جوهانسبرغ- أنقرة: سلط الانقلاب العسكري الأخير في مالي، الضوء على المحاولات غير القانونية والعلنية التي تقوم بها الجيوش لعزل قادة بلادهم في القارة السمراء.
ورغم شيوع الانقلابات العسكرية في إفريقيا بعد استقلال معظم دول القارة بين ستينيات وتسعينيات القرن المنصرم، غير أن الظاهرة تضاءلت نسبيا مع مطلع الألفية الثالثة، إثر المعارضة الشعبية لأي تغيير “خشن” وغير دستوري.
وفي ليل الثلاثاء 18 أغسطس/ آب الجاري، عاد الحديث عن الانقلابات ليطفو مجددا على سطح قارة إفريقيا، عندما اعتقل متمردون من الجيش المالي، الرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا، ورئيس وزرائه بوبو سيسيه، واقتادوهما إلى معسكر “كاتي” القريب من العاصمة باماكو وأجبروهما على الاستقالة.
ووصل كيتا إلى السلطة عام 2013، وواجه انتقادات واسعة لإخفاقه في إصلاح القانون وسوء إدارة الاقتصاد، إذ واجهت بلاده أزمة اجتماعية وسياسية خطيرة منذ أشهر بلغت ذروتها مع اندلاع احتجاجات واسعة تطالب باستقالة الرئيس.
الفساد و سوء الإدارة
ويرى مراقبون وخبراء أن الانقلابات العسكرية منتشرة في إفريقيا، عادة ما تتأتى بسبب تولي غير الأكفاء مناصب قيادية وتفشي الفساد.
وتشير تقديرات غير رسمية، إلى وجود ما لا يقل عن 100 انقلاب ناجح في إفريقيا في العقود الأربعة الماضية، وأكثر من ضعف العدد محاولات للانقلاب لم يُكتب لها النجاح.
وعادة ما تبدأ معظم الاستيلاءات العسكرية على السلطة، من قبل بعض الضباط الصغار المتمردين داخل الجيش، ويقوموا بالاستيلاء على السلطة عن طريق احتجاز القادة أو إجبارهم على التنحي (كما هو الحال في مالي) ثم يلقون دعما لاحقا، وفق مراقبين.
* فيما يلي عرض لتاريخ الانقلابات في جنوب القارة الإفريقية:
زيمبابوي
في نوفمبر/ تشرين ثاني 2017، زحف جيش زيمبابوي بالآليات العسكرية إلى العاصمة هراري، واستولى على هيئة الإذاعة الحكومية وأعلن السيطرة على الدولة.
كما وضع مدبرو الانقلاب على الفور أكبر رؤساء العالم سنًا في ذلك الوقت، روبرت موغابي (بلغ آنذاك 93 عاما) وعائلته قيد الإقامة الجبرية.
كان هذا بمثابة نهاية لحكمه الذي دام 37 عاما، حيث تصاعدت الضغوط عليه من الجيش والمحتجين، و بدأت عمليات المساءلة في البرلمان.
وأطيح بموغابي بعد تكهنات برغبته في أن تخلفه الحكم زوجته غريس موغابي، البالغة من العمر 51 عاما، وهي فكرة عارضها الجيش.
ورغم الترحيب الشعبي باستقالة موغابي من رأس الدولة الواقعة بالجنوب الإفريقي، لكن التغيير المنشود لم يحدث منذ ذلك الحين، فلا تزال البلاد تعاني انخفاضا في العملة المحلية وارتفاعا في معدلات البطالة.
السودان
شهد السودان منذ استقلاله عن بريطانيا عام 1956 أربعة انقلابات عسكرية، فضلا عن العديد من المحاولات التي باءت بالفشل، وقد تلى معظم تلك العمليات إعدامات لعسكريين ومدنيين.
يأتي أبرز تلك الانقلابات، ما نفذه الرئيس المعزول عمر البشير في يونيو/ حزيران 1989، على حكومة رئيس الوزراء الصادق المهدي، وتولى آنذاك منصب رئيس مجلس قيادة ما عُرف بـ”ثورة الإنقاذ الوطني”، وخلال العام ذاته أصبح رئيسا للبلاد.
وفي أبريل 2019، أُطيح بالبشير في انقلاب عسكري، بعد احتجاجات شعبية واسعة ضد حكمه الذي استمر 30 عاما.
ثم تولى المجلس العسكري إدارة الدولة، وأُودع البشير سجن “كوبر” المركزي شمالي الخرطوم، عقب عزل الجيش له من الرئاسة في 11 أبريل/ نيسان 2019.
وكجزء من اتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين الذي تم التوصل إليه في أغسطس/آب الماضي، يترأس عبد الله حمدوك حكومة البلاد حتى إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
ومع ذلك، فإن الأجزاء الرئيسية من الاتفاق، مثل تعيين حكام الولايات المدنيين وتشكيل البرلمان، لم يتم تنفيذها بعد، وهو ما جعل الاحتجاجات المطالبة بإصلاحات أوسع وأسرع لا تزال مستمرة.
بوركينا فاسو
لم تشهد الدولة الواقعة جنوب غرب إفريقيا انتقالا سلميا للسلطة السياسية رغم استقلالها منذ 1960، حيث عاشت 10 محاولات انقلاب أغلبها تمكن من تولي مقاليد السلطة.
وفي سبتمبر/ أيلول 2015، شهدت البلاد محاولة انقلاب بارزة، عندما قام أعضاء من فوج الأمن الرئاسي، وهي وحدة عسكرية مستقلة، باحتجاز الرئيس الانتقالي للبلاد ميشيل كافاندو ورئيس الوزراء يعقوبة إسحاق زيدا، والعديد من أعضاء مجلس الوزراء.
وكانت هذه الحكومة الانتقالية قد تشكلت عقب انتفاضة بوركينا فاسو 2014، عندما أطاحت حركة شعبية بالرئيس بليز كومباوري منذ فترة طويلة.
ومع ذلك، فشل المجلس العسكري بقيادة الجنرال جيلبرت ديندير، في تعزيز سلطته، وواجه احتجاجات ضده، إضافة إلى ضغوط شديدة من المجتمع الدولي، ثم من الجيش النظامي، لاستعادة الحكومة الانتقالية.
وكان من أبرز الانقلابات الدموية في هذا البلد الإفريقي، في أكتوبر/ تشرين أول 1987، إذ نظم الكابتن بليز كومباوري، انقلابا ضد الرئيس اليساري الكابتن توماس سانكارا، من دعاة الوحدة الإفريقية، والذي يلقب أحيانا باسم “تشي جيفارا” الإفريقي.
الغابون
وفي يناير/ كانون ثاني 2019، استغل بعض الضباط المتمردين داخل صفوف الجيش الغابوني، سفر الرئيس علي بونغو أونديمبا، للعلاج خارج البلاد، وقاموا بإلقاء بيان طالبوا فيه تشكيل “مجلس إصلاح وطني”، في خطوة اعتبرها مراقبون مؤشرا على انقلاب عسكري.
في يوليو/ تموز 2019، استولى بعض الضباط العسكريين على السلطة في البلاد، لكن الانقلابيين واجهوا ضغوطا من جميع أنحاء القارة لإجهاض مهمتهم غير الديمقراطية على الفور وتم اعتقالهم لاحقا.
أوغندا
شهدت الدولة غير الساحلية الواقعة شرق إفريقيا عدة انقلابات منذ استقلالها عن بريطانيا عام 1962.
أكثر من 6 محاولات انقلاب عسكرية آخرها عام 1986 بقيادة الرئيس الحالي يويري موسيفيني، الذي لا يزال في السلطة حتى الآن.
وفي فبراير/ شباط 1966، وقع أول انقلاب عسكري في أوغندا، إذ أطاح “ميلتون أوبوتي” بالملك “موتيسا الثاني” ملك ما كان يعرف بـ”بوغاندا”.
وبعد ذلك بخمس سنوات، استولى الجنرال عيدي أمين، على الحكم بانقلاب، منهيا بذلك حكم الرئيس أوبوتي.
وُصف حكم أمين الذي استمر تسع سنوات بـ”الدموي”، وتحدثت تقارير عن مقتل ما بين 100 ألف و500 ألف شخص في عهده، وهو ما ساعد على نشأة حركة معارضة مسلحة تدعى “جيش التحرير الوطني الأوغندي”.
حين سعت أوغندا عام 1978 إلى ضم مقاطعة تنزانية، اندلع صراع عسكري تحالف فيه جيش التحرير الأوغندي مع “قوة الدفاع عن شعوب تنزانيا”، وقد أفضى ذلك في أبريل/ نيسان 1979 إلى إسقاط نظام عيدي أمين، الذي فرّ إلى ليبيا ومنها إلى السعودية حيث توفي في 2003.
وبعد فرار أمين، جرت ثلاثة انقلابات أخرى أعوام 1980 و1985 و1986 على التوالي، وقاد الانقلاب الأخير يويري موسيفيني الذي فاز في 2011 بولاية رئاسية جديدة.
وحتى الآن لم يشهد الأوغنديون انتقالًا سلميًا للحكومة.
منطقة جنوب إفريقيا
شهدت منطقة جنوب إفريقيا عددا أقل من انقلابات شرق وغرب القارة السمراء، وعزا محللون ذلك إلى المؤسسات القوية في تلك الدول والتزامها بالحكم الديمقراطي، إذ شهدت دولة ليسوتو حتى الآن انقلابين اثنين، وزيمبابوي انقلاباً واحداً.
(الأناضول)