القاهرة ـ «القدس العربي»: بينما تدفقت أموال صفقة رأس الحكمة على البنك المركزي، حيث ظن كثير من المواطنين انتهاء معاناتهم مع الغلاء، إذا بهم يستيقظون قبل ساعات على قرار البنك المركزي ترك عملتهم المتردية للعرض والطلب أمام الدولار، في خطوة أثارت جدلا واسعا وأسفرت عن فقد “الجنيه” مزيدا من قيمته أمام الورقة الخضراء، فضلا عن مخاوف الكثيرين من ارتفاع أسعار السلع، خاصة الغذائية منها، بينما أعلن مصدر رفيع المستوى توقيع اتفاق صندوق النقد الدولي خلال ساعات قليلة، وأكد طلعت السويدي رئيس لجنة الطاقة والبيئة في مجلس النواب، أن قرار البنك المركزي بتوحيد سعر صرف الجنيه وفقا لآليات السوق، جاء في توقيت مهم، ما يؤدي إلى القضاء على السوق الموازية. وتوقع السويدي أن القطاع الصناعي والتجاري من أكبر المستفيدين من توحيد سعر الصرف في مصر، إذ يُساعد على تحقيق الاستقرار والثبات في السوق، ما يُشجع على الاستثمار والتجارة، وإعادة أموال المصريين في الخارج، التي كانت تتداول عبر قنوات غير رسمية إلى القنوات الرسمية، ما يُزيد من حجم المعاملات التجارية ويُقلل من مخاطر السوق الموازية، كما يؤدي إلى استقرار الأسعار ووقف القفزات المفاجئة. وقال الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادي، إن رفع سعر الفائدة بنسبة كبيرة تصل لـ6٪ يرتبط بقرار البنك المركزي بتحرير أسعار الصرف بصورة تعزز من جاذبية البنوك المصرية لتوفر الدولار والقضاء على السوق السوداء، موضحا أن ذلك القرار سبقته حزمة حماية اجتماعية من الدولة بزيادة الرواتب، وزيادة حد الإعفاء الضريبي لتحسين دخول المصريين لامتصاص تداعيات هذا التعويم، وستصل تلك الحزمة للمواطنين في مارس/آذار الجاري. بينما أكد المستشار أحمد فهمي المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، أن العمل جارٍ لتوفير جميع السلع الغذائية اللازمة لشهر رمضان من خلال الإفراج الفوري عن البضائع في الموانئ، وفقا لتوجيهات الرئيس السيسي، مشيرا إلى أن هناك عددا من السلع والأغذية موجودة كانت في انتظار توفير حصيلة النقد الأجنبي. وبشأن دعم مليوني غزي في حرب الإبادة الرامية للإجهاز عليهم: أقلع عدد من طائرات النقل العسكرية في مصر والإمارات من مطار العريش، لتنفيذ أعمال الإسقاط الجوى لأطنان من المساعدات الإغاثية والمواد الغذائية والطبية على شمال قطاع غزة، بهدف تخفيف وطأة الأزمة الإنسانية الحادة التي يعاني منها سكان القطاع في المناطق التي يصعب وصول المساعدات إليها برا.
ومن توابع الإضرابات العمالية : أصدرت شركة غزل المحلة يوم 4 مارس/آذار، إنذارات بالفصل لاثنين، على الأقل، من العمال المحتجزين لدى أجهزة الأمن، وهما وائل محمد أبو زويد، ومحمد محمود طلبة، بحجة تغيبهما عن العمل لعشرة أيام، رغم أن تغيبهم جاء على أثر احتجازهم مع مجموعة من زملائهم في طنطا منذ يوم 29 فبراير/شباط.
تعالى حس
“نفسي أحكي لأي حد بيقلي نحن حاسين فيكم؛ أقله تعال حس عالمزبوط الأحاسيس التالية” هكذا ببساطة عبر حمادة حمادة في “المشهد” عن مشاعر مئات الآلاف من النازحين في قطاع غزة: إحساس أنك تنام في خيمة، طيب بلاش خيمة، تنام بغرفة وحدة صغيرة برفقة 10 أشخاص نصهم أطفال، وهادي الغرفة هي غرفة الغيار وغرفة الأكل وغرفة النوم وغرفة المعيشة والمطبخ، وأحيانا بنحمم الولاد في الغرفة.. أنت حتى ما بتحظى بفرصة إنك توجد لحالك بالغرفة تغير ملابسك.. آه والله غيّر ملابسك قدام الكل وتعال قلي قديه حاسس فينا.. تعال قف في طابور الحمام خصوصا الصبح قدامك عشرة عشرين وراك عشرة عشرين.. اجا دورك تفوت يلا يلا تلحق تعمل شي واحد فقط.. شي واحد تقضي حاجتك أو تغسل وجهك زي العالم والناس، أو تنظف اسنانك وصدقني ممكن تكسب وقت أكتر لو فات معك حد تاني عالحمام وتتبادلوا الأدوار مهو مفيش خصوصية.. آه والله.. استنى.. الحمام غالبا ما فيه ماي.. دبر حالك جوا وتعال قلي قديه حاسس فينا.. جرب تشتهي أكلة.. مهما كانت بسيطة بلاش أنت.. جرب شعور يطلبوا ولادك منك أكلة بسيطة خبزة ولا بيضة ولا تفاحة، وما تقدر تجيب ما تقدر تجيب لان معك مصاري الدنيا وبطل الها قيمة، وما تقدر تجيب لأن ما معك مصاريي ما تقدر تجيب، لأن أصلا ما في شي تجيبه جرب احرم حالك أو اشتهي شغلة لشهور وتعال قلي قديه حاسس فينا، جرب تنام باللبس نفسه وتصحى باللبس نفسه وتطلع باللبس نفسه وتاكل باللبس نفسه وتعمل كل شي باللبس نفسه.. ليه؟ لأن فعليا أنت محظوظ إذا معك غيارين ومحظوظ أكتر لو قدرت تشتري، وإذا اشتريت رح تشتري لبس ولادي لبنتك ولبس رجالي لمراتك، المهم تدبر حالك وتستر حالك.. جرب تموت من البرد لأن ما معك لبس شتوي ومش لاقي لبس شتوي وتعال قلي قديه حاسس فينا.
مولود تعيس
يمضي حمادة حمادة في توجيه مزيد من الصدمات للملايين النائمة على الخريطة العربية: جربت تكون مراتك حامل في شهرها بالحرب.. جربت شعورك أو شعورها كيف هتروح تولد في نص الليل ولا تحت القصف، جربت تطلع مع مرتك الحامل جربتي تكوني حامل بالحرب كيف شعورك وإحساسك عارف، إنه انقطع حليب الأمهات من صدورهن بسبب الخوف وقلة الأكل، طب جربت شعور ابنك ينولد في حمام أو في سيارة أو في الشارع أو في خيمة؟ تخيل لو كان ابنك البكر، جربت شعور ما تلاقي لبسة وحدة لابنك المولود؟ جربت شعور ما تلاقيله بامبرز؟ جرب شعور انه ابنك ينلف بوجه فرشة ولا اسدال صلاة لان مو لاقيله كفولة ولا حرام وبعدين تعال قلي قديه حاسس فينا.. جربت تحتاج دوا وما تلاقيه جربت تكون عندك مرض مزمن.. أمك عندها مرض مزمن أبوك عنده مرض مزمن ومش لاقي دوا.. وعايش عالبدائل.. وصحتك بالنازل.. جرب عيش هاد القلق وتعال قلي قديه حسيت فينا.. قال والله نحن حاسين فيكم شو حاسين بالضبط.. جرب شعور تنام عصوت الزنانة “الطائرات المقاتلة” جرب شعور تصحى على ابنك بنص الليل بيرجف وهو نايم من الخوف والبرد اه والله.. وتعال قلي قديه حاسس فينا.
هل من رحيم؟
أكثر من 400 ألف فلسطيني في المستوى الخامس من الجوع (أي مرحلة المجاعة)، ونحو مليون مواطن في المستوى الرابع (أي في حالة الطوارئ). تتابع جيهان فوزي بمرارة في “الوطن”: الجوع ينهش أجساد الفلسطينيين في قطاع غزة، ووصل إلى حافة المجاعة في شمال غزة، والاستغاثات لا تنقطع، لكن لا حياة لمن تنادي المنظمات الأممية والإنسانية تقف عاجزة ولا تملك سوى التصريحات التحذيرية من انهيار حتمى لا محالة سيضرب عصب حياة سكان غزة. كيف للعالم أن يقف عاجزا أمام هذه الاستغاثات، ولا يحرك ساكنا أمام غطرسة الاحتلال الإسرائيلي الغاشم الذي يتعمّد تجويع القطاع كى يصل إلى استحالة الحياة فيه؟ هذه الظروف الكارثية التي هي من صُنع الإنسان، والتى يمكن التنبؤ بها، ويمكن تجنّبها، تعني أن الأطفال والأسر في قطاع غزة يواجهون الآن العنف من الجو، والحرمان من الأرض، مع احتمال أن الأسوأ لم يأتِ بعد. تقول القاعدة 55 من اتفاقية جنيف الرابعة التي اعتمدت في أغسطس/آب عام 1949 لحماية المدنيين أثناء الحروب: «يسمح أطراف النزاع بمرور مواد الإغاثة الإنسانية للمدنيين المحتاجين إليها، وتسهل مرورها بسرعة ودون عرقلة، وتقدم الإغاثة دون تحيز أو أي تمييز مجحف مع احتفاظ الأطراف بحق مراقبتها». لكن مع إسرائيل كل شيء يتغير ويُباح. ومع تفاقم وتدهور الأوضاع في غزة، خرجت نائبة الرئيس الأمريكي كاميلا هاريس عن صمتها لتقول، إن ما يحدث في غزة من مجاعة شيء مروع، فيما انضمت الولايات المتحدة مؤخرا إلى الدول التي تلقى المساعدات على غزة جوا. وبقدر ما رحب البعض بالخطوة الأمريكية الأخيرة، ببدء إنزال المساعدات جوا على سكان غزة، بقدر ما أثارت الخطوة تساؤلات حول الموقف الأمريكي، وما وصفه مراقبون كثيرون بالعجز الأمريكي أمام إسرائيل، في ما يتعلق بالحرب الدائرة في غزة. واشنطن التي انضمت مطلع الأسبوع إلى عمليات الإسقاط الجوي للمساعدات على سكان غزة، لم تلقَ الاستحسان، لأنها أصبحت عاجزة عن إجبار إسرائيل على وقف الحرب الدائرة هناك؟
طريق مسدود
عندما ننتقل من الوجه الإنساني لهذه الكارثة إلى الوجه السياسي المحيط بها، ستتكشف بسرعة، وفق جيهان فوزي الأسباب الحقيقية للتجويع الممنهج ضد سكان غزة، وسيقودنا هذا إلى الحديث عن حلف متنوع بين مخطط ومتواطئ وصامت تقوده الولايات المتحدة، نحو هدف واضح هو إرغام المقاومة الفلسطينية على القبول بالشروط المطروحة لوقف مؤقت لإطلاق النار، بما يعفي الإدارة الأمريكية من وطأة السخط الدولي المتعاظم، على سياستها المفرطة في دعم الجرائم الإسرائيلية، حيث لا تنفصل سياسة التجويع عن الحرب الضارية التي تستهدف المدنيين الأبرياء وحتى الصحافيين وعمال الإغاثة المنتدبين من منظمات دولية مشهود لها بالنزاهة والحياد، ما يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية بصمتها المريب إزاء سياسة التجويع، إنما تكمل ما بدأته إسرائيل من إبادة فعلية للشعب الفلسطيني، ولا تعفيها تلك المساعدات الهزيلة المتساقطة من الجو، من مسؤوليتها الكاملة عن هذه الحرب وتبعاتها السياسية والإنسانية. ومن المؤكد أن الموقع الملتبس للولايات المتحدة في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، قد بدأ بالتشكل على نحو جديد لدى الرأي العام الفلسطيني، الذي بات يميل تدريجيا نحو اعتبار الولايات المتحدة عدوا صريحا للشعب الفلسطيني، وحليفا أساسيا وداعما أولا للاحتلال الإسرائيلي، وهذا لا يمكن أي إدارة أمريكية في المستقبل من الادعاء بالحياد، ومحاولة لعب دور الوسيط في أي مشروع سياسي مقبل، وأن المصلحة الحقيقية للشعب الفلسطيني تتطلب أولا وقبل كل شيء استبعاد واشنطن من معادلة السلم والحرب في المنطقة، وإلغاء كل الأطر التي كانت قد تأسست بناء على إعلان المبادئ في أوسلو، سواء كانت اللجنة الرباعية، أو المفاوضات الثنائية أو المتعدّدة أو اتفاق باريس، أو خطط تطوير أداء السلطة الفلسطينية والأجهزة الفلسطينية تحديدا، ودون ذلك فإن هذا الخلل الجوهري في المفاهيم سيوصل الشعب الفلسطيني دائما إلى طريق مسدود.
لم يعتادوا
تتراكم، وبمعدّلات فائقة، وفق ما أطلعنا أحمد عبد التواب في “الأهرام”، الأدلة المادية المُفحِمة التي تَنسِف ادعاءات إسرائيل بأن جيشها لا يُقهَر، وأنه أكثر الجيوش في العالم أخلاقية، وأنه أحدثها في السلاح والتقنيات، وأعلاها مهنية وانضباطا، إلخ. وكان عدوانُها الرهيب على غزة وسيلة إيضاح فاضِحة يوميا لكل هذه المغالطات، وخُذ عندك آخر الفضائح التي تكشف الفوضى الضاربة في قواتها في غزة، والرعب الذي يَتلبَّس جنودها إلى درجة الاضطراب، رغم أنهم مدججون بأحدث سلاح وبقمة تقنيات الجيوش، إلى حد أنهم، أثناء مهمة لإنقاذ أسراهم في غزة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أخطأوا وقتلوا بأنفسهم ثلاثة من الأسرى، كانوا تمكنوا من الفرار من أَسْر حماس، صحة الواقعة مؤكدة لأن مصدرها هيئة البثّ الإسرائيلية، التي هي الجهاز الإعلامي الرسمي في إسرائيل، التي نشرت التفاصيل المشينة للجيش، في سياق أنها، كما يقول ميثاق تأسيسها، تُقدِّم محتوى مستقلا. من الملاحظات الكثيرة المهمة: أولا، لم يعرف الجيش تفاصيل الواقعة إلا بعدها بثلاثة أيام، عن طريق أجهزة تسجيل مثبتة على أجساد الكلاب المُدَرَّبة التي ترافق الجنود في عملياتهم، والتى سَجَّلَت أثناء العملية صرخات الأسرى الإسرائيليين واضحة باللغة العبرية يعلنون فيها أنهم إسرائيليون أسرى، وأنهم مختبئون في المكان الذي يطلق جنودهم النيران عليه بكثافة، ويُلِحّون في طلب وقف النيران، إلخ. فهل الجنود الإسرائيليون لا يحملون الأجهزة نفسها المركبة على الكلاب ليسمعوا مثلهم كل شيء على الهواء؟ وهل هذه الأجهزة لتأريخ الحدث بعد وقوعه، أم المساعدة في إتمام المهمة على أفضل وجه؟ ثم إن تفريغ التسجيلات لم يتحقق إلا بعد ثلاثة أيام أليست هذه فوضى تؤخر القيام باستخلاص الدروس، الذي هو عملية شديدة الأهمية لكل جيش؟وثانيا، ملاحظة تبدو شكلية، ولكنها ترقى في أهميتها لمستوى المضمون، فالواقعة حدثت في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ولم يُفصَح عنها إلا بعد نحو ثلاثة أشهر فلماذا لم تبثّ الهيئة الخبر في حينه؟ فهذا يُشكِّك في ادعاء استقلالية الهيئة، كما أنه يثير شبهة أن عليها أن تأخذ موافقة قبل البث، وأن هذا يأخذ وقتا يعيق الإسراع في الخدمة الإعلامية، أو وهو الأخطر، أن قرارات البثّ تتعطل لأن بعض قادة الهيئة يديرونها وفق صراعاتهم السياسية.
لا حدود لأطماعها
منذ أن تولى نتنياهو رئاسة حكومة إسرائيل لأول مرة عام 1996 وحتى الآن وهو لم يتخل عن اعتقادين سياسيين يتحكمان في الرؤية الإسرائيلية، الأول كراهية العرب والفلسطينيين بصورة خاصة واحتقارهم وتحقيرهم، ومن ثم التمييز العنصرى ضدهم، إلى حد الترويج بأنه ليس هناك شعب فلسطيني من أساسه، وفق ما أخبرنا الدكتور عبد المنعم المشاط في “الشروق”: ظهر ذلك مرارا في سياسات التوسع غير المحدود على أراضي العرب في سوريا ولبنان، وأراضي فلسطين في الضفة الغربية وغزة، وينعكس ذلك بالطبع على قناعات نتنياهو والإسرائيليين اليوم بأنه لا ثقة في العرب، ولا حتى في فاعلية وديمومة الاتفاقات معهم، من ثم تصير الأهداف واضحة وهي، التوسع على حساب الفلسطينيين والعرب وبناء إسرائيل الكبرى دون عائق أرضي وبشري، والثاني التوظيف السياسي للخرافات الدينية التي تلهب مشاعر اليهود والقوى الصهيونية في العالم، والإسراع في دعم خطط التوسع الإقليمي الإسرائيلي، وقد استطاع وحلفاؤه بالفعل في الحرب ضد غزة، ولاحقا ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، استدعاء خرافة سياسية دينية يطلق عليها نبوءة إشعياء في العهد القديم، التي تؤكد انتصار اليهود النهائي على الأغيار، أي العرب والفلسطينيين، باعتبارهم «العماليق» الذين ينبغي قتلهم والتخلص منهم وعدم الإبقاء على أحد منهم، وامتدادا لهذه الخرافات الدينية، أطلق ترامب على اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، الاتفاقات الإبراهيمية نسبة إلى سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ولعله من المحبط أن يلقى هذا المفهوم قبولا لدى العرب على الرغم من الصبغة التوسعية والعنصرية الجلية لإسرائيل. إن سياسة التوسع الإسرائيلي والتطهير العرقي في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية هي سياسة راسخة وجزء لا يتجزأ من العقيدة الصهيونية ولا تقتصر على نتنياهو وبن غفير وسموتريتش وليبرمان، لكنها عقيدة راسخة لدى الإسرائيليين، في استطلاع للرأي أخيرا أيد 73% من الإسرائيليين الهجوم الإسرائيلي البري على رفح، ويؤكد ذلك أيضا سلوك المستعمرين الإسرائيليين في الضفة الغربية واستخدامهم جميع وسائل القتل والترهيب ضد الفلسطينيين لإجلائهم عن أرضهم.
السلام المستحيل
الهدف ليس فقط احتلال الأرض ولكن أيضا تفريغها من الفلسطينيين وجعل حلم بناء دولة فلسطينية مستحيل التحقيق، فمنذ عام 1967، حسب عبد المنعم المشاط تم بناء 144 مستعمرة في الضفة الغربية، بالإضافة إلى 12 مستعمرة في القدس الشرقية، فضلا عن مئة منطقة سكنية أقامها المستوطنون بأنفسهم، وبلغ عدد المستعمرين في الضفة الغربية 500 ألف، وفي القدس الشرقية 220 ألفا بإجمالي 720 ألفا، ناهيك عما يناهز 250 ألفا في هضبة الجولان، وهكذا تم تقطيع أوصال الضفة الغربية، والسيطرة على مفاصلها والقضاء على إمكانيات التواصل الأرضي بين مدنها وتجمعاتها. أعادت حرب الإبادة الإسرائيلية ضد سكان غزة اختيار الدولتين، إسرائيل وفلسطين جنبا إلى جنب في سلام وأمن متبادل، إلى الوجود مرة أخرى، بيد أن نتنياهو قدم استراتيجيته الرافضة لإنشاء دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة إلى حكومته، التي تبنتها، وإلى الكنيست الذي وافق عليها بأغلبية غير مسبوقة، فسحقا لاستراتيجية التوسع الإسرائيلي. هل يمكن وأد التوسع الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة كمقدمة للتوسع الإقليمي الإسرائيلي غير المحدود، وإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة ومنع التهجير القسري؟ هناك بريق أمل جلي وممكن، وهو تمسك أشقائنا في السعودية وبقية الدول العربية باشتراط التطبيع مع إسرائيل، ليس بالإقرار بحل الدولتين فقط، وإنما الاعتراف الإسرائيلي والدولي بدولة فلسطينية قابلة للحياة، وعضو فعال في الجماعة الدولية. وكما حول الأمريكيون السلام بين إسرائيل والسعودية إلى مفهوم «التطبيع»، ينبغي التحول أيضا إلى مفهوم «الاعتراف» بدولة فلسطين العربية في الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس الشرقية، فإن لم يتم الربط بين هذين التطورين، سيخسر العرب كثيرا أمام التوسع الإسرائيلي العنصري الواضح وضوح الشمس.
خطة نتنياهو
أخطر ما في خطة نتنياهو التي أطلقها الأسبوع الماضي، أنه ألغى التمثيل الفلسطيني وشطب على حماس والسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، واعتبر أن إسرائيل هي التي ستحكم قطاع غزة عسكريا وأمنيا، وستُعين الفلسطينيين الذين يديرون شؤونه المدنية. والحقيقة التي اهتم بها عمرو الشوبكي في “المصري اليوم”، أن رفض الخطة أو اعتبارها غير قابلة للتحقيق لا يكفي، إنما يجب أن تُطرح أفكار بديلة قابلة للتحقيق حول ما عُرف باليوم التالي للحرب، أي من سيدير أو من سيحكم وكيف يمكن العمل للوصول لحل الدولتين. صحيح أن قضية اليوم التالي مرتبطة بنتائج المواجهات الجارية حاليا في قطاع غزة، وأن نجاح إسرائيل في إنهاء الوجود العسكري لحماس من غزة وإخراج قادة الصف الأول من القطاع، وعلى رأسهم السنوار، أو تصفيتهم كما ترغب، سيجعلها صاحبة القرار الأساسي في اليوم التالي لانتهاء الحرب، أما إذا لم تحقق أهدافها فإنها ستكون بلا شك أضعفت الحركة عسكريا، ولكنها لم تقض عليها، أو كما قال جوزيب بوريل لن تستطيع إزالتها لأنها «فكرة» وأيديولوجيا والمطلوب إعادة طرحها بشكل أفضل. والحقيقة أن سؤال صيغة أو مستقبل حماس عبر عنها كثير من السياسيين والخبراء، وهناك من سار في ركب الرواية الإسرائيلية واعتبر أن القضاء عليها هو الحل وكأنها نبت شيطاني، وهناك من تأكد بالعلم والخبرات التاريخية قبل الموقف السياسي، أنه لا يمكن القضاء على حركة مقاومة طالما بقي هناك احتلال، وبالتالي تحت كل السيناريوهات ستبقى حماس موجودة في اليوم التالي، حتى لو لم تشارك في أي مفاوضات مباشرة مع دولة الاحتلال.
سيرضخ في النهاية
المؤكد بالنسبة لأحد أبرز حلقات الصراع في الحرب التي يتخوف البعض من اتساعها أن معادلة حماس غير معتادة في تجارب التحرر الوطني في العالم كله، فحتى لو كان المحتل يرفضها ويعتبرها حركة إرهابية فإنه في لحظة معينة، وفق ما يقول عمرو الشوبكي، يضطر أن يتفاوض معها، لأنه يعلم أنه السبيل الوحيد لإنهاء الحرب والاحتلال، وهو أمر لم تحصل عليه حماس، رغم بعض الإرهاصات التي يرددها بحذر شديد بعض قادة الاتحاد الأوروبي، والتي لا تتجاوز التأكيد على أنها فكرة وأيديولوجيا وليست مجرد جماعة إرهابية كما يرى الإسرائيليون والأمريكيون. ومن هنا فإن تجاهل حماس دوليا وإسرائيليا سيظل معنا حتى اليوم التالي، ولكن استمرارها سيظل معنا أيضا بعد اليوم التالي، وإن شكل حماس أو مستقبلها ستحدده قدرة المجتمع الدولي عقب توقف الحرب على تطبيق قرارات الشرعية الدولية المهدرة منذ أكثر من نصف قرن، ويفرض على إسرائيل الانسحاب من الأراضي المحتلة عقب حرب 67 وإقامة الدولة الفلسطينية. الدولة الفلسطينية المستقلة ستعني نهاية حماس العسكرية وبقاء أو إعادة إنتاج حماس السياسية، ما يعني أن التحدي الأساسي، هو بناء الدولة وليس القضاء على حماس، فيقينا هذه الدولة ستضم في داخلها متشددين ومعتدلين ويسارا ويمينا مثل كل بلاد العالم، إلا ربما إسرائيل الحالية التي تضم أساسا متطرفين وأكثر تطرفا.
ضمير النمسا
خيرا فعلت الدبلوماسية النمساوية على حد رأي الدكتور خالد أبوبكر في “الشروق” بعودتها مجددا إلى الشرق الأوسط، بموقف متوازن على صعيد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعد أن بدا الأمر في أعقاب السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أن فيينا تقدم دعما غير محدود لإسرائيل، خصوصا بعد تصويتها ضد مشروع قرار لوقف إطلاق النار في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو ما ينفيه وزير الخارجية ألكسندر شالنبرغ، الذي يؤكد استحالة قيام بلاده بالتصويت ضد وقف إطلاق النار، لكن التصويت كان ضد عدم إدانة القرار لحركة حماس، على حد قوله. تدحرج الموقف النمساوى من الصراع في الشرق الأوسط حتى وصل إلى نقطة التوازن النسبي، التي وصلت ذروتها خلال زيارة الوزير شالنبرغ إلى المنطقة خلال الفترة من 27 إلى 29 فبراير/شباط الماضي، التي زار فيها إسرائيل والأراضي الفلسطينية والأردن ولبنان. وحمل معه فيها تصورا نمساويا لإنهاء الصراع من عناصر ثلاثة، فصلها على النحو التالي: أولا: وقف إطلاق نار إنساني في قطاع غزة، حتى يمكن جلب المزيد من المساعدات الإنسانية إلى القطاع بالتوازي مع إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حركة حماس. ثانيا: خطة متوسطة المدى لغزة تحت إدارة فلسطينية مدنية، تحظى بتأييد إقليمى ودولى لتخفيف معاناة السكان المدنيين. ثالثا: منظور طويل الأمد لحل الدولتين وتطبيع علاقات إسرائيل مع جيرانها العرب. تابعت المؤتمرات الصحافية التي عقدها وزير خارجية النمسا في المنطقة، والتي وضح من خلالها موقف بلاده من الصراع في الشرق الأوسط، الذي بدا أنه يتناغم مع موقف أوروبي عام، تجري صياغته بعناية في بروكسل، ومن ضمن ما لفت النظر في تصريحاته في تلك المؤتمرات، رفضه القاطع للدعوات الإسرائيلية للتهجير القسري للسكان الفلسطينيين المدنيين من قطاع غزة، واعتبر أن ذلك مرفوض شأنه شأن رفضه للاحتلال.
سيندمون
قال محمد الأتربي، رئيس بنك مصر، إن الحصيلة النقدية للقطاع المصرفي بدأت بوادرها بعد صدور قرار البنك المركزي بتحرير سعر الصرف وربطه بآليات السوق، مضيفا وفقا تصريحات نقلتها عنه “المصري اليوم” أن بعض البنوك بدأت في بيع الدولار اليوم بمجرد الإعلان عن قرارات البنك المركزي في شأن الدولار وفي سعر الفائدة. وبسؤاله عما إذا كان قرار البنك المركزي تعويما كليا أم جزئيا، أجاب رئيس بنك مصر لقناة «سي أن بي سي» عربية قائلا: «السوق هي التي ستحدد هذا الأمر، ولكننا نسير في المسار السليم، ونستطيع القول إننا نتوقع أن تختفي السوق السوداء تماما، بعد القرارات التي ستجلب أموال المصريين في الخارج عبر التحويلات». وأشار رئيس بنك مصر الذي يعد أحد أهم البنوك العامة إلى أن من اشترى دولارات في الأيام الماضية للمتاجرة فيها سيندم على هذه الخطوة، وإن البنوك ستبدأ في تلبية طلبات العملاء من العملة الأمريكية، وبالتالي لن يذهبوا إلى السوق السوداء. وحول تمويل المشروعات القومية، قال الأتربي، إن بنك مصر سيمول أي مشروع يمثل جدوى للبنك ويجلب عوائد، سواء كان قوميا أو غير قومي، فهنا ننظر للجدوى.
لا نخشى الصندوق
أكد الدكتور سمير صبري، مقرر لجنة الاستثمار الأجنبي والمحلي في جلسات الحوار الوطني، وأمين شؤون الصناعة والتجارة المركزية في حزب «مستقبل وطن»، إن مصر مستقلة في قرارها السياسي والاقتصادي وتحريك سعر الصرف غير مرتبط بإرادة صندوق النقد الدولي. ووفقا لنشوة حميدة في “الأخبار”، قال صبري إن مصر تتفاوض مع شركاء التنمية وصندوق النقد الدولي، ولنا رؤيتنا وقرارنا المستقل، وهذا ما أكده رئيس الجمهورية السيسي خلال مؤتمر برج العرب، حيث قال الرئيس إنه لن يأخذ قرارا خاصا بسعر الصرف يضر بالمواطن المصري، واللي يزعل يزعل. وأشار إلى أن الموازنة المصرية يتم تقييمها بسعر الدولار في البنك المركزي، كما أن السلع الاستراتيجية تأتي من موارد الدولة السيادية مثل قناة السويس وإيرادات السياحة والغاز والبترول، موضحا أن صفقة رأس الحكمة جاءت في توقيت مهم لتنقذ الوضع الاقتصادي المصري. وأكد أن الدراسة والتخطيط لمشروع تنمية وتطوير منطقة رأس الحكمة، لم تحدث بين يوم وليلة، بل استغرقت سنوات، وأن المشروع كان سيتم الإعلان عنه سابقا، لكنه توقف بعد أزمة الحرب الروسية الأوكرانية. وأضاف أن مصر كانت في أزمة اقتصادية خانقة وشديدة قبل إتمام صفقة مشروع تنمية وتطوير منطقة رأس الحكمة. وأوضح أن المواطن المصري لا يزال يتحمل تبعات الأزمة الاقتصادية، فالمواطن بطل تحمل كثيرا في مرحلة لم تحدث في تاريخنا الحديث من ارتفاع الأسعار، وهذا ما يؤكد عليه دائما الرئيس عبدالفتاح السيسي في أكثر من لقاء، فكل الشكر لهذا الشعب المحب لبلده. وأكد صبري أن مصر تتوسط منطقة ملتهبة وأزمات لم يشهدها التاريخ الحديث، فليست هناك تجربة سابقة لكل هذه التحديات والأزمات الجديدة، مثل أزمات الحرب على غزة والأزمة الليبية والصراع في السودان واستهداف السفن التجارية في البحر الأحمر وتذبذب إمدادات سلاسل الغذاء في العالم.
خلال أسبوع
أطلق بايدن الأسبوع الماضي، تصريحا مؤداه أن التوصل لوقف إطلاق النار في غزة سيتحقق خلال أسبوع. وهو التصريح الذي سرعان ما نفته إسرائيل وحماس، ثم تراجع عنه بايدن بنفسه لاحقا. وبايدن، في تقدير الدكتورة منار الشوربجي في “المصري اليوم”، كان يعرف أن اتفاقا لوقف إطلاق النار لن يتم في المدة التي حددها. كل ما في الأمر أن تصريحه كان موجها للداخل، إذ جاء قبل ساعات قليلة من الانتخابات التمهيدية في ولاية مشيغان. فبايدن وفريقه كانوا يعلمون أن هناك حملة ضخمة يقودها الأمريكيون العرب والمسلمون في ولاية مشيغان هدفها توصيل رسالة قوية للرئيس مؤداها أنه قد يخسر البيت الأبيض بسبب دعمه غير المشروط لإسرائيل في حربها ضد المدنيين الفلسطينيين. وولاية مشيغان التي توجد فيها نسبة معتبرة من الناخبين الأمريكيين العرب والمسلمين هي أيضا من الولايات الحاسمة في الانتخابات الرئاسية. فالفائز فيها، خلال العقد الأخير، فاز بهامش ضئيل للغاية لا يتعدى عشرات الآلاف من الأصوات. فترامب هزم هيلارى كلينتون في الولاية عام 2016 بفارق ضئيل للغاية. ثم هزم بايدن ترامب في 2020 بهامش ضئيل هو الآخر، لذلك يطلقون على ولاية مشيغان وحفنة قليلة من الولايات الأخرى تعبير «الولايات المتأرجحة»، بمعنى أنها ليست مضمونة في خانة أحد الحزبين، وإنما «تتأرجح» بينهما من عام انتخابات لآخر. لذلك يولى المرشحون أولوية قصوى لتلك الولايات لأنها تحسم المعركة الرئاسية.
استمع لمشيغان
رغم أن فوز بايدن في الانتخابات التمهيدية في مشيغان كان محسوما سلفا، لأن منافسيه الديمقراطيين هذا العام ليسوا منافسين بالمعنى الحقيقي، إلا أن الأمريكيين العرب والمسلمين حسب الدكتورة منار الشوربجي، نجحوا في توصيل الرسالة. فقد قامت منظمة تدعى «استمع لمشيغان» بإدارة حملة ضخمة دعت الناخبين الديمقراطيين، بدلا من التصويت لأحد المرشحين، أن يختاروا في ورقة الاقتراع خيارا يسمى «غير ملتزم»، وهو يعني أن من يمثل هؤلاء الناخبين في المؤتمر العام للحزب ليس ملزما بالتصويت لأي من المرشحين. ومرة أخرى، القضية بالنسبة للحملة لم تكن مؤتمر الحزب، المحسوم سلفا لبايدن، وإنما تتعلق بالانتخابات ضد ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. ورغم أن هدف «استمع لمشيغان» كان حشد ما يدور حول 10 آلاف صوت أو أكثر بقليل، لأنه عدد الأصوات نفسه الذي فاز فيه بايدن على ترامب في 2020، فقد حققت الحملة نتيجة مبهرة، إذ وصل العدد لمئة ألف صوت، ما يعنى بوضوح أن ترامب يمكنه بسهولة الفوز على بايدن، إذا ما قرر هؤلاء المئة ألف أن يُحجموا عن التصويت. تلك هي الرسالة المراد توصيلها. وما جرى في ولاية مشيغان كان تأكيدا لما كان يعرفه بايدن وفريقه الانتخابي قبل إجرائها. فقد رفضت بعض قيادات الأمريكيين العرب لقاء المسؤولين عن حملة بايدن، ثم قبل بعضهم اللقاء بعد إلحاح الحملة، ولم ينتهِ الاجتماع لنتيجة تُذكر. وسط كل هذه التطورات جاء تصريح بايدن حول وقف إطلاق النار. والحقيقة أن الغاضبين في أمريكا من موقف بايدن تجاه غزة ليسوا فقط الأمريكيين العرب والمسلمين. فالشباب المنتمون لحزب بايدن ليسوا أقل غضبا. وهي مسألة تمثل خطورة، هي الأخرى، يفهمها جيدا القائمون على حملة بايدن. فالشباب هم الوقود المحرك للحملات الانتخابية، لأنهم الذين يتطوعون لحشد الأصوات والتصدي للدعاية الأكثر صعوبة، التي تنتقل من بيت لبيت في الدوائر الصعبة. والمحصلة في ظني أن غزة ستكون بلا شك قضية انتخابية في معركة الرئاسة، ولأول مرة، قد يكون دعم إسرائيل عبئا لا مزية.