الغاية تبرر الوسيلة ‘مبدأ شيطاني لاستبداد الشعوب’

حجم الخط
0

من منا لم يسمع هذه العبارة من قبل؟ إن قائلها هو مكيافيلي الفيلسوف الايطالي، وهو أول من برر قهر الشعوب لبسط نفوذ الحاكم، لذلك قال ان الغاية تبرر الوسيله لتبرير قمع الاضطرابات الشعبية. وكان يؤمن باستخدام كل الوسائل في الصراع السياسي. يعتبر ميكافيلي قدوة كل ديكتاتور وكل زعيم يحكم الشعب بالعصا والمطرقة، وقد رصد مبادئه الشيطانية في كتابه الأشهر الذي عنونه بـ’الأمير’ ليجعله منهجاً متكاملاً لكل من يسعى لبسط نفوذه على أي رقعة، وفي أي مكان من دون النظر لأي اعتبارات أخلاقية. وقد عثر على هذا الكتاب في العديد من مكتبات حكام إنكلترا وفرنسا. ويكفي أن نعرف أن كتاب ‘قواعد حكماء صهيون’ هو في الحقيقة عبارة عن شرح لخطب ميكافيلي.
والان يستخدم هذا المبدأ الكثير منا لتبرير بعض الوسائل غير المشروعه للوصول الى غاية مباحة. فأباح البعض الكذب وعدم الوفاء بالعهد، وقام آخرون بلي أعناق بعض الأحكام الشرعية لخدمة غايتهم. مع أنه طبقا للمبادئ الاسلامية فان الغاية المباحة لا تبرر الوسائل غير المباحة. كما قام آخرون بمحاولة اسقاط الدولة بحجة أن غايتهم هي تخليص البلد من فصيل معين. للأسف اختلفت الغايات وتنوعت الوسائل وكل فصيل مؤمن بغايته ومقتنع بأن الوسائل التي يستخدمها مشروعة.
ملخص لما ورد في كتاب ‘الأمير’، منذ أن وضع ميكافيلي مبادئه في كتاب ‘الأمير’ عام 1531، أصبح الكتاب بمثابة الدليل الكامل لكل ديكتاتور، حيث عمل بموجبه قادة ورؤساء منذ ذلك الحين وحتى الآن.
مصدر قوة هذا الكتاب، أنه صغير الحجم ومكثف ومركز وواضح، مما جعله يدرس في العديد من الجامعات في العالم كأحد جواهر الفكر العالمي. ورغم خروج آرائه عن الأخلاق والأديان فقد اصبحت من أحجار الزاوية في علم السياسة الحديث، مع أنه لم يحصد منها طوال القرون الأربعة المنصرمة سوى الشتائم واللعنات، ولم ينل تكريماً إلا في موطنه إيطاليا الذي شهد الوحدة عام 1896، حيث قرروا الاحتفال بذكرى ميلاده واعتبروه رمزاً، كون أفكاره كانت سابقة لعصره. اهم صفات الحاكم من وجهة نظر ميكافيلي:
أخلاقياً: يجب عليه التخلص من الأخلاق والتقاليد والبدع والقيم الدينية، خاصة التواضع والرضوخ للحكام، واستعمال الدين وسيلة لكسب الشعب فقط!
السياسة الداخلية: عليه أن يجمع بين حب الناس وخوفهم منه، وإن تعسر ذلك فعليه أن يتأكد من كونه مخيفاً ومهيباً.
من الناحية الاقتصادية: عليه أن يسعى لتحقيق العدالة الاقتصادية وتوزيع الدخل بشكل عادل، لأن وجود طبقة فقيرة تشكل أغلبية سيكون سبباً فيما بعد لقيام ثورة ضد الحاكم.
السياسة الخارجية: عليه أن يتعلم أن يتخلص من عهوده ومواثيقه إن كانت عبئاً عليه، وعدم التردد في استعمال القوة عند الضرورة.
في الحروب: لابد من إقامة جيش وطني قوي، وأن الجيش المكون من المرتزقة لا يجدي نفعاً، فالمرتزقة لا ولاء لهم إلا للنقود.
علاقة الحاكم بالمحكوم: يقول ميكافيلي في كتابه أنه يفضل أن يخافه الناس إن لم يستطع أن يجعلهم يجبونه ويخافونه في الوقت ذاته. وصف الشعوب، بانهم ناكرون للجميل، متقلبون، مراؤون ميالون إلى تجنب الأخطار شديدو الطمع وهم إلى جانبك طالما أنك تفيدهم، فيبذلون لك دماءهم وحياتهم وأطفالهم وكل ما يملكون، طالما أن الحاجة بعيدة نائية، ولكنها عندما تدنو يثورون، ومصير الأمير الذي يركن إلى وعودهم، بدون اتخاذ أي استعدادات أخرى، إلى الدمار والخراب إذ أن الصداقة التي تقوم على أساس الشراء لا على أساس نبل الروح وعظمتها هي صداقة زائفة تشترى بالمال ولا تكون أمينة موثوق بها، وهي عرضة لان لا تجدها في خدمتك في أول مناسبة، ولا يتردد الناس في الإساءة إلى ذلك الذي يجعل نفسه محبوباً، بقدر ترددهم في الإساءة إلى من يخافونه.
نصائح لمن يريد احتلال أي شعب
لابد من خلخلة التركيبة الحضارية للشعب، ومن ثم حكمهم: هذا ما فعله الاتراك في بلاد اليونان، إذ على الرغم من جميع الوسائل التي لجأ إليها الأتراك للاحتفاظ باليونان فإن هذا الاحتفاظ ما كان ممكنا لو لم ينتقل الأتراك لبلاد اليونان للعيش فيها. (نستطيع رؤية هذا حالياً في ما يحدث في فلسطين المحتلة). عندما تسيطر على شعب فاجعل أعزته أذلة وأذلته أعزة: على حاكم المقاطعة أن يحاول إضعاف الأقوياء منهم، فالرومان في مستعمراتهم غرروا بصغار الوجهاء بدون أن يضعفوا قوتهم الموظف الذي يعمل لمستواك عليك القضاء عليه: على الزعيم أن يكون كريماً فوق الحدود على الوزير الطماع، إلى أن يشعر الوزير بأن صلاحياته وإمكانياته لا تقل عن زعيمه، ولكن اكتشف ميكافيلي من تجارب الآخرين أنه إذا أراد أن يتخلى الزعيم عن الوزير الطماع فعليه أن يقضي عليه أو يحطمه تحطيماً كاملاً، لأن مجرد تلميع هذا الوزير يضع المسمار الأخير في نعش الملك.
القوات المسلحة: بمختلف انواعها يقول ميكافيلي أن خطرها أكثر من نفعها، ولذلك يجب التأكد بأنهم من المخلصين فقط وممن يدافعون عن قضية عادلة، ويجب الإيمان بالمقولة الشهيرة (احذر من شعبك مرة ومن جيشك ألف مرة). كن كريماً إلى أن تصل إلى السلطة: يقول ميكافيلي بأنه لا مانع بأن تكون كريماً حتى تصل للسلطة، وبعد ذلك لا بأس بالعودة لغريزتك الرئيسية وهي البخل إلا في حال شعرت بأن سلطانك اهتز. كن قاسياً، كن ظالماً، كن مكتسحاً: يؤمن ميكافيلي بأن الناس يحبون بأهوائهم ولكنهم يخافون بإرادة الزعيم.
لعبة القانون
عندما تريد انتزاع السلطة فلابد من استخدام القوة، ولكن لكي تحكم الشعب ويبقى مذعناً يجب استخدام القانون، ولكن أي قانون، بالطبع القانون الذي تخلقه انت ويناسبك ويجعل الشعب مذعنا لك وبالقانون. طريقة ايصال الأوامر إلى الشعب، عند تقديم مشروع جديد احرص على عرضه على الاغلبية الحاكمة وبطريقة مستعجلة واصدر قرارا فيها قبل ان يتدخل الأقلية لكي لا يشوشوا ويعرقلوا القرار.
المتآمرون، يقول ميكافيلي الزعيم الذي يكسب ود شعبه يكون في مأمن من تآمرهم عليه. الخصوم، يقول ميكافيلي لا تقضي على الخصوم مرة واحدة، حالف بعضهم وقم بالقضاء على الآخرين إلى أن تقضي عليهم بالتدريج، ولا تحاول القضاء عليهم مرة واحدة لأنهم سيتحدون جميعاً ضدك. صناعة النصر، أحياناً تحتاج إلى إنجاز، فلابد من تفجير قضية على شرط أن تكون متأكداً من قدرتك على القضاء عليها، وبعد تفجير القضية تقوم برد حاسم عليها وتكون النتيجة النصر! وقبل النصر يجب ان تكون هناك خطة مسبقة قبل تفجير القضية، وما هي الآلية التي تستطيع اخراج جميع الشعب لكي يحتفلوا معك بالنصر؟ ازرع قلاعك في قلوب شعبك: يقول ميكافيلي (افضل القلاع التي تبنيها هي التي في أفئدة الشعب). طريقة اكتساب الزعيم للشهرة وبنفس الوقت استهلاك طاقة الشعب، يجب على الزعيم القيام بعمل المشاريع العظيمة وهذا ليس بمهم حتى لو تحولت إلى فيلا بيضاء أو أطلال، لأنك خلال عملك لهذه المشاريع العظيمة تجعل الشعب مذهولاً وتكون مسيطراً على عقولهم وتجعلهم دائماً مشغولين بالتطلع للنتائج، وبمجرد انتهائك من المشروع عليك أن تكون جاهزاً لإشغالهم بمشروع آخر حتى لو كان عديم الفائدة على المدى البعيد، وهلم جرا..!
حكمة دوران الزمن: يقول ميكافيلي ان الخطأ الشائع عند الناس هو انهم لا يحسبون حساب العاصفة عندما تكون الرياح هادئة.
تعليق على الكتاب
بعد قراءة ملخص للكتاب أيقنت أن الكثير من الحكام يتبعون هذه الوصايا سواء تلك التي كتبها ميكيافيلي في كتابه ‘الأمير’ أو الوصايا التي كتبت بواسطة من تتقارب افكارهم مع أفكاره. فغاية الحاكم هو بسط نفوذه على الشعب واطالة فترة بقائه في الملك وعمل كل الحيل لوضع ابنه من بعده مكانه وهذا ما يتم في معظم الدول العربية، وحتى الدول التي لم يتم فيها ذلك فهذا لا يمنع وجود محاولات من الحاكم لتولية ابنه أو اخيه او شخص يدين له بالولاء لكي لا يقوم بالتنكيل به ومحاكمته، ولكن ربما كان مصير هذه المحاولات الفشل لحدوث شيء لم يكن يتوقعه الحاكم، مثلما حدث في مصر مثلا وقيام ثورة لم تكن متوقعه عصفت بمبارك وابنه ونظامه. نتمنى أن يكون الملهم للحكام هو شريعتنا الاسلامية والنماذج المشرفة لبعض الحكام المسلمين، أو حتى بعض الحكام الغربيين ممن تميزت مدة حكمهم بالعدل.
كاتب مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية