لندن ـ “القدس العربي”:
نشرت صحيفة “الغارديان” افتتاحية حذرت فيها من عبثية المواجهة بين إسرائيل وإيران. وقالت فيها: “عندما قال الرئيس جو بايدن الأسبوع الماضي أن الإدارة “تناقش” خطة إسرائيلية لضرب المنشآت النفطية الإيرانية ردا على الهجوم الباليستي، فقد ترك العالم مذهولا. والسبب الواضح هو أن بايدن لم يرفض هذه الخطط، بنفس الطريقة التي رفض فيها قبل يوم الهجمات المحتملة على المنشآت النووية الإيرانية. وقد قفزت أسعار النفط بنسبة 10%، حتى بعد تراجع الرئيس الأمريكي عن تصريحاته بعد يوم”.
وكتب المؤرخ إي جي بي تيلور أن “الحروب هي مثل حوادث الطرق”، حيث تترك تداعيات عميقة، ولكن لا يوجد لها بالمثل أسباب عميقة.
وقالت الصحيفة إن قصف إسرائيل لمجمعات التكرير في إيران قد تؤدي إلى ترحيب محلي. كما أن قصف جزيرة خرج التي تعتبر قلب عمليات تصدير النفط الإيرانية سيؤدي إلى زيادة أسعار النفط العالمي مما سيترك تأثيراته على المستهلك الأمريكي وقبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية المهمة.
قصف قلب عمليات تصدير النفط الإيرانية سيؤدي إلى زيادة أسعار النفط العالمي مما سيترك تأثيراته على المستهلك الأمريكي وقبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية
وقد فشلت العقوبات الأمريكية لوقف عمليات التصدير الإيراني للنفط، لأن الصين كانت مستعدة لتحدي واشنطن. ولأن الصين تشتري نسبة 90% من النفط الإيراني، فضربة إسرائيلية ضد المنشآت النفطية ستترك أثرا غير معلوم. والخطر الحقيقي نابع من إمكانية جذبها للنزاع وإعادة تشكيل الشرق الأوسط لسنوات قادمة.
وتقول الصحيفة إن نتائج هذا النزاع من الصعب التكهن بها، ولكن عواقف الغزو الأمريكي للعراق، هي بمثابة تذكير بأن الأعمال المزعزعة للاستقرار غالبا ما تدعو القوى الخارجية إلى التدخل في الشرق الأوسط.
وذكرت “الغارديان” أنه في الأسبوع الماضي، نفذت روسيا غارات جوية في سوريا ضد ما قالت إنها جماعات مسلحة في منطقة خاضعة لسيطرة الولايات المتحدة. وكان احتمال وقوع تصادم بين القوات العسكرية الروسية والقوات الأمريكية في سوريا مصدر قلق دائم مع انحياز المتنافسين إلى جانبين متعارضين في الحرب الأهلية في البلاد. ولم يؤد الغزو الروسي لأوكرانيا إلا إلى زيادة حدة العداء المتبادل.
ووفق الصحيفة يعتمد أثر الهجوم الإسرائيلي على الرد الإيراني وكيف سترد الدول المنتجة للنفط على صدمة النفط المحتملة. ويمكن للصين أن تعوض خسارتها لـ 1.5 مليون برميل من النفط الإيراني من السعودية التي تمتلك قدرات إضافية لإنتاج النفط. ومع ذلك، فإن الرياض، التي أستأنفت قبل فترة علاقاتها مع طهران، حذرة بشأن الانجرار إلى صراع بين إسرائيل وإيران. وقد سعت المملكة إلى تحسين العلاقات مع طهران بعد أن أدت حربها المكلفة مع الحوثيين إلى هجوم مدمر بمسيرات إيرانية على منشآتها النفطية.
وأدى الهجوم، الذي تجاوز دفاعات صواريخ باتريوت الأمريكية، إلى خفض إنتاج النفط في الرياض مؤقتا إلى النصف. وتحذر الصحيفة من أن حربا شاملة بين إيران وإسرائيل قد يؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز، وهو أهم نقطة عبور للنفط في العالم، والذي يمر عبره ربع النفط الخام الذي تنقله ناقلات النفط.
وسوف يكون هذا بمثابة ضربة قوية للاقتصاد العالمي. وإذا ما حشرت إيران في الزاوية وتقلصت قدرتها التصديرية إلى أنقاض مشتعلة، فقد تغلق المضيق في عمل يائس.
وبحسب الصحيفة يقال إن السعودية والإمارات العربية المتحدة رفضتا فتح مجالهما الجوي أمام الطائرات الإسرائيلية والأمريكية التي شاركت في قصف إيران في نيسان/أبريل الماضي. ولا شك أن كلا منهما سوف يرى أن من الحكمة فعل ذلك مرة أخرى. فالحرب ليست وسيلة مقبولة أو محتملة لحل النزاعات الدولية. ومن الأفضل إسكات البنادق في مناطق النزاع بالمنطقة واللجوء إلى الدبلوماسية. وإذا تبنى الزعماء هذا الرأي بشكل جماعي، فإن الشرق الأوسط ــ والعالم ــ سوف يصبح بلا أدنى شك مكاناً أكثر أمنا واستقرارا.
وفي سياق مماثل، تساءل باتريك وينتور، المحرر الدبلوماسي في “الغارديان” عن الدور السعودي- الإيراني لمنع تحول لبنان إلى غزة ثانية. وأشار للقاء وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي مع نظيره السعودي، حيث جاء عراقجي إلى بيروت ودمشق ولم يكشف عن أوراقه، لكن دوره مهم لقرار حزب الله والحاجة للتراجع من أجل تنظيم نفسه ومنع تحول لبنان إلى غزة ثانية.
وحتى هذا الوقت نفى الحزب المتحدي أنه يئن تحت وطأة الإغتيالات لقياداته.
مع أنه عبر عن استعداده للإستماع إلى مناقشات وقف إطلاق النار يقودها حلفاؤه السياسيون في لبنان، ولكنه لم يعلن عن استعداد لوقف إطلاق النار طالما لم يتم وقفه في غزة.
وكان لبنان في الماضي مصدر توتر بين طهران والرياض، حيث كانت السعودية تريد تقييدا لتأثير حزب الله والإيرانيين. ويواجه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود تحديا كبيرا، فمن جهة يريد المضي بتحسين العلاقات مع إيران، على المدى البعيد كما ويريد من الولايات المتحدة أن تبذل المزيد من الجهود للاعتراف بالمخاطر المزدوجة المتمثلة في التصعيد الإسرائيلي، في لبنان، والهجوم الكبير على إيران. ومن جهة ثانية تعتقد الرياض أن حزب الله كان عقبة أمام تشكيل دولة فاعلة في لبنان. ويشعر الوزير السعودي أيضا بالإحباط الشديد من الرفض الإسرائيلي لدعم إنشاء دولة فلسطينية، حيث أشار دبلوماسيون سعوديون إلى تصريحات رئيس الدائرة السياسية في حركة حماس، باسم نعيم التي قال فيها: “لو كانت هناك فرصة لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة فسنتعاون ونكون جزءا من هذا”، وتعيد التصريحات إشارات ظهرت من حماس بأنها قد تقبل حل الدولتين.
وقال وينتور إن معظم المباحثات السعودية- الإيرانية سيركز على كيفية الرد على الغزو الإسرائيلي للبنان وإن كانت إيران تريد إحياء المسار الدبلوماسي للتخفيف عن حزب الله أو تعتقد أنه قادر على التعافي عسكريا.
وقد لعبت السعودية دورا فعالا في دعم الدعوة لوقف إطلاق النار لمدة 21 يوما، والتي تم الكشف عنها في الأمم المتحدة في 25 أيلول/سبتمبر، بدعم من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. وقد تم تحديد المدة بثلاثة أسابيع لإفساح المجال أمام اللبنانيين لانتخاب رئيس جديد وربما لحزب الله للموافقة على فصل أزمة لبنان عن غزة.
وتقول الصحيفة إن الساسة اللبنانيين المعارضين لحزب الله وجدوا أنفسهم وسط الرغبة في وقف إسرائيل قصفها للبنان والموافقة على وقف إطلاق النار من جهة والغضب المتزايد على حزب الله الذي لا يريد مواجهة الواقع وتقديم التنازلات السياسية المطلوبة بما فيها انتخاب الرئيس، من جهة أخرى.
حرب شاملة بين إيران وإسرائيل قد تؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز، وهو أهم نقطة عبور للنفط في العالم، والذي يمر عبره ربع النفط الخام الذي تنقله ناقلات النفط.
ويعيش لبنان بأزمة سياسية منذ انتخابات 2022 والتي قادت إلى تشكيلة لبنانية منحت حزب الله وحلفاؤه حق الفيتو على انتخاب الرئيس. وحتى يتم اختياره يجب موافقة الثلثين من أعضائه أو 86 نائيا لانتخاب رئيس لولاية مدتها ست سنوات. ولم تسفر جولات التصويت المتعاقبة في عامي 2022 و 2023 عن أي اتفاق. وتدفع الولايات المتحدة الآن باتجاه انتخاب جوزيف عون، القائد العام الحالي للجيش اللبناني. وسيكون انتخاب عون المرحلة الأولى لتقوية الجيش اللبناني وتقليل دور حزب الله العسكري ونزع سلاح الحركة حسب قرارات صدرت في الأمم المتحدة عام 2004 و 2006. وعبرت كل من بريطانيا والولايات المتحدة على تقديم الدعم المالي من أجل تقوية الجيش وإضعاف حزب الله وتخفيض التأثير الإيراني . وقد مولت بريطانيا في السابق أبراج مراقبة على الحدود السورية والتي قد تؤدي إلى إبطاء تدفق الأسلحة إلى حزب الله.
وقد تعرضت خطة وقف إطلاق النار لضربة قوية بعد 48 ساعة من إطلاقها في نيويورك عندما رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شروطها ثم قام، دون استشارة الولايات المتحدة، باغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله في بيروت.
وبحسب الكاتب يبدو أن الولايات المتحدة قد دفنت خطة وقف إطلاق النار. وذكر أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكي هجمات إسرائيل قائلا: ” لا شيء رأيناه حتى الآن يقودنا إلى الاستنتاج بأنهم يفعلون أي شيء آخر غير استهداف منظمة إرهابية، حزب الله، الذي شن ضربات واستمر في شن الضربات ضد إسرائيل، بما في ذلك في الأيام القليلة الماضية”. وأضاف المتحدث: “إننا نريد في نهاية المطاف التوصل لوقف إطلاق النار وحل دبلوماسي، لكننا نعتقد أنه من المناسب أن تقوم إسرائيل في هذه المرحلة بمحاكمة الإرهابيين ومحاولة دفع حزب الله بعيدا عن الحدود”. ووصف تصرفات إسرائيل بأنها توغل محدود.