القاهرة انشغلت بالمهرجانات والسينما الفلسطينية ظلت في المواجهة وهوليوود دعمت أفلام العنف

كمال القاضي
حجم الخط
0

الأحداث والوقائع التي تواترت سريعاً خلال عام 2021 ربما لم تحمل في طياتها ما يُضيف جديداً مُبهجاً للأرشيف الفني والإبداعي المصري والعربي، فقد تأثرت كل الفعاليات في العالم بوباء كورونا، ولم يُمثل ما تم تقديمه خلال العام غير بعض التحديات الشجاعة للحيلولة دون توقف النشاطات بالكامل. حيث عملت غالبية المؤسسات بنصف طاقاتها التزاماً بتعليمات مُنظمة الصحة العالمية، ما أدى إلى تحجيم الفعاليات.
وكان الأبرز في الأحداث هو ذلك التفاعل الذي ارتبط بالمواسم الفنية السنوية، كشهر رمضان الذي شهد تصوير وعرض عدد غير قليل من المُسلسلات الجيدة منها «خلي بالك من زيزي» بطولة أمينة خليل ومسلسل «هجمة مُرتدة» بطولة أحمد عز وهند صبري ومسلسل «القاهرة-كابول» وغيرها، وذلك لتعويض الفاقد في النشاط السينمائي الذي تراجع وكاد أن يُمثل خطورة حقيقية على مُستقبل الصناعة السينمائية في مصر، لولا بعض المُغامرات التي قامت بها نسبة قليلة من شركات الإنتاج للحفاظ على ثباتها في السوق المحلية، إضافة إلى المُبادرات الفردية من المُهتمين بالأفلام القصيرة والتسجيلية الذين ملأوا الفراغ ببعض التجارب الجديدة المهمة فأحدثوا توازناً لا بأس به لإشباع رغبة الجمهور في مشاهدة الجديد من الأفلام بغض النظر عن مستواها الفني.
وبتأثير التوافر في كميات ونوعيات الأفلام الروائية القصيرة وغيرها من التسجيلي والوثائقي نشط التفاعل الإلكتروني عبر منصات العرض والمشاهدة التي حلت محل دور السينما وأعادت الجمهور مرة أخرى إلى المُتابعة والتركيز في المُختلف والمُثير والمُمتع، وبناءً على النتائج التي تحققت نشط إنتاج الأفلام الروائية بعد الركود الطويل وشاهدنا نماذج من أعمال متنوعة في المستوى والذوق، كفيلم «200 جنية» و«الإنس والنمس» و«العارف» و«مش أنا» و«أحمد نوتردام» و«موسى وديدو» و«المحكمة» و«ريش» هذا بخلاف نوعيات أخرى من الأفلام التجارية القائمة موضوعاتها على خلطة الكوميديا والأكشن المُستساغة لدى الشباب.
وعن القضايا الفنية والاشتباكات التي وقعت خلال السنة المُنقضية كان الأوضح منها تلك الزوبعة التي أثارها المطرب هاني شاكر نقيب الموسيقيين بعد صدور قرار النقابة بمنع عدد من المطربين الشعبيين من الحصول على تصاريح بالغناء، الأمر الذي انقسم حياله الرأي العام المصري بين مؤيد ومُعارض.
ولا شك في أن كثرة المهرجانات الفنية كان لها صدى على مستويات نقدية واسعة، فهناك من أيدها بوصفها انعكاساً إيجابياً للتفاعل الثقافي ودليلاً على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، بينما يوجد من يرى فيها مُبالغة وإسرافا لأنها لا تُضيف جديداً ولا تُعتبر دليلاً على النجاح، فالأولى بحسب وجهة النظر المُعارضة هو الاهتمام بالعصب الحقيقي للثقافة المصرية وتنشيط حركة الطباعة والترجمة وإضاءة قصور الثقافة الخاوية على عروشها في الأقاليم المنسية بالتفاعلات الثقافية البناءة بدلاً من تبديد الميزانيات في المظاهر الشكلية العارضة.
وهذا الكلام تم الرد عليه من قبل بعض المسؤولين بإقامة المزيد من المهرجانات والاحتفالات والكرنفالات كمهرجان الإسكندرية وأسوان وشرم الشيخ والبحر الأحمر والقاهرة ومهرجان الموسيقى العربية والمسرح وخلافه، بجانب اهتمام آخر بمهرجانات غير رسمية كمهرجان الجونة الذي اكتسب شهرة واسعة بفضل الإنفاق السخي عليه من جانب رُعاته واحتوائه لكبار النجوم المصريين والعرب والأجانب.
وقد شغل الحدث الثقافي الكبير المُتمثل في معرض القاهرة الدولي للكتاب هامشاً من اهتمام القيادات الثقافية، فقد شهد خلال دورته الماضية نظاماً جديداً في الشكل والمضمون وآلية دخول الزوار وتعدادهم وفق ما أوصت به وزارة الصحة في حينه للمُحافظة على سلامة المواطنين، الأمر الذي أثر على نسبة الحضور وقلل من عمليات بيع الكتب فحتم على وزارة الثقافة مراعاة دور النشر الخاصة في مسألة التكلفة بتخفيض نسبة الرسوم، ولكن برغم محاولة تخفيف الأعباء المالية على الناشرين ظلت الشكوى قائمة وانتهت الدورة نهاية غير مُرضية للأطراف المُشاركة بمن فيهم المثقفون الذين عزف الكثير منهم عن ارتياد المعرض وزيارة أجنحته، خاصة في ظل غياب الندوات والمناقشات وافتقاد الجو التفاعلي المعهود بين المُبدعين والجمهور كعادة كل عام.
وفي سياق التغلب على المُشكلات المالية التي تواجه مُعظم المُنتجين ظهرت بوادر التعاون المُشترك قبل نهاية السنة بين شركة نتفليكس للإنتاج الفني ومحمد حفظي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي لتوفير التغطية المالية اللازمة للأنشطة المُتصلة بالاحتفالية السنوية الكبرى، وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى سابقة الإنتاج المُشترك بين حفظي ونتفليكس في مسلسل «ما وراء الطبيعة» منذ ما يقرب من عامين، وقد أدى نجاح المسلسل إلى تعزيز الثقة بينهما والتي من المتوقع أن تُسفر عن إنتاج أعمال أخرى في المستقبل القريب.

فعاليات عربية

من بين الفعاليات العربية المُهمة التي جرت خلال العام 2021 انطلاق عدة مهرجانات سينمائية فلسطينية كمهرجان القدس السينمائي للإعلام الرقمي والذي استضاف أكثر من عشرين دولة عربية وأجنبية للمُشاركة بمجموعة أفلام صُنعت خصيصاً للدفاع عن مدينة القدس والتوعية بتاريخها وأهميتها الحضارية، فضلاً عن التأكيد على هويتها العربية كعاصمة أبدية لفلسطين.
وهذا المهرجان أقيمت دورته الأولى بشكل استثنائي عبر وسائل التواصل التكنولوجي أونلاين تحسباً لأية أضرار صحية يُمكن أن تنتج بسبب الاختلاط، وهي ذاتها شروط الوقاية التي فرضت نفسها على مهرجان العودة للسينما المُدافعة عن القضية العادلة.
وقد انطلقت أيضاً في تزامن قريب مع مهرجان القدس الدورة الرابعة من مهرجان تازة المغربي لسينما المقهى برئاسة بهاء عزيز وتمت الفعاليات في بداية السنة الفائتة بالطريقة الإلكترونية مع احتفاء كبير بالسينما المغربية والعربية، حيث بدأت الفعاليات في حفل الافتتاح بالفيلم التسجيلي المصري «الألفاط» للمخرج حلمي ياسين، الذي عرض صوراً حية لمراحل صناعة مراكب الصيد الصغيرة، وتعني كلمة الألفاط عملية سد الفراغات بين ألواح الخشب في المراكب لعدم تسرب المياه إلى الداخل وحمايتها من الغرق.
وكذا كان للسينما المغربية نصيب من الحضور في المشهد العربي الدولي عبر مهرجانها التربوي المتميز لسينما الأطفال الذي أفتتح دورته الأخيرة بفيلم «فوتغراف» كما انطلقت الدورة الرابعة عشر من مهرجان سلا لسينما المرأة بالمغرب العربي بفيلم «الأمر الإلهي» الذي ناقش جوانب إنسانية مهمة تتعلق بواقع المرأة العربية.

السينما العالمية

وللسينما العالمية كما هو معروف تأثير كبير على الجماهير في مختلف الدول، ولأن الصناعة السينمائية الأمريكية هي الأقوى اقتصادياً فهي أيضاً الأقوى من حيث التأثير، لا سيما بين الشرائح العُمرية الصغيرة، ولذلك تركز هوليوود دائماً على أفلام الأكشن لاستقطاب أكبر عدد من الجمهور المُستهدف كي تحصد أفلامها النوعية أكبر عائد من الإيرادات، وفي ما يلي نماذج من الأعمال الأكثر ربحية خلال العام الماضي.
لقد شهد عام 2021 عودة أفلام جيمس بوند بالفيلم رقم 25 في سلسلة بطولات النجم الشهير دانيال كريج تحت عنوان «لا وقت للموت» مع الممثل العربي الشاب رامي مالك وآنا دي أرامس وكريستوفر والتر، وهذا الفيلم كان قد تأجل عرضه لمدة طويلة نتيجة التحذير من كورونا الأمر الذي سبب خسارة كبيرة لهوليوود طوال فترة الحظر السينمائي، ويُضاف فيلم جيمس بوند إلى أفلام عالم مارفيل التي شهدت أيضاً عودة النجمة سكارليت جوهانسون التي قدمت فيلم «الأرملة السوداء» مع ريتشل ويز وديفيد هاربر، وهذا الفيلم تكررت معه نفس أزمة التأخير التي تسبب فيها الوباء، لكن كان إبهار بوند أكبر من إحجام الجماهير عن المُشاهدة.
ويأتي فيلم «القديس مود» ضمن أفلام الرعب التي لاقت نجاحاً كبيراً، حيث لعبت البطلة مورفيد كلارك دور ممرضة ترعى إحدى المريضات، ولكنها أثناء أداء مهمتها تُصاب بحالة نفسية وتتلبسها روح مُرعبة فتتحول إلى كائن مُخيف عندما تتعرض لمواقف مهينة أو مضايقات، والفيلم السيكولوجي المُركب من تأليف وإخراج روز جلاس.
أما فيلم «الحُفرة» فهو نوعية خاصة من القصص السينمائية الأمريكية تُشير إلى عالم المومياوات والآثار ويمثل الفيلم عودة إلى الماضي البعيد بما فيه من غرائب وأسرار، وتهدف فكرته الرئيسية إلى ضرورة أن يعيش الإنسان كل لحظاته القصيرة باستمتاع.
ومن أفلام الأكشن المُختلفة والمهمة للنجم ميل جيبسون فيلم «مستوى الزعيم» الذي شاركته فيه البطولة النجمة ناعومي واتس وفرانك جريلو، وهذا الفيلم حاز إعجاب النقاد وتقدم على أفلام أخرى كثيرة من حيث الجودة والقُدرة على الإثارة والحركة والإبهار الشديد الذي تتميز به هوليوود.
وقد نافس فيلم «لا أحد» خلال الموسم السينمائي الماضي بقوة الأفلام الكبرى ذات الإنتاج المُرتفع فاعتُبر ضمن الأفلام الجماهيرية استناداً إلى شعبية بطله الممثل التلفزيوني الشهير بوب أودينكيرك الذي اعتاد تقديم شخصية المحامي المُنحرف ونجح فيها فتأهل للبطولة السينمائية المُطلقة في هذا الفيلم لأول مرة والذي تدور أحداثة في جو مُثير حول الخوف من نزول كائنات فضائية إلى الأرض تفني الجنس البشري وتُنهي الحضارة الإنسانية.
أما توم كروز فقد قدم الجزء السابع من فيلم «مهمة مُستحيلة» المأخوذة أحداثة عن رواية الكاتب لي تشايلد «طلقة واحدة» مع ريبيكا فيرغسون وفانيسيا كربي وروزا موند بايك، وبفضل الشعبية الكاسحة للنجم العالمي توم كروز حقق الفيلم إيرادات مُرتفعة ووضع ضمن قائمة أهم الأفلام لسنة 2021.

السينما الفرنسية

وتصدرت سلسلة أفلام ركوب الأمواج وهي نوعية مهمة من الأفلام الوثائقية الفرنسية المشهد السينمائي، حيث تفوقت على السينما الروائية الطويلة باستقطابها لنسبة كبيرة من الجمهور الشغوف بممارسة رياضة ركوب الأمواج وهي رياضة تتسم بالقوة العضلية والثبات الشديد فوق الزلاجات.
أما الفعاليات السينمائية في فرنسا فقد استغلت المنصات الإلكترونية لعرض أهم الأفلام الروائية الطويلة، حيث اهتم مهرجان بلدي السينمائي خلال فترة الحظر بعرض 100 فيلم من الأفلام الشهيرة للترويح عن الجمهور الفرنسي وتخفيف إحساسه بالقلق والتوتر، ومن بين الأفلام التي تم عرضها وحظيت باهتمام جماهيري بالغ على منصات التواصل الإلكتروني فيلم «الأسد» و«شباك التذاكر» و«الديكتاتور العظيم».
وهذا الملمح الإنساني يؤكد اختلاف السينما الفرنسية وصُناعها عن السينما الأمريكية وصُناعها وتجارها الذين يهتمون في المقام الأول بالعائد المادي الناتج عن أرباح أفلامهم التجارية على حساب القيمة الإبداعية والإنسانية، وهذا هو الفارق بين هوليوود، وغيرها من الدول الأخرى بما فيها بوليوود المؤسسة الهندية التي صارت تُنتج أفلاماً مهمة تهتم بالقضايا العامة وتعمل على تصحيح المفاهيم الفكرية كفيلم «kaagaz» وهو من تأليف سايتش كوشيك وبطولة بانكاج تريباثي ومونال ججار وعمار أوبادياي، وهذا الفيلم كان عنوانا لتفوق السينما الهندية في عامها المُنصرم، إذ مثل حُسن الختام الإبداعي للسنة الوبائية الكبيسة برغم الظروف القاسية.
راحلون:

تأثر الجمهور برحيل الفنانة رجاء الجداوي إثر إصابتها بكورونا وكذلك رحيل الزوجين سمير غانم ودلال عبد العزيز.
وجاءت وفاة الفنانة سهير البابلي لتصل حلقات الفراق الصعب وتجسد رد الفعل الجماهيري بشكل كبير.
ومن بين من رحلوا خلال العام وتركوا فراغاً فنياً وإبداعيا كبيراً الفنان عزت العلايلي الذي ساهم في إثراء السينما المصرية بأفلام فارقة في المستوى والنوع.
وكذلك هادي الجيار الفنان الذي ظلمته المقاييس التجارية للمُنتجين والمخرجين فظل يجتهد ليكون متواجداً على الساحة ومتميزاً في ما يقدمه.
ومن الأحداث الجسام التي شهدها العام وفاة المخرج الفلسطيني نصري حجاج في فيينا، وقد حظيت مسيرة المخرج الراحل وسيرته باهتمام إعلامي بالغ سلط الضوء مُجدداً على بعض أعماله السينمائية المُهمة وأعاد للأذهان محتوى مقالاته التي نشرها عن همومه الشخصية والعامة.
ورحيل المطرب السوري ذائع الصيت صباح فخري مُوجع، فصوته الذي كان يصدح في كل أرجاء العالم العربي قد سكت فجأة ليُعلن عن الخسارة الفادحة التي مُنيت بها الأغنية العربية الأصيلة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية