مجدولين أبو الرب قاصة وباحثة وناشطة ثقافية أردنية، بدأت مشوارها الأدبي بالقصة القصيرة، حيث أصدرت في عام 1994مجموعتها القصصية الأولى «تشرين لم يزل» التي ترصد فيها تلك التفاصيل الإنسانية الصغيرة في عوالم المرأة والحياة والمجتمع، ثم صدرت لها بعد ذلك ثلاث مجموعات قصصية هي: «لوحات فسيفسائية»، «الأدرد» و»الرجوع الأخير». أما في مجال القصص العلمية الموجهة للأطفال فصدر لها ثلاث مجموعات قصصية هي: «عماد يحل اللغز»، «مغامرات جزيء الماء» و»عيون في الفضاء». ويُذكر أن مجدولين أبو الرب حاصلة على بكالوريوس في الكيمياء من الجامعة الأردنية عام 1985، وعملت في بداية حياتها العملية في التدريس، ثم انتقلت إلى وزارة الثقافة حيث عملت لسنوات رئيسة لقسم النشر، ومنذ عام 2013 وحتى الآن تعمل مديرة تحرير لمجلة «أفكار» التي تصدرها الوزارة. في هذا الحوار لـ»القدس العربي» تتحدث أبو الرب عن رحلتها مع الكتابة وعالمها:
■ ماذا نقرأ في هوية مجدولين أبو الرب؟
□ طفولتي وذكرياتي مرتبطة بمدينة الزرقاء التي استقرَّت فيها العائلة منذ عام 1966، وفيها تفتَّحت دهشاتي الأولى؛ ابتداءً باكتشافي لنهر الزرقاء المختبئ في سفح الجبل القابع خلف منزلنا، مرورًا بمشهد الباص الكبير الذي توقَّف أمام منزلنا في نكسة يونيو/حزيران 1967، ليتكدَّس المنزل بعشرات الأشخاص الذين مكثوا عندنا، وتحدّثوا بأحاديث لم أفهمها، لكن فهمت فقط أنهم بانتظار العودة إلى فلسطين. كان والدي أحمد جنديّا في الجيش العربي (الجيش الأردني)، وكان بطبيعة عمله يتنقل مع المعسكر بين مدن ضفتي نهر الأردن، فكان أن أنجَبَت أمي أمينة أبناءها وبناتها بحسب مكان المعسكر، فأنجَبَت أحدهم في جنين، وأخرى في معسكر خوّ، وفي الزرقاء، أما أنا فكان ميلادي في مدينة نابلس في الحادي عشر من ديسمبر/كانون الأول 1962.
■ لماذا نكتب؟
□ «متعة الحكاية» هي ما ورّطني بعالم القراءة والكتابة. أذكر في طفولتي صوت الجدَّة أو العمّة الساردة يتدفَّق بالحكايات في فضاء الليل الساكن الهادئ، كنتُ أستسلم لهذا التلقّي الساحر الذي يأخذني إلى عوالم خياليّة مفعمة بالتشويق. وفي مدينة الزرقاء في السبعينيات كانت أمي والجارات يصطحبن الأبناء والبنات إلى قاعات السينما، حيث حكايات جديدة، وفي أجواء ساحرة أخرى في ظلمةٍ حالكة تتَّحد فيها حدقة العيْن مع الأضواء الصادرة عن الشاشة الكبيرة التي كانت تدهشني، وتعزلني الظلمة ليبدو هذا العالم لي وحدي، لدرجة أنْ أفقد توازني لدقائق عند إنارة أضواء الصّالة. ثمّة مَشاهد ولقطات لم أفهمها إلّا بعد أن كبرت. ارتبط سحر الكتابة عندي بالدَّهشات الأولى للحياة، شغلني الإمساك بالأقلام والأوراق البيضاء وخوض مغامرات أتمتَّع فيها بقدرتي على إشادة عوالم من الحكايات. كنتُ أقلّد قصص «مكتبة سمير» فأمسك الصفحة البيضاء وأكتب في أسفلها جانبًا من الحكاية، وفي أعلى الصفحة أتمتع بأقلامي الملوّنة لأرسم لوحة تعبِّر عن المشهد الذي أكتبه، كان رسمًا رديئًا لكنَّه يعبر عن «شيء» ما.
لاحظت عبر مسيرتي كمعلمة للكيمياء أنَّ هناك مفاهيم علميّة لم تكن الطالبات قد تأسَّسن فيها تمامًا، وأن ثمّة وسيلة يمكنني فيها مساعدة الناشئة كي يتهيأوا لتلك المفاهيم ويتمثلوها كما ينبغي
■ في أيّ مرحلة توطدت علاقتك بالقصة؟
□ بدايتي الفعليّة كانت بعد تخرُّجي في الجامعة الأردنيّة، عندما أنهيتُ بكالوريوس الكيمياء. كنتُ أشعر بشحنات انفعالية وتوتر تجاه قضايا اجتماعيّة وإنسانيّة ووطنيّة، ومررتُ بمواقف حياتيّة وخبرات ولّدت عندي الفضول والرغبة في تشخيص السلوك البشري، وإضاءة الزوايا المعتمة من النفس البشريّة لنماذج تصادفها في الشارع والبقالة ومكان العمل، ربَّما بدون أن تستوقف أحدًا ليتأمَّل في أعماقها. وتيقّنتُ في تلك المرحلة من أنني أستطيع أن أصوغ كل ما أجابهه في قصص، لكنني لم أشأ أن تكون قصصي ردود أفعال أو صورًا فوتوغرافيّة تنقل الواقع كما هو، فالنماذج البشريّة والخبرات سكنت ذاكرتي وبقيَتْ ماكثة هناك، لينضج وعيي بها في ما بعد؛ ويتشكل في فن القصة القصيرة.
■ وماذا عن الكتابة للأطفال؟
□ في البداية، كتبتُ قصصًا للكبار، وما كنتُ أجرؤ على الاقتراب من منطقة الكتابة للطفل، حيث تصيبني رهبة من هيبة وذكاء ورهافة هذا الكائن الصغير الذي سأزِن الكلمة في قصَّته بميزان الذَّهَب، وخشيتُ، وابتعدت. لكن لاحظت عبر مسيرتي كمعلمة للكيمياء أنَّ هناك مفاهيم علميّة لم تكن الطالبات قد تأسَّسن فيها تمامًا، وأن ثمّة وسيلة يمكنني فيها مساعدة الناشئة كي يتهيأوا لتلك المفاهيم ويتمثلوها كما ينبغي، لتتوسَّع في مراحل متقدمة، فكان مشروعي الكتابي للطفل يتَّجه منحى قسريا لم أقاومه؛ القصص العلميّة للفتيان والفتيات. واستغرقت كتابتي لقصة «مغامرات جزيء ماء» بضع سنوات من المزاوجة بين الإبداع الأدبي والخيال العلمي الهادف، لإيصال مفاهيم علميّة بفنيّات أدبيّة، كتبتها في عام 1995، ولم أكن راضية، ثمّة خلل لم أدركه حينها، وبعد سنوات من تركي مهنة التدريس، عدتُ للمشروع عام 2009، وقرأتُ ما كتبت، فاستطعتُ أن أضع يدي على الخلل، لقد كان يطغى أسلوب الدَّرس (التقريرية والتلقين) على مواضع كثيرة من القصة، احتفظتُ بهيكلها الذي كنتُ راضية عنه، وأعدتُ صياغتها، وصَدَرَت القصة. ومن هنا كررت التجربة عندما كانت تلحُّ عليّ فكرة علميّة، وتتلبسني كي أوصلها للفتيان والفتيات بطريقة أدب الخيال العلمي، بل إن الأمر تجاوز ذلك عندما استوقفني التفكير العلمي عند علماء الكيمياء في التراث العلمي العربي الإسلامي، وما فيه من موضوعيّة ودقة وانفتاح على الآخر، وهو ما دفع بي لتأليف كتاب «التفكير العلمي عند علماء العرب والمسلمين» الذي صدر عن وزارة الثقافة الأردنية عام 2017 ضمن منشورات عمّان عاصمة الثقافة الإسلامية.
نعم أنا قاصة، ولكن خلفيتي العلمية في الكيمياء التي أحبها تلح عليّ وتأخذني إلى منحى أدب الخيال العلمي الموجَّه للفتيان والفتيات، أنا لا أصنف نفسي هنا أو هناك، لكن أكتب ما يستفزني ويلحّ عليّ، ليصير هاجسًا، فيخرج بالشكل الأدبي الذي تحتِّمه الحالة الإبداعيّة بتلقائيّة وصدق، بدون أن تشغلني مسألة التصنيف.
■ منذ عام 2013 وحتى الآن تعملين مديرة تحرير مجلة «أفكار» الشهرية التي تصدر عن وزارة الثقافة الأردنية. هل لكِ أن تحدّثينا عن هذا الجانب؟
□ أنا فخورة بذلك، وهذا الفخر ليس من باب الزَّهو كوني أوّل امرأة تتقلّد هذا المنصب منذ صدور العدد الأوّل من المجلة في يونيو/حزيران 1966، لكنني أزهو بـ»أفكار» نفسها، ولي أسبابي. فإذا استثنينا توقُّف المجلة عن الصدور عند نشوب حرب يونيو 1967 ولمدة عامين تقريبًا، إلا أنها استمرَّت في الصدور بانتظام مذاك وإلى يومنا هذا، بدون أن ينال الزَّمن من صباها، محتفظةً ببصمتها الفكريّة الثقافية الجادّة، على الرغم ممّا شهدته من تجريب وتجديد في الشكل والمضمون، وكان ديدنها التنوير والمحاولات الدائمة للارتقاء بمضامينها وجماليّات شكلها، وربّما في فترة عملي مديرة تحرير لمجلة «أفكار» شهدَتْ المجلة زخمًا من حيث التغيير والتجديد، فكانت محاولات للارتقاء جماليًا بشكل المجلة، الذي رافقه في المحتوى إدخال باب الفنون عام 2015 ليكون بابًا ثابتًا من أبواب «أفكار»، بعد توقُّف مجلة «الفنون» عن الصدور في الوزارة. ثم في بداية 2019 أضيف باب «تراث» بعد توقُّف مجلة «الفنون الشعبيّة» الصادرة عن الوزارة أيضًا. لـ»أفكار» حضور متميز في الساحة العربية، بما تقدمه من مواد ثقافية وفكرية وملفات متخصصة، وهي المركب الذي يجمع الحروف العربيّة المسافرة، فمن الأسماء العربية التي نشرت في «أفكار» في ستينيات القرن الماضي: أدونيس، بلند الحيدري، زكي نجيب محمود، صلاح عبدالصبور، فاخر عاقل، بنت الشاطئ… وفي العدد 15 إبريل/نيسان 1972 قال نجيب محفوظ في مقابلة للمجلة: «أعجبتني مجلة أفكار، ولا اقتراح لي عليها إلا مزيدًا من النقد».
■ إلى أي حدّ تحضر ذات الكاتبة، وإلى أي مدى نهلتِ من تجاربك الحياتية في كتاباتك الإبداعية؟
□ ثمّة قصص فيها انعكاس لتجارب عشتها وكانت تعبيرًا عن انفعالات ومشاعر بقيَت تلحّ علي كي أكتبها، في هذه القصص تحضر ذاتي بقوّة، ولكنني حريصة وحذرة كي لا يكون ذلك السرد على حساب تكنيك القص وجمالياته، هذا الأمر مهم جدًا عندي. وثمّة قصص أخرى عن آخرين في الواقع والمتخيّل، وفيها تتوارى ذاتي تمامًا، وفي الحالتين أنا لا أكتب كما الصورة الفوتوغرافية، فلا أنقل عنها، وأكون حريصة على أن لا أتدخل في لغة شخوصي وتلقائية حركتهم، بل أترك لهم الحرية، لذلك ترى تعدد مستويات الخطاب وانسيابية الشخوص التي أتقمصها حدّ التعب.
عدد المتخصصين بالنقد قليل، وكثير ممّن يكتبون في النقد هم كُتّاب يُبدون وجهات نظر (مشكورين طبعًا) قد تصيب وقد تخيب.
■ ما علاقة النص القصصيّ بمرجعه الواقعيّ؟
□ العمل الإبداعي لا يكتمل ما لم يتكئ على التجربة والمعرفة، فالخيال وحده لا يكفي. المبدع لا يستطيع أن يتجاهل الهمّ الإنساني والوطني والاجتماعي، لكن المطبّ الذي يقع فيه بعضهم عندما ينقلون الواقع كما هو على حساب ما هو إبداعي وجمالي في النص القصصي، فيغدو النص أقرب إلى تقرير أو هتافات وشعارات، وحتى لو لاقى استحسان العامّة التي تنفعل بها وتفرح، ثمّة مقومات جماليّة للإبداع ومتطلبات من الوعي والثقافة والمعرفة التي تعطي مصداقية للعمل، فالمغالطات المعرفيّة تقلّل من قيمة أيّ نص.
■ في رأيك، إلى أي حد يرصد الكاتب حركة المجتمع؟ وإلى أي مدى يمكن أن يحدث تغييرًا في مجتمعه؟
□ نقرأ أعمالًا تحاول أن ترصد حركة المجتمع، وتحاول أن تقدم تشخيصًا وتفسيرًا له، في محاولة منها لإحداث الفرق والتغيير، لكن للأسف تفتقر بعض هذه الأعمال إلى الرؤية والمعرفة، ويبقى العمل سطحيًّا في طرحه، عندما لا يجري الكاتب حفريات معرفيّة ذات علاقة بعمله، أو يظن أنه فعل، لكن بالكاد لامس معوله السطح.
في رأيي، الشرط الأوَّل ليُحدِثَ الأدب تغييرًا في المجتمع هو نجاح العمل الأدبي نفسه كما أشرت، والشرط الثاني هو وصول العمل لأفراد المجتمع، وهم المستهدفون لأيّ عمل أدبي، ولا يمكن أن نلمس أثرًا للأعمال الأدبيّة والفكريّة ما لم تنتشر بشكل مؤثر؛ وعليه لا يمكن أن يُحدث الأدب فرقًا في مجتمع أفراده أميّون أو لا يهتمّون بالقراءة كونهم مستهلكين ومنشغلين بتفاصيل حياتهم اليوميّة. في هذه الحال يكتب الكاتب لنفسه ولنخبة ضيّقة من المثقفين والمهتمّين، وحتى ولو كان هذا الأدب ناضجًا فنيًّا ومنشغلًا بأهم قضايا الإنسان العربي، فهو ضمن السياق السابق لن يُحدِث التغيير المنشود.
■ هل لدينا حركة نقدية؟ وكيف تنظرين إلى النقد الذي تناول تجربتك، وهل من أثرٍ له في النص الذي تكتبينه؟
□ للأسف فإنَّ عدد المتخصصين بالنقد قليل، وكثير ممّن يكتبون في النقد هم كُتّاب يُبدون وجهات نظر (مشكورين طبعًا) قد تصيب وقد تخيب. كما أنًّ بعض النقاد توقف في معرفته عند متطلبات شهادته الأكاديمية، بدون اهتمام بالحاضنة التي ينمو النقد فيها وينضج، تلك الحاضنة التي لا تكتفي بمعرفة مدارس النقد ومصطلحاته، ولكن تتضمن بالإضافة لذلك ثقافة رفيعة حول المعارف الفلسفية والنفسية وغيرها.
النقد الأدبي مقصر في مواكبة الحركة الأدبيّة، مع أنَّ بعض «النقاد» يتناولون الإصدارات الجديدة، لكن هذا يتم بكمٍّ قليلٍ وانتقائيّ. أمّا على صعيد تجربتي، فقد استفدتُ من الآراء النقديّة لمتخصصين وكُتّاب زملاء وقرّاء عاديين.
بزمن يكثر به الكاتبون بالتبعية تبقى الكاتبة بالأصالة هي مجدولين أبوالرب ♥️♥️
أحبائي
النقد الادبي في وطننا العربي في هذا الزمن زائف ومقيد واسير
الناقد قد يكون كاتبا فاشلا لم يطاوعه الإبداع فسعى الى التغيير
والغالبية العظمى من النقاد على الساحة تكتب بالهوى والمصلحة وليس العلم والمنهج والضمير
الناقد قد يكتب عن أعمال شلته أو عمن يروقون مزاجه أو لمن يكون بيدهم مقاليد الأمور والمصير
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه…واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات…رئيس مركز ثقافة الألفية الثالثة
استاذنا الأديب الكبير جمال بركات
النقد الأدبي مهم جدا لكنه في وطننا العربي عملة نادرة
اما العملة التي تغرق أسواق الندوات الأدبية والصفحات الثقافية فهي العملة الزائفة
تحياتي وتقديري