القدس: تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية منذ قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية إليها

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة –”القدس العربي”: في ظل موقف دولي يكتفي بالضريبة الشفوية ويتعامل مع إسرائيل معاملة البنت المدللة، وتواطؤ عربي ولا مبالاة إسلامية، تعرضت زهرة المدائن في العام 2018 لطعنات كثيرة لعل أخطرها نقل الولايات المتحدة سفارتها من تل أبيب إليها وإعلان دول أخرى عن نيتها الاقتداء بأمريكا. يضاف لهذا الانحياز الأمريكي الصهيوني للاحتلال مواصلة إسرائيل عمليات التهويد وتسمين الاستيطان ومحاصرة الحرم القدسي الشريف ومحاولات عملية لتقاسم الأقصى، بل عمليات تمهد لبناء ما يعرف بالهيكل الثالث.

وكشف تحقيق لجمعية “عير عميم” الحقوقية الإسرائيلية عن نشاط 27 جمعية يهودية في مجال بناء الهيكل الثالث المزعوم. وبالتزامن صادق الكنيست الإسرائيلي الأربعاء الماضي بالقراءة الأولية على مشروع قانون يجيز طرد ونفي عائلات منفذي العمليات الفلسطينيين، من القدس المحتلة وأراضي 1948 إلى الضفة الغربية. وحظي المشروع بتأييد أغلبية كبيرة رغم معارضة جهات قانونية وأمنية في إسرائيل له بوصفه قانونا غير دستوري وقد يؤدي إلى تدهور أمني. وشهد الكنيست جلسة صاخبة أُخرج خلالها النائبان أحمد الطيبي وجمال زحالقة من النقاش. وقد وصف الطيبي المشروع بأنه قانون مجرمي حرب سينتهي بتقديم منفذيه إلى المحكمة الجنائية الدولية. وكان مشروع القانون قد طُرح على عجل بتحريض من اليمين، في أعقاب العمليات الأخيرة التي استهدفت المستوطنين وجنود الاحتلال. ودأب جيش الاحتلال على هدم منازل عائلات منفذي العمليات في القدس المحتلة ويأتي قانون الطرد لتكريس سياسة الانتقام ضد أسر المقاومين.

 

كاميرات تجسس

 

وقبل ذلك وفي سياق إحكام السيطرة على القدس المحتلة بدأت بلدية الاحتلال الإسرائيلي – بالتعاون مع الشرطة وجهات الاختصاص الأخرى- تنفيذ مشروع “عين القدس” الذي يتضمن تركيب 500 كاميرا مراقبة ذكية جديدة في أنحاء مختلفة من المدينة المقدسة المحتلة. وتضاف الكاميرات الجديدة لمنظومة مراقبة سعى الاحتلال لتمكينها وتكثيفها مع انطلاق هبة القدس في تشرين الأول/اكتوبر 2015. ويدعي القائمون على المشروع أنه يهدف لتحويل القدس إلى “مدينة بلا عنف”. ويُجمع المقدسيون على أن كاميرات المراقبة – التي تنصبها بلدية الاحتلال في البلدة القديمة وحولها – غير كفيلة بتوفير الأمن للمستوطنين وقوات الاحتلال، وأنها تهدف لرصد تحركات الفلسطينيين بطريقة تنتهك الخصوصية بشكل كبير. ويؤكدون أن الشرطة تنتهج سياسة الكيل بمكيالين، فهي تدعي أن الكاميرات معطلة في حالات اعتداءات اليهود على العرب، بينما تجتهد بتجميع مشاهد كاملة تنشرها بمقطع فيديو بعد كل عملية ينفذها فلسطينيون ضد إسرائيليين.  ويعتبر زياد الحموري مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية إن إسرائيل تدرك أن وجودها بالقدس احتلالي والشعب الفلسطيني غير راض عنه، وهذا يبقيها بحالة توتر واستنفار وتفكير دائم بكيفية حماية نفسها وتعزيز سيطرتها على الوضع الأمني. وأضاف “يعتقدون أن هذه الكاميرات تساعد في إحكام السيطرة على المدينة المقدسة، وهذا خطأ لأنه بدون استقرار أمني وسياسي على أساس إنهاء الاحتلال والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني لن يتحقق الأمن والأمان لإسرائيل”. وأكد أن القدس لا تحتاج هذا الكم الهائل من كاميرات المراقبة، ومبالغة الاحتلال في هذا الجانب تدل على انعدام الاستقرار النفسي لشعبه وقيادته، حيث “الكثير من مدن العالم تلجأ لنصب الكاميرات لتحقيق الأمن الاجتماعي لكن إسرائيل تسعى لتوفير الأمن لها، وهذا دليل على عدم ثقتها بأن الوضع طبيعي ومستقر”. وستكون الكاميرات الجديدة قادرة على التعرف على وجه شخص محدد أو تحديد موضع شخص يرتدي قميصا معينا من بين ألف آخرين يظهرون بالصورة، كما يمكنها ملاحظة شخص يسير بعكس اتجاه الآخرين. وترتبط هذه الكاميرات بنظام ذكي بحيث يُبنى مشهد كامل لتتبع الأشخاص المستهدفين عبر سلسلة كاميرات.

تأميم أموال وعقارات الكنيسة

 

وضمن مخططات السلب والنهب حاول الاحتلال تأميم أموال وأملاك الكنائس في القدس المحتلة لكنه اضطر لتجميده أمام احتجاجات الكنائس. وأعلن بطاركة ورؤساء كنائس القدس نجاحهم مجددا في إلغاء مناقشة مشروع عنصري يهدف إلى تأميم أموال وعقارات الكنائس في القدس المحتلة. ووفق بيان البطاركة ورؤساء الكنائس فإن عددا من أعضاء الكنيست حاولوا إلحاق الضرر بالمجتمع المسيحي عشية عيد الميلاد من خلال طرح قانون يشرعن الاستيلاء و”تأميم” أملاك وعقارات الكنائس للمرة الخامسة هذا العام، إلا أن رجال الدين المسيحيين هؤلاء أفشلوا المحاولة من خلال تفعيل ضغط دولي على إسرائيل ودفعها لإلغاء طرح القانون. ووفق البيان فقد اقترح أعضاء في الكنيست على اللجنة الوزارية للتشريع مرة أخرى القانون العنصري الذي يقيد حقوق الكنائس والمؤسسات المسيحية في حرية التعامل مع ممتلكاتها، ويهدد الدخل المادي من تلك الممتلكات والذي يدعم مهمة الكنيسة الإنسانية ورعاية الأماكن المقدسة. وذكر رجال الدين في بيانهم أن هذه المرة الخامسة التي تقدم فيها اللجنة هذا التشريع تحت مسميات مختلفة لكن بالجوهر والأهداف نفسها، إلا أن توقيت هذه المحاولة الأخيرة قبل أيام قليلة من الاحتفال بميلاد المسيح “كان ينم عن عمل مقصود مكلل بانعدام الحس الإنساني والوقاحة”. وأعربوا في بيانهم عن شعورهم “بالامتنان للدعم القوي من أصدقائنا في جميع أنحاء العالم، والذين على الرغم من التوقيت المزعج لهذه المؤامرة السياسية هرعوا على الفور لمساعدتنا، ونحن على يقين من أن دعمهم سيستمر في حالة قُدم هذا التشريع مرة أخرى”. ومع ذك عبر بطاركة ورؤساء كنائس القدس عن شعور بقلق عميق من استمرار محاولات التقدم بهذا التشريع.

وكان بطريرك القدس وسائر أعمال فلسطين والأردن للروم الأرثوذكس ثيوفيلوس الثالث أعلن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعد في شباط/فبراير الماضي بوقف العمل على تمرير هذا القانون ووقف الإجراءات الضريبية بحق الكنائس مقابل إعادة فتح كنيسة القيامة بعد إغلاقها بقرار من الكنائس ثلاثة أيام احتجاجا على الممارسات الإسرائيلية.

“لا مكان لفلسطيني هنا”

 

هذا عنوان تقرير حقوقي يلخص واقع سكان مدينة القدس المحتلة اختارته منظمة “إفني” الدولية وثقت فيه الانتهاكات الإسرائيلية ضد سكان القدس خلال الشهر الماضي. وتشير المنظمة إلى تصعيد ملحوظ في الانتهاكات القانونية والحقوقية ضد سكان القدس الشهر الماضي فقط. ووثقت عبر خبراء قانونيين، شهادات ضحايا مقدسيين وحالات اعتقالات تعسفية ودهم منازل والاعتداء بالضرب وتقييد الحريات العامة والهدم والتهجير والاستيطان. استنادا للتقرير اعتقلت قوات الاحتلال ما لا يقل عن 32 فلسطينيا من سكان القدس خلال الشهر الماضي. كما شملت الانتهاكات دهم منازل وتعرض شبان لضرب مبرح على أيدي ضباط إسرائيليين، وتقييد الحريات العامة ومنع عقد ندوة حوارية ببلدة سلوان ومحاصرة مبنى محافظة القدس. يضاف إلى ما سبق هدم في القدس وتجريف أراض ومنازل سكنية ومحال تجارية في أحياء شعفاط وبيت حنينا وغيرها. يرصد التقرير تنامي الاستيطان مدعوما بتمييز عنصري واضح في التعامل مع قضايا الأراضي التي سعى المستوطنون للاستيلاء عليها. كل هذه الحقائق ثبت، حسب المنظمة الدولية وجود سياسة إسرائيلية ممنهجة تعمد للتضييق على الفلسطينيين والسعي لتهجيرهم وإنهاء وجودهم في المدينة المقدسة. يلاحظ التقرير أن الانتهاكات تكثفت منذ أن اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مما ظهر كأنه ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل كي تصعد من انتهاكاتها ضد الفلسطينيين لا سيما سكان القدس. وختمت المنظمة تقريرها بمطالبة سلطات الاحتلال بالتوقف الفوري عن الانتهاكات ومطالبة المجتمع الدولي بلعب دور فاعل لحماية القدس من تغول الاحتلال عليهم.

 

“عين على الأقصى”

 

وحسب  التقرير السنوي الثاني عشر “عين على الأقصى” الصادر عن مؤسسة القدس الدولية والراصد لتطورات الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد بلغ عدد الذين اقتحموا المسجد الأقصى خلال مدة الرصد ما بين 1/8/2017 و1/8/2018، نحو 33198 مقتحما من المستوطنين وعناصر الاحتلال الأمنية والطلاب اليهود بارتفاع 40.3 في المئة عن العام 2017، فيما اعتمدت “منظمات المعبد” تكتيكا يقوم على زيادة الاقتحامات عاما بعد عام حتى تقدم هذه الزيادة كانعكاس لمطالبات شعبية يمكن معها إلزام حكومة الاحتلال بالاستجابة لمطالب أخرى وتحويل الوجود اليهودي في الأقصى من مؤقت إلى دائم. وأوضح التقرير أن أذرع الاحتلال استفادت من الأعياد والمناسبات التهويدية لإدخال أكبر عدد من المقتحمين، فقد بلغ عدد مقتحمي الأقصى نحو 1400 مستوطن خلال عيد العُرش اليهودي (8-10/10/2017)، كما اقتحم المسجد 1620 مستوطنا في ذكرى احتلال الشطر الشرقي من القدس 13 أيار/مايو الماضي.

وأكد التقرير أن التصعيد في المنطقة الشرقية كان سيد التطورات حيث عمل الاحتلال على إخلائها تماما من المسلمين في فترة الاقتحامات، مع تزايد حالات أداء المستوطنين الصلوات التلمودية في المنطقة، بالإضافة إلى سعي الاحتلال إلى تحويل مقبرة باب الرحمة إلى حديقة تلمودية للمستوطنين عند السور الشرقي للمسجد. وهذا المخطط لا ينفصل عن مخططات أخرى تستهدف الجهة الشرقية من داخل المسجد الأقصى ومن خارجه حيث يستعد الاحتلال لإنشاء قطار هوائي (تلفريك) يتنقل المستوطنون والسياح عبره في محيط الأقصى، وستكون المنطقة الشرقية المقابلة لسور الأقصى الشرقي من الخارج إحدى محطاته. وأوضح التقرير أن الاحتلال كان معنيا بإخفاء هزيمته في معركة البوابات الإلكترونية التي حاول تركيبها على أبواب الأقصى في تموز/يوليو الماضي، واتخاذ الإجراءات التي يحسب أنها ستمنع تكرارها. فنصب أبراج المراقبة في باب العمود لإحكام القبضة الأمنية على البلدة القديمة والأقصى، وركز نقطة أمنية فوق مبنى باب الرحمة داخل المسجد الأقصى من جهة الشرق، وعمد إلى تركيب كاميرات مراقبة ذكية في مواجهة أبواب الأقصى، وانقض على المصلين في الأقصى في الذكرى الأولى لانتصار المقدسيين في هبة باب الأسباط أو معركة البوابات الإلكترونية.

الموقف الشعبي الحامي للقدس

 

 كما أكد التقرير أن الاحتلال بات يستسهل إفراغ الأقصى من المصلين ويستسيغ إغلاق المسجد، وهذا ما كرره يومي 27/7 و17اب/أغسطس الماضي، الأمر الذي يحتم منع الاحتلال من إغلاق المسجد مطلقا، وعدم الاكتفاء بالاعتصام والصلاة عند أبواب المسجد في كل مرة ينفذ فيها اعتداءه هذا.

وفي المواقف والتفاعل مع الأقصى، أكد التقرير أن الموقف الشعبي العربي والإسلامي لا يزال خط الدفاع الأول عن المسجد في ظل تهافت المواقف الرسمية واتجاهها إلى مزيد من التراجع أمام صلف الموقف الأمريكي الداعم للعدو الصهيوني، وأظهر التفاعل الشعبي العربي والإسلامي مع القدس والأقصى أن رصيد القدس لا يزال عاليا في وجدان شعوب الأمة على الرغم من جراحها، فقد انطلقت مئات المسيرات والفعاليات في الدول المختلفة دعما للقدس ورفضا لقرار ترامب، وتجلت ذروة الإبداع في الحراك الشعبي بانطلاق مسيرات العودة في 30 اذار/مارس الماضي في فلسطين عموما، وقطاع غزة خصوصا. وختم التقرير بسلسلة من التوصيات، أبرزها دعوة السلطة الفلسطينية إلى التساوق والانسجام مع ما يريده الفلسطينيون لا ما تفرضه الولايات المتحدة والاحتلال، ووقف التنسيق الأمني، ومد اليد إلى تحقيق مصالحة حقيقية وإطلاق يد المقاومة في الضفة الغربية، كما أوصى التقرير بنقل تجربة مسيرات العودة إلى كل أماكن الوجود الفلسطيني خاصة القدس والضفة الغربية بالطريقة التي تناسب كل مكان، واستنهاض الشعب الفلسطيني لمواجهة التحديات الخطيرة. وأضاف التقرير في توصياته، “القدس ليست عنوانا للبيع أو التفاوض تحت أي عنوان، لا سيما إذا كان العنوان سلاما يخدم الاحتلال، فالمطلوب أن تترسخ قناعة لدى الحكومات العربية والإسلامية بأن التفريط بالقدس دونه سقوط حكومات. وندعو الحكومات العربية والإسلامية إلى إعلان مضاد لإعلان ترامب يتم فيه ترسيخ أن القدس بشطريها عاصمة أبدية لكل فلسطين، وتقديم كل الدعم للقدس والمقدسيين”. وأشاد التقرير برباط المقدسيين وصمودهم، داعيا إلى تكثيف الرباط في الأقصى خاصة في الفترة الصباحية، وتكثيف الحضور في المنطقة الشرقية للمسجد الأقصى المعرضة للاستيلاء، واستمرار مسيرات العودة، واستنهاض الهمم في الضفة الغربية والأراضي المحتلة عام 1948 وأماكن اللجوء وعدم انتظار سيف الصفقات المشبوهة حتى يصل إلى الرقاب، كما طالب الشعوب العربية إلى الضغط على الحكومات لمنع انجرارها وراء الصفقات المشبوهة التي تضيع المقدسات والحقوق، والضغط لوقف التطبيع مع الاحتلال على الصعد كافة ومهما كانت الذرائع.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية