرعنة قتل الفلسطينيين كوسيلة فعالة للحفاظ على دولة يهودية آمنة وتحضير الشبان اليهود ليكونوا جنودا صالحين ومواصلة ممارسات الاحتلال”، حسب قول البروفسورة الإسرائيلية نوريت بيليد- الحنان، التي ناقشت عام 2010 بدراسة “شرعنة المجازر بمقررات التاريخ في المدارس الإسرائيلية”.

ولا يوجد هناك إلا احتمال صغير لأن يصحو سكان إسرائيل ويعترفوا بالضرر الذي حل بالفلسطينيين بالأمس واليوم. وفي أيار/ مايو، توصل استطلاع أجراه مركز أبحاث “بيو” أن نسبة 39% من الإسرائيليين وافقت على الحرب ضد حماس في غزة، فيما قالت نسبة 34% إنها أفرطت بالرد نوعا ما، وقالت نسبة 19% فقط من المشاركين إن الرد كان مفرطا جدا. ولهذا، فمنظور عودة الرأي العام في إسرائيل لعقله بعيدة جدا. كما لا يوجد هناك أي أمل في أن يتراجع تدفق الدعم الأمريكي غير المشروط لإسرائيل، أو أن تبدأ الحكومة الأمريكية بإدراك أن الدعم غير المشروط لإسرائيل يؤدي إلى هزيمة الذات ويضر بإسرائيل فضلا عن أنه مكلف للغاية.

ورغم كل ما قيل أعلاه، يظل الفلسطينيون هم جوهر المسألة، فبعد حرب عام 1967، قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه دايان: “لقد أصبحنا إمبراطورية الآن”. وبعد 75 عاما، لا تزال إسرائيل غير قادرة على تحقيق السلام، لأنها رفضت مرارا وتكرارا الاعتراف بحق تقرير المصير للفلسطينيين.

والواقع أن نجاح إسرائيل المزعوم في قصقصة أجنحة حزب الله قد جعلها تشعر بالنشوة بالفعل، الأمر الذي زاد من اعتقادها بأنها قادرة على المضي قدما في تدمير الفلسطينيين بغزة، وأنها ستتمتع بحرية التصرف في الاستيلاء على فلسطين بأكملها لإقامة إسرائيل الكبرى.

إلا أنها وبعد قتالها على عدة جبهات، أصبح اقتصادها يعاني، ولا يزال اعتمادها على الدعم من الولايات المتحدة، التي أذلتها أكثر من مرة قائما. وسيتضح قريبا إن كانت إسرائيل ستواصل خوض الحرب تلو الأخرى. وستظل دولة تحت الحصار إلى الأبد إذا استمرت على هذا المسار. وفقط عندما تدرك إسرائيل أن تكلفة تدمير الفلسطينيين باهظة جدا، هناك إمكانية لأن يعيش الشعبان في سلام على نفس الأرض.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية