القاهرة ـ «القدس العربي»: واصل المسؤولون المصريون محاولة حشد رأي عام عالمي لمصلحة موقف بلادهم من أزمة سد النهضة، في ظل توقف المفاوضات منذ فشل الجولة الأخيرة برعاية الاتحاد الأفريقي في أبريل/ نيسان الماضي، إذ أكد وزير الري المصري، محمد عبد العاطي، أمس الثلاثاء، أن بلاده حريصة على استكمال مفاوضات سد النهضة، مع التأكيد على ثوابت مصر في حفظ حقوقها المائية وتحقيق المنفعة للجميع في أي اتفاق حول السد، مشددا على السعي للتوصل لاتفاق قانوني عادل وملزم للجميع يلبي طموحات جميع الدول في التنمية.
جاء ذلك، خلال استعراضه تطورات قضية مياه النيل والموقف الراهن إزاء المفاوضات الخاصة بسد النهضة الإثيوبي، في اجتماع مع وفد أممي وأوروبي وعدد من السفراء.
وحضر الاجتماع كل من إلينا بانوفا، المنسق المقيم للأمم المتحدة في مصر، وسيلفان ميرلن، القائم بأعمال الممثل المقيم لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر، وبحضور ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وسفارات الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، ألمانيا، هولندا، وفنلندا.
وشدد وزير الري على أن «سد النهضة الإثيوبي وتأثيره على مياه نهر النيل يُعتبر أحد التحديات الكبرى التي تواجه مصر حاليًا، خاصة في ظل الإجراءات الأحادية التي يقوم بها الجانب الإثيوبي فيما يخص ملء وتشغيل سد النهضة، وما ينتج عن هذه الإجراءات الأحادية من تداعيات سلبية ضخمة».
وقارن بين إمكانيات بلاده من المياه وإمكانيات إثيوبيا، قائلا إن «إثيوبيا تمتلك 100 مليون رأس ماشية، تستهلك 84 مليار متر مكعب سنويا من المياه، ما يساوي حصتي مصر والسودان مجتمعتين من نهر النيل، وإن حجم المياه الخضراء (مياه الأمطار) في إثيوبيا يصل إلى أكثر من 935 مليار متر مكعب سنويا من المياه، وإن 94 في المئة من أراضي إثيوبيا خضراء، في حين تصل نسبة الأراضي الخضراء في مصر إلى 4٪ فقط».
وزاد : «بالإضافة لاستهلاكها للمياه الزرقاء والمخزن منها 55 مليارا في بحيرة تانا و10 مليارات في سد تكيزي و3 مليارات في سد تانا بالس، و5 مليارات في سدود فنشا، وشارشارا ومجموعة من السدود الصغيرة بخلاف 74 مليارا في سد النهضة».
وأوضح أنه «تتم زراعة 3 ملايين فدان زراعة مروية، بالإضافة إلى 90 ملايين فدان زراعة مطرية، بالإضافة لإمكانيات المياه الجوفية في إثيوبيا بإجمالي 40 مليار متر مكعب سنويا، وتقع على أعماق من 20-50 مترا فقط من سطح الأرض، وهي عبارة عن مياه متجددة، في حين تعتبر المياه الجوفية في صحارى مصر مياها غير متجددة».
أزمة مياه
ولفت وزير الري المصري إلى «أزمة المياه التي تشهدها بلاده» قائلا إن «معظم الموارد المائية المتجددة تأتي من مياه نهر النيل، بالإضافة لكميات محدودة للغاية من مياه الأمطار والمياه الجوفية العميقة في الصحارى».
وأكد أن «حجم العجز بين المتاح والاحتياج الفعلي تصل نسبته إلى 90 ٪ من الموارد المتجددة، وأن تعويض هذه الفجوة يتم من خلال إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي والمياه الجوفية السطحية في الوادي والدلتا، بالإضافة لاستيراد منتجات غذائية من الخارج».
وتناول في كلمته التحديات التي يواجهها قطاع المياه، وعلى رأسها الزيادة السكانية التي تُمثل تحديا رئيسيا للموارد المائية، ما يُمثل ضغطا كبيرا على الموارد المائية.
جهود مضنية
وأوضح أن «هذه التحديات تستلزم بذل مجهودات مضنية لمواجهتها سواء على المستوى المجتمعي، من خلال وعي المواطنين بأهمية ترشيد المياه، والحفاظ عليها من كافة أشكال الهدر والتلوث، أو على المستوى الحكومي من خلال العديد من المشروعات الكبرى التي تقوم الدولة بتنفيذها، أو من خلال التطوير التشريعي».
أكدت الحرص على استكمال المفاوضات والتمسك بحقوقها المائية
ولفت إلى «قيام مصر بإعداد استراتيجية للموارد المائية حتى عام 2050، لمُواجهة التأثيرات السلبية للتغيرات المناخية، وما ينتج عنها من زيادة في حِدة العواصف البحرية، وارتفاع منسوب سطح البحر، ووضع خطة قومية للموارد المائية حتى عام 2037 بتكلفة تصل إلى 50 مليار دولار من المتوقع زيادتها إلى 100 مليار دولار، وتعتمد على 4 محاور تتضمن ترشيد استخدام المياه، تحسين نوعية المياه، توفير مصادر مائية إضافية، وتهيئة المناخ للإدارة المثلى للمياه».
«خبرات وطنية»
وتابع: «مصر لديها خبرات وطنية مُتميزة في مجال الموارد المائية والري، الأمر الذي يُمكنها من التعامل مع مثل هذه التحديات بمنتهى الكفاءة» لافتا إلى أن «موارد مصر المائية المُتجددة من المياه، محدودة، ومُعظمها يأتي من مياه نهر النيل».
وعن مشروع الربط الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط، الذي يستهدف تحويل نهر النيل إلى شريان ملاحي يربط بين دول حوض النيل، قال عبد العاطي إنه» يُعد مشروعا إقليميا حيويا يجمع دول الحوض».
وأشار إلى أن «النقل النهري بين الدول يُعتبر من أفضل الوسائل القادرة على نقل حركة التجارة بمختلف أنواعها وأحجامها بتكلفة مُنخفضة واستهلاك أقل للطاقة ومُعدلات أمان أعلى مقارنة بوسائل النقل الأخرى».
السفير أحمد إيهاب جمال الدين، مندوب مصر الدائم لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف، قال إنه «على الرغم من أن مصر ليست طرفاً في الاتفاقية حماية واستخدام المجاري المائية والبحيرات الدولية، إلا أنها شاركت في الاجتماع حرصاً منها على أهمية الوجود في كافة المحافل الدولية التي تتناول قضايا المياه من أجل عرض عدالة القضية المصرية».
جاء ذلك خلال اجتماع الدول الأطراف في اتفاقية حماية واستخدام المجاري المائية والبحيرات الدولية لعام 1992، الذي عقد في جنيف أمس الأول الإثنين.
تهديد السلم الدولي
جمال الدين قال إن «بيان مصر خلال تلك الجلسة أبرز أن الخلافات المتعلقة باستخدامات المجاري المائية العابرة للحدود والتوجهات الأحادية المرتبطة بذلك قد يكون من شأنها أن تشكل تهديدا للسلم والأمن الإقليمي والدولي، ما يُزيد من خطورة الوضع تفاقم أزمة ندرة المياه، وزيادة الطلب على الموارد المائية، فضلاً عن آثار ظاهرة تغير المناخ، وهو الأمر الذي يُهدد حياة الملايين من البشر وسبل عيشهم وأمنهم الغذائي». وأضاف: «مصر أكدت أنها من أكثر دول العالم التي تُعاني من ندرة المياه وارتفاع الكثافة السكانية، بما يجعلها أكثر عرضة للمخاطر المشار إليها، ولدينا إيمان بأن التعاون الفعّال في مجال الموارد المائية العابرة للحدود يعتبر شرطاً أساسياً للحيلولة دون تفاقم الأزمات».
وزاد: «ذلك يتطلب توافر إرادة سياسية حقيقية لاحترام مختلف مصالح الدول الأخرى واحتياجات سكانهم المعتمدين بشكل خاص على المورد المائي، فضلاً عن الانخراط في مفاوضات حقيقية بحسن نية مع التزام الدول بضمان عدم تسبب الأنشطة التي تتم داخل نطاق اختصاصها الإقليمي في ضررٍ للدول الأخرى المعنية».
واستعرض المندوب الدائم الوضع المائي لمصر، وجهودها في مجال التعاون في المياه العابرة للحدود، مبرزاً أهمية احترام مبادئ القانون الدولي ذات الصلة والمعاهدات القائمة بشأن تقاسم واستخدام المياه، مسلطاً الضوء على آثار السدود الكبرى وضرورة التزام الدول بالتعاون والتشاور والتفاوض بحسن نية والابتعاد عن الإجراءات الأحادية لضمان تفادي وقوع الضرر.
وسائل التفاوض
ولفت كذلك إلى أن انخراط مصر في عملية تفاوضية امتدت لعشرة سنوات بشأن سد النهضة، إنما يوضح بجلاء التزامها بالوسائل السلمية لتسوية الخلافات، وأن مصر ستستمر في اللجوء إلى وسائل التفاوض والوساطة والمنظمات الإقليمية والدولية المعنية، مؤكدا أهمية اضطلاع المجتمع الدولي بمسؤولياته في هذا الصدد.
وأشار جمال الدين إلى أن مؤتمر مراجعة منتصف المدة لعِقِد المياه المُقرر عقده في 2023 يعتبر فرصة هامة لمعالجة هذه القضايا وتحقيق نهج أكثر فعالية لمواجهة التحديات الجذرية التي تعيق التعاون العابر للحدود.
وكان مجلس الأمن الدولي أصدر الشهر الماضي، بيانا يدعو أطراف سد النهضة إلى العودة للمفاوضات، معتبرا أن مجلس الأمن ليس جهة الاختصاص في النزاعات الفنية والإدارية حول مصادر المياه والأنهار.
ودعا المجلس أطراف النزاع (مصر والسودان وإثيوبيا) إلى استئناف المفاوضات، مشددا على ضرورة العودة إلى اتفاق المبادئ الذي تم توقيعه عام 2015، كما دعا المجلس الدول الثلاث إلى المضي قدما وبطريقة «بناءة وتعاونية» في عملية التفاوض بقيادة الاتحاد الأفريقي.
وفشلت مصر والسودان وإثيوبيا على مدار 10 سنوات من التفاوض في الوصول إلى اتّفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة وضمان حقوق كل بلد في مياه النيل.
…ماشية أثيوبيا أولى …المياه الأثيوبية يستهلكها الأثيوبيون ومواشيهم…والباقي حتى يصدر أويأذن الرعاء….ماشية أثيوبيا تملك الحصانة…..