الغزاويون.. من “مذهب العرجاني” إلى “سطوة الفرعون”: هل يقتنع بايدن بالخطة المصرية؟

حجم الخط
0

محمود جمال سيف النصر، له طلب واحد فقط، “الرجاء ضمي أنا وعائلتي إلى قائمة المواطنين المصريين المسموح لهم الخروج من غزة كي أتمكن من العودة إلى وطني”، هكذا توسل في منشور مصور نشره الأسبوع الماضي في “إكس” (تويتر سابقاً)، بمناسبة مرور سنة على بداية الحرب.

سيف النصر مواطن مصري، جاء قبل الحرب إلى القطاع لزيارة أقارب، فعلق هناك ولم يستطيع العودة إلى حياته. جهوده لإقناع السلطات المصرية بالسماح له بالعودة إلى بلاده فشلت رغم أن لديه وثائق تدل على جنسيته. ليس الوحيد؛ فالتقدير أن مئات المصريين ما زالوا في القطاع دون قدرة على العودة إلى بيوتهم، لا سيما بعد إغلاق معبر رفح في أيار الماضي – منذ ذلك الحين، لا يسمح بدخول أو خروج أي أحد.

يعتبر سيف النصر صاحب حظ؛ يمكنه ترميم حياته إذا تم فتح المعبر، والبيروقراطية الثقيلة في مصر التي تتخذ قراراتها ببطء كبير، سمحت بعودته. في المقابل، ليس لسكان غزة الفلسطينيين أي حلم بالنجاة من ظروف الحياة الفظيعة السائدة في القطاع.

سمحت مصر في الأشهر الأولى للحرب لنحو 100 ألف فلسطيني بدخول أراضيها، بعضهم كبادرة حسن نية إنسانية لبضعة آلاف من المرضى وأبناء عائلاتهم الذين كانوا بحاجة إلى علاج ملح، الذي لم يتمكنوا من الحصول عليه في القطاع. معظم المهاجرين الأخيرين الذين وصلوا إلى مصر، اشتروا الطريق إلى هناك مقابل مبلغ كبير من المال، الذي ازداد مع مرور الوقت.

طلب منهم في البداية، الدفع لشركة “هلا” التي يمتلكها إبراهيم العرجاني، وهو زعيم قبيلة أصبح مقاولاً ثانوياً للمخابرات المصرية، حوالي 2000 دولار عن كل شخص مقابل “ترتيبات النقل”. قبل أيار، وهو الشهر الأخير الذي كان يمكن فيه العبور في معبر رفح، قفز المبلغ إلى 5 آلاف دولار للفرد، هذا بعد معاناة معقدة طلب فيها من السكان الحصول على تصريح من منسق العمليات في المناطق ومن المخابرات المصرية التي تعمل بالتنسيق مع إسرائيل. كل ذلك أدخل لهذه الشرطة نحو مليوني دولار يومياً. ومنذ أيار، لم يخرج إلى مصر إلا بضع عشرات من الفلسطينيين الذين كانت حالتهم الصحية صعبة جداً.

من نجح في الخروج، أدرك بأن الأمر لا يتعلق بـ “الأرض الموعودة”. فقد كان هناك محيط يميز بين تصريحات تضامن النظام المصري مع معاناة الفلسطينيين وبين معاملة أجهزة النظام مع المهاجرين. أدرك نحو 5500 مريض الذين تم استيعابهم في المستشفيات في العريش والقاهرة، أن ليس لهم حرية حركة كما يريدون؛ فقد تم حظر المرضى وأبناء عائلاتهم من مغادرة المستشفى. وعندما تم منحهم إذناً خاصاً للخروج من أجل شراء سلع أساسية أو أدوية، طلب منهم الإبلاغ عن حركتهم، وفي حالات كثيرة كان يرافقهم رجل أمن. اضطر مرضى السرطان أحياناً إلى الانتظار مدة شهر إلى حين إيجاد سرير لهم، الذي كان يمكنهم عليه الحصول على العلاج الكيميائي. اضطر بعض المرضى إلى تمويل شراء الأدوية من جيبهم بعد أن منعت السلطات منظمات إغاثة في مصر من تجنيد التبرعات للمهاجرين. هذه المنظمات اكتشفت أنها لا يمكنها الحصول على معلومات حول وضع المرضى الفلسطينيين أو الحصول على قائمة المصابين، لأنه حظر على المستشفيات تقديم أي معلومات.

في الأسبوع الماضي، نشرت “منصة لشؤون اللاجئين في مصر”، موقعاً مصرياً يتعامل مع اللاجئين في الدولة، نشرت تقريراً يتكون من 40 صفحة لخص السنة الأولى للحرب. الجزء الأساسي في التقرير الذي يستند إلى معطيات الأمم المتحدة وجمعيات المساعدة ومقابلات مع المهاجرين، تناول وصف الوضع الصعب في غزة. جزء آخر عرض صورة بائسة عن مكانة اللاجئين الفلسطينيين والصعوبات التي يواجهونها. وحسب التقرير، يبدو أن معظمهم موجودون رسمياً في مكانة ماكث غير قانوني، وتأشيرة مكوثهم انتهت بعد 45 – 90 يوماً. وربما يتم طردهم من الدولة في أي يوم. لا تشريع جديداً يرتب مكانتهم، أما تمديد مكوثهم يخضع لتعليمات الطوارئ أو حسن نية الموظفين.

لا يسمح لأي فلسطيني في مصر بالعمل في المؤسسات الحكومية. والعمل في القطاع الخاص يحتاج إلى سلسلة طويلة من الرخص والتصاريح، التي لا تعطى. المخرج الوحيد هو العمل بدون رخصة بشروط استغلال مهينة، تحت تهديد الاعتقال والسجن. أولاد في جيل المدرسة أو الطلاب الذين يريدون التعلم في المؤسسات الأكاديمية في مصر، التي فيها التعليم للمواطنين بالمجان، يطلب منهم دفع رسوم مرتفعة وكأنهم أجانب. قد يصل المبلغ إلى 3 – 5 آلاف دولار في السنة.

الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات قالوا لكتاب التقرير إنه لا يمكنهم التعلم أو إرسال أولادهم إلى المدارس بسبب الوضع الاقتصادي الصعب. وهكذا تساهم مصر في ضياع جيل كامل من الشباب الفلسطينيين. ولا يمكن أن يستعين اللاجئون بخدمات وكالة “الأونروا” لأن مصر لا تسمح لها بالعمل فيها. ولا يمكن لوكالة اللاجئين “يو.ان.اتش.سي.آر” المساعدة لتسجيل ما يحتاجه اللاجئ الفلسطيني من مصادقة السلطات – الأمر الذي لا يتم خوفاً من استقرار اللاجئين في مصر.

فوضت مصر منظمة الهلال الأحمر في مصر لمعالجة آلاف اللاجئين الفلسطينيين وتنسيق النشاطات مع منظمات الإغاثة الدولية، لكن أجهزة الهلال الأحمر في مصر فقيرة ومثقلة بسبب معالجة آلاف اللاجئين الذين وصلوا من سوريا والدول الإفريقية. ولا يمكنها معالجة اللاجئين الفلسطينيين الذين يبقون بدون عنوان.

يحظر على وسائل الإعلام الرسمية في مصر النشر عن وضع اللاجئين من غزة، الموجودين في الدولة، والمظاهرات الداعمة للفلسطينيين محظورة في مصر أيضاً. في الوقت نفسه، رغم تلافي التخوف من اقتحام مئات آلاف الغزيين، فإن مصر تستمر في بذل جهود كبيرة لصياغة حل يؤدي إلى فتح معبر رفح وإعادة اللاجئين إلى القطاع.

أمس، نشر أن مصر طلبت من خليل الحية، النائب السابق لزعيم حماس يحيى السنوار، البقاء في مصر لبضعة أيام في محاولة للتوصل إلى تفاهمات حول تشكيل لجنة فلسطينية لإدارة غزة والدفع قدماً بصفقة التبادل. وحول تشكيل هذه اللجنة، تم الاتفاق مبدئياً أن يكون في بداية الشهر بين فتح وحماس، ولكن الخلافات حول الصلاحيات، بالأساس على طلب السلطة الفلسطينية من حماس نزع سلاحها، أفشلت التوقيع على الاتفاق. مع ذلك، تأمل مصر بأنه إذا ما تم التوصل إلى اتفاق بين الفصائل الفلسطينية، يمكنها طرحه على أمريكا كمخرج عملي لإدارة القطاع وفتح معبر رفح، بشكل يقنع الرئيس بايدن بالضغط على إسرائيل كي تتبناه، وهكذا يتم حل قضية المساعدات الإنسانية.

سيطرة الفلسطينيين على الطرف الغزي في معبر رفح، شرط أساسي لمصر من أجل فتح المعبر. تشكيل لجنة فلسطينية للإدارة ربما تكون الطريق لمشاركة قوة عربية في ضمان توزيع المساعدات، وهكذا تحرير إسرائيل من هذه المهمة التي لا تنجح فيها، والتي تعد جزءاً من أساس الدعاوى المرفوعة ضدها في محكمة العدل الدولية.
تسفي برئيل
هآرتس 25/11/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية