دمشق ـ «القدس العربي»: الطريقُ المؤدّي إلى السيدة زينب في ريف دمشق، لفظ عنه الإجراءات الأمنية المتشددة ونقاط التفتيش. عاد الدمشقيون والزوّار المقبلين من المحافظات السورية كلّها، إلى دخول تلك المنطقة عبر الطريق المعهود، الذي كان أشبه بمنطقة عسكرية مقفلة بالسواتر الترابية والدُشم والحواجز الأمنية. وبعد أن كان الوصول إلى المقام المذكور يستغرق قرابة ساعةٍ كاملة نتيجةَ الحواجز والإجراءات، أصبحت الرحلةُ من العاصمة القديمة دمشق إلى المقام لا تستغرق أكثر من 20 دقيقةً.
لا نقاط تفتيش
حواجزُ النظام والميليشيات الإيرانية على الخطّين، أزيلت بالكامل. مظاهرُ نقاط التفتيش هُدّمت، بينما تواصل جرافات وشاحنات بلدية المنطقة برفع السواتر الترابية وإزاحة العوارض الحديدية وغُرف الحراسة المزروعة على الخطّين والمزيّنة بصور الرئيس المخلوع بشار الأسد وأركان النظام.
ومعالمُ المعارك والرصاص على جُدران الأبنية والمحلات ما زالت حاضرة، كما إن الدمار الذي خلّفتها المعاركُ منذ بداية الثورة السورية في العام 2011 ما زالت حاضرةً هي الأخرى.
وقبل بلوغ المقام، تستقبل العابرين أبنيةٌ ممهورة بالرسومات والرموز الإيرانية، وقد أصبحت مهجورةً بالكامل. إذ يبدو أنّ عناصر الميليشيات الإيرانية كانت تشغلُها من أجل التمركز في محيط المقام، الذي غابت عن محيطه المظاهر المسلحة من جميع الأطراف، بخلاف ما أُشيع في اليومين الفائتين عن محاولةِ اقتحام المقام على يد مسلحين من جماعة المعارضة السورية و«حكومة الإنقاذ».
حراسةُ المقام، إذا صحّ تسميتها «حراسة» اقتصرت على بعض سكان المنطقة المحليين (شيعة من الجنسية السورية) الذي وقفوا عند المدخل من أجل تسهيل عملية دخول الزوار بكل هدوء واحترام. يقول محمد (33 سنة) لـ “القدس العربي» وهو طالب محاماة في جامعة حلب إنّهم من سكان نبلّ والزهراء، انتقل خلال الثورة للعيش في منطقة الست زينب مع عائلته: «ذهبت جماعةُ إيران وحزب الله قبل أيام. لم يعد لهم تواجد هنا على الإطلاق. حلّ مكانهم جماعة الهيئة (هيئة تحرير الشام) الذين حضروا وأعطوا الأمان لسكان المنطقة وأكدوا عدم تعرضِ أي أحد لهم، واشترطوا عدم الظهور بالسلاح إلى أن تتم عملية ترتيب هذا الأمر، وتسليمه للسلطات السورية واللجان الشعبية في الأيام المقبلة».
فصائلُ المعارضة تطمئن الأهالي وترفض الظهور المسلّح
وحول الحديث عن وقوع صدامات ومحاولة اقتحام المقام أو تدنيسه، أكد محمد أنّ بعض «العفيشة» (السارقون) «حضروا أول أمس محاولين السرقة، فتصدى لهم شبان المنطقة فتركوا المكان بعد أن حاولوا التسلل إلى سطح المقام من الجهة الخلفية».
ويعتبر محمد أن لا ذيولاً سياسية لهذا الحدث، حاصراً الأمر بصفة «الإشكال الفردي العابر». ويؤكد كذلك أنّ «المتواجدين في محيط المقام، اليوم، هم من الجنسية السورية وليس هناك أيّ جهة أجنبية عن المنطقة» كما يرد على تلك الشائعات موجّهاً حديثه لمناصري إيران و«حزب الله» بالقول: «أتمنى عليهم الكفّ عن بثّ الشائعات وإثارة الفتن. فلتتركوننا بسلام اليوم بعد أن سقط النظام. ألم يكفهم ماذا فعلوا بنا بنسبنا إليهم زوراً؟».
هدوء وسلام
يتقدم سمير جعفر (50 عاماً) من ضريح السيدة زينب، ويطلب الحديث لـ “القدس العربي» من أجل التعبير عن وجهة نظره حيال الشائعات المفترضة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي حول الاشتباكات المفترضة.
ويقول: «أنا من منطقة نبّل الحلبية. الوضع هنا بكل أمانة يسوده الهدوء والسلام والتسامح. جماعةُ «هيئة التحرير» الذي تولوا الأمن في المنطقة يتصرفون بقدرٍ كبير من المسؤولية. بعض الحوادث التي وقعت في اليومين السابقين فردية وتُمثّل أشخاصاً عددهم محدود وقد تمّ ضبطهم».
ويتابع: «لم نلاحظ أيّ خلافات سياسية، عملية التسلم والتسليم حصلت في الأيام السابقة بكل سلاسة، وتم التعاطي مع الموظفين الحكوميين باحترام، كما طُلب منهم متابعة أعمالهم المدنية كالمعتاد. بلدنا بخير ونستاهل المحبة والتعاون لنعيش معاً بكرامة واحترام».
ويضيف: «لا اعتداءات هنا، ولا أحد يتعرض لأحد. نتمنى من السوريين التكاتف من أجل بناء ِسوريا حرّة حديثة، الشعب يمتلك الوعي الكافي من أجل الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر».
خلال الحديث مع جعفر، كان محمد يتوجّه إلى المدخل، من أجل مساعدة رجل إيرانيّ مُقعد على كرسيّ متحرّك، على بلوغ ضريح السيدة زينب. وما إن اقترب هذا الشخص من صحن الضريح الداخلي، حتى بدأ بالدعاء بأعلى الصوت وباللغة الفارسية. اقتربت منه عدسات الكاميرات الخاصة بالصحافيين الأجانب، وبدأت بتوثيق المشهد.
وجودُ هذا الشخص الإيراني، كان خيرَ دليلٍ على أنّ كل الزوار مرحبٌ بهم. وتلك كانت أبلغ رسالة تُعفي المراقب من الخوض في التفاصيل والغوص في التبريرات من أجل وصف ما يحصل اليوم في مقام السيدة زينب.