سألني أحد الصحافيين إذا ما كان تسليم الرهائن في غزة سيعني انتهاء الحرب؟ فأجبته بالنفي. عاد ليسألني ما إذا كان القضاء على حماس سيعني انتهاء الحرب؟ فأجبته مرة أخرى بالنفي، ليعود وخلال دقائق ليسألني من جديد، ما إذا كان احتلال جنوب قطاع غزة سيعني نهاية الحرب؟ فكان الرد كما سابقيه، بالنفي، فصاح مستفزاً متسائلاً: إذن ما الذي تريده إسرائيل؟
ببساطة ودونما «فذلكات» فإن إسرائيل لن تهدأ إلا مع تحقيق 3 أهدف أساسية: أولها تهجير الفلسطينيين من كامل قطاع غزة، وثانيها إحكام السيطرة العسكرية عليه، وثالثها الإعلان رسمياً عن ضمه لأراضي إسرائيل وقطع ارتباطه العضوي بفلسطين، ومنع تسلم السلطة الفلسطينية لمسؤوليتها هناك، وصولاً إلى تحقيق الهدف الأساس الذي شنت إسرائيل من أجله حرب الإبادة على الكل الفلسطيني. فما هو هذا الهدف؟
رشاوى نتنياهو وأمام إصرار الفلسطيني على رفض الظلم، لن تمر لأنه يعرف تماماً دقائق الأمور ومحاذيرها، وعليه تقف مصر والسعودية والأردن والإمارات اليوم في المسار الصحيح للتاريخ
الغاز.. الغاز.. الغاز والنفاذ الكامل والآمن للبحر الأبيض المتوسط في إطار مبادرة الممر الاقتصادي الجديد، الممتد من الهند إلى حيفا، الذي أعلن عن إطلاقه الرئيس الأمريكي في أيلول/سبتمبر الماضي وأعاد تذكيرنا به في مقاله المنشور في صحيفة «واشنطن بوست» قبل أيام . الممر الذي من المؤكد أن ولادته تستوجب وأد الوطن الفلسطيني وسرقة غازه، سيأتي وحسب مصادر صهيونية في مقابل رشوة كبيرة تقدم للسعودية والإمارات والأردن ومصر، عبر تعظيم الحديث المزعوم عن المنافع والمحاسن، وما يرتبط بذلك من عائدات مادية ضخمة، وازدهار اقتصادي غير مسبوق، في مقابل بيع فلسطين لمواجهة طريق الحرير الذي تعمل الصين على تنفيذه، والذي سيحقق للتنين سطوة عالمية شاملة، ستطيح باقتصادات أمريكا وحلفائها. إذن حرب المال في مقابل إبادة الفلسطيني وقتل أحلامه ودولته واستقلاله عبر إيجاد الحجج المتعددة على اختلافها، وصولاً إلى رفض وجود السلطة الفلسطينية في غزة بكونها والكلام لنتنياهو، لا تختلف عن حماس، بل إنها أخطر من حماس! والقيام باجتياح المدن في الضفة الغربية واستهداف الناشطين، وتجريف البنى التحتية هناك، واستمرار الحرب على حركة فتح بقصف مقارها، واعتقال كوادرها وتعليق صور رئيسها، رئيس السلطة الفلسطينية على يافطات عريضة معتمراً شارة حركة حماس، في دلالة على أن أبو مازن وحسب نتنياهو، متساوٍ ومتساوق مع حماس، وفي مسعى واضح للقول بأن الفلسطينيين سواسية في الموقف والهدف. نتنياهو يرى الفلسطينيين سواسية، لكن العالم المحب ينتظر أن يرى الفلسطينيين أنفسهم سواسية في الجرح والقتل والاستهداف، فيركزون على وقف المحرقة التي تحيق بهم بعيداً عن التنمر السياسي ومعركة تسجيل النقاط، فيحيدون مشاكلهم ويركزون في مسعاهم على درء كارثة الترحيل والاحتلال الجديد لغزة، ونزوات نتنياهو في قتل قرارات الشرعية الدولية، واغتيال السعي المتواصل لمنظمة التحرير الفلسطينية إلى تجسيد ترابط قطاع غزة بالضفة الغربية، بالمصير والهدف.
رشاوى نتنياهو وأمام إصرار الفلسطيني على رفض الظلم، لن تمر لأنه ـ أي نتنياهو ـ يعرف تماماً دقائق الأمور ومحاذيرها، وعليه تقف مصر والسعودية والأردن والإمارات اليوم في المسار الصحيح للتاريخ، وليس المسار المريح، فترفض التهجير وتؤكد على رفض احتلال قطاع غزة وقتل حلم الدولة، في مواقف ستبقى محل تقدير واحترام لمن اعتقد نتنياهو بأن الممر الاقتصادي المنشود، ومعه حزم من المغريات ستجعل تلك الدول تتنازل عن مواقفها. هذا الموقف العربي المشرف يتقاطع مع بقية مواقف الدول العربية الأخرى التي تشكل جدار الصد المنيع في حماية فلسطين وأهلها، مواقف تحتاج حتماً للاستمرار والتماسك والتآزر والصمود في وجه الضغوط الأمريكية والصهيونية المستمرة.
إن قتل الأطفال الأبرياء والنساء وكبار السن وهدم كل مكونات الحياة في فلسطين لن يجلب السلم لإسرائيل والعالم، أما المال وممرات الذهب والحرير فلن تغسل جرم المتواطئين والمتخاذلين الذين باركوا ودعموا وتستروا على محرقة العصر التي ترتكب اليوم في قطاعنا الحبيب. والغاز الذي تطمح إليه إسرائيل التي تقاتل لخنق الحياة في غزة، وأمريكا التي أوفدت مع كتابة هذه الكلمات مستشار الرئيس بايدن لشؤون الطاقة، لبحث سبل استخراج ذلك الغاز، لن يساهم إلا في حرق منظومة القيم البشرية التي سكتت وشرعنت وباركت هذا الظلم.. غاز غزة لن يكفي لحرق العار الذي لحق بمن تقاعس في إعطاء الشعب الفلسطيني حقه، فهل يستفيق العالم، أما يبقى موت الإنسانية، وانتحار حقوق الإنسان، وفناء الأخلاق الآدمية سيد الموقف؟ ننتظر ونرى..
كاتب فلسطيني
[email protected]