عمان – «القدس العربي»: النتائج الرقمية في بعدها الاجتماعي والسياسي للانتخابات الأردنية النيابية الأخيرة فقط تطرح بعض الأسئلة وتؤدي إلى بعض الاستنتاجات غريبة الأطوار قبل تدشين الموسم التشريعي الجديد وبعيداً عن الهندسة التي يتحدث عنها الإسلاميون، وأيضاً بعيداً عن منظومة النزاهة وصلابة موقف الهيئة المستقلة.
الحيثيات تقول أن 69 نائباً في المجلس السابق خاضوا الانتخابات وسقطوا فيها، وأن بعض المكونات الاجتماعية التي كان لها في العادة تمثيل، ولو رمزياً، أخرجتها النتائج من المعادلة تماماً مثل المكون المسيحي من أبناء الضفة الغربية. عندما يتعلق الأمر بكتلة كبيرة من أعضاء البرلمان خسرت المواجهة، يحتاج الأمر للتوقف والتأمل، حيث الإشارات واضحة في اتجاهين: الأول اتجاه الشارع الانتخابي لتغيير الوجوه والضجر من أدوات ورموز مجلس النواب السابق. والثاني وجود بيئة سياسية وبيروقراطية شجعت عملية تغيير الوجوه حتى عند تفكيك وتركيب بعض القوائم الانتخابية، بمعنى أن الضجر في مربع القرار الرسمي أيضاً من نواب البرلمان السابق وليس في المربع الشعبي فقط، بدلالة خسارة 69 نائباً على الأقل للمواجهة بعدما حاولوا تجديد ولاية مقعدهم البرلماني مستفيدين من خبراتهم السابقة.
الدغمي «طامح» في العودة والصفدي «قناص» والمجالي برسم «الانطباع» والبحث عن خليفة الطراونة
بين هؤلاء عدد لا بأس به من أركان مجلس النواب السابق الذين اعتمدت عليهم الحكومات المتعاقبة في تمرير تشريعات مواتية لها، وبينهم كتلة لا يستهان بها من تيار الموالاة في البرلمان والتيار المحافظ والوسطي.
المعنى هنا أعمق مما يعتقد كثيرون، فالعملية بحساباتها الهندسية المتشابكة أخرجت اليوم 69 ركناً برلمانياً من المسرح واللعبة، رفعت الدولة عنهم الغطاء فعاقبهم الناخبون.
هؤلاء تحتاج حسابات المطبخ السياسي إلى معرفة المساحة التي سيستقرون بها بعد الآن، وإلى أين سيتجهون، وكيف سيصمدون إزاء مغريات البقاء في السلطة التي فقدوها فجأة في انتخابات عامة لا توجد أدلة ومستمسكات على التدخل فيها، وتميزت في كل التفاصيل بمفاجآت من كل الأصناف لا علاقة مباشرة لها بسير العملية والصناديق.
في التوازي، الحاجة ملحة ومبكرة لمعرفة وقياس واختبار الاتجاهات التي ستحكم نحو 100 وجه برلماني جديد على الأقل لديهم طموح وجاهزية، وثمة باحثون بهوس عن دور ومصالح بعد المقعد، حيث لا أدلة تفيد باستقرار القناعة بأن خارطة الوجوه الجديدة هذه والتي تشمل الأغلبية اليوم بصيغة ساحقة مدروسة بالعمق أو يمكن السيطرة عليها وإلى أي حد.
وحيث أن هناك انطباع أن القوة الكامنة العددية الجديدة تريد مساحتها في تفاصيل اللعبة، فسيناريو المجازفة أيضاً وارد في الوقت الذي تم التركيز فيه على تقليص فرص المعارضين، وتحديداً من التيار الإسلامي، قدر الإمكان.
الحيثيات تؤشر على مأزق آخر عنوانه أن أعضاء البرلمان الخمسة السابقين الذين كان تتردد اسماؤهم كمؤهلين لرئاسة مجلس النواب نجحوا في الانتخابات، وهم في طريقهم للتزاحم على الموقع الأول وهو رئاسة مجلس النواب.
هؤلاء الخمسة لاعبون من الكبار في الماضي، ولديهم طموحات وتباينات، ولكل منهم ميزة أو كلفة واللافت جداً أن عملية الانتخابات انتهت بفوز المرشحين الخمسة الذين كان يسود الانطباع بأنهم طامحون برئاسة مجلس النواب قبل أسابيع وأحياناً أشهر، من الانتخابات.
كانت حالة البحث، منذ آذار الماضي، عن بديل لرئيس المجلس السابق عاطف طراونة هوسية وانتهت بنوع من التزاحم، حيث قناص ماهر وبمسحة من الأداء التشريعي الخبير المتراكم وبمهارات خاصة هو نائب رئيس مجلس النواب عدة مرات أحمد الصفدي، الذي نجح وكان الوحيد في دائرة الحيتان، وهي ثالثة عمان، الذي يتمكن من الحصول على مقعده ومقعدي الكوتا المسيحية والشركسية في الوقت نفسه.
في المشهد خبير التشريع البارز والنائب القديم عبد الكريم الدغمي، الذي أعلن نيته الترشح لرئاسة المجلس وسط انطباع مبكر بأن شخصيته التجاذبية قد لا تحظى بالتوافق حتى بعد القرار بالخبرة، وبأن الحكومة المقبلة قد تكون في خطر إذا ما ترأس الدغمي البرلمان. في المشهد نفسه النائب أيمن المجالي، والحديث عن رئاسته مجرد انطباع سياسياً ليس أكثر حتى الآن، ومعه يزاحم النائب عبد المنعم العودات، ويناور أكثر النواب في الخبرة الاقتصادية النائب الدكتور خير أبو صعليك. اللافت في المشهد هو كيفية مرور الخمسة المتزاحمين هنا في سياق انتخابات خسرها 69 على الأقل من النواب السابقين.
نسبة تمثيل بعض المكونات الاجتماعية في إطار المحاصصة القديمة والمألوفة تؤسس لمفارقة، فهي تراجعت في مجلس الأعيان أولاً، ثم في مجلس الوزراء، وتراجعت أيضاً في مجلس النواب.
ذلك حصرياً له دلالات، ويعني في الهندسة الاجتماعية والسياسية الأمنية الكثير، وسيظهر ذلك لاحقاً خصوصاً، ولأن تلك النسبة متقاربة في المجالس الثلاثة في صدفة تحتاج إلى التعمق والنقاش. أقصت النتائج أيضاً بعض اللاعبين الكبار في تيارات الموالاة، وجازفت بـ 98 وجهاً جديداً على الأقل، وقلصت من حضور المعارضة الحزبية والإسلامية المنهجية، ودفعت بأسماء جديدة بصورة مكثفة لا أحد يعلم بعد ما إذا كانت السلطة قادرة على السيطرة عليها.
تلك حزمة من الأسرار والألغام والمفارقات تحتاج إلى نقاش، وتؤدي إلى استخلاصات، وتؤسس مبكراً بعض الاستنتاجات لأن ملامح الهندسة إياها غامضة.
لا زال برلمان شكلي منزوع الدور، واكسسوار لحكم مطلق غير ديموقراطي؛
الاكثريه من النواب شبه عينتهم الاجهزه الامنيه، معظم الشعب لم يشارك في التصويت، باستثناء القبائل التي حولتها لسباق، والتي تجد في الانتخابات دور يوهمون به انفسهم بان لهم ثقل ومراكز قوى،