في الوقت الذي ترفع فيه غالبية الفصائل الفلسطينية ؛ شعار الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف ؛ وضعت إسرائيل مخططاً لتهويد القدس بشكل كامل بحلول عام 2050؛ بالاعتماد على خرائط وإتباع سياسات وإجراءات محددة ومدروسة للوصول إلى الهدف؛ ويمكن وصف الصراع على مدينة القدس أنه صراع على الأرض والسيادة عليها، وفي الوقت نفسه صراع على الرموز والشكل والمظهر والعلم الذي يرفع على مبانيها وأسوارها، وصراع في الرواية وفرض الأمر الواقع على الأرض من جانب المحتل الإسرائيلي، في ظل غياب أي مشروع فلسطيني حقيقي لمواجهة المخطط الإسرائيلي؛ بالخرائط رغم وجود طاقات فلسطينية قادرة على ذلك ، وفي المقدمة منها خبير الخرائط خليل التفكجي .
المخطط الأخطر
في إطار مقابلته الهامة جداً مع الجزيرة ضمن برنامج بلا حدود يوم الرابع عشر من تموز/يوليو الجاري ، أكد خبير الخرائط الفلسطيني خليل التفكجي أن إسرائيل تعتمد سياسة محددة لتنفيذ مخططها التهويدي “القدس عام 2050″، تتمثل بالتطويق ثم الاختراق واخيراً تشتيت المقدسيين لفرض ديموغرافيا إسرائيلية قسرية في المدينة بعد جذب مزيد من المهاجرين اليهود إليها وإحلالهم مكان المقدسيين بإغراءات مالية مجزية .
ويمكن الجزم أن الوضع العام يشهد مرحلة متقدمة من القدس عام 2050، حيث تتواصل السياسة الاستيطانية الإسرائيلية بإقامة المشاريع الاستيطانية ومصادرة الأراضي وتهويد مدينة القدس وعزلها عن الضفة الغربية بإقامة جدار الفصل العنصري والاستمرار في محاصرة القرى والمدن الفلسطينية وعزل غور الأردن، ومنع المصلين من أداء صلواتهم، وتحديد أعمارهم، وهدم المنازل وترحيل البدو من أماكن سكناهم وإبعادهم عن مصادر رزقهم، وما شهدها العالم من هبة فلسطينية، إنما هو للدفاع عن جنبات القدس من التهويد والتطهير العرقي ، وخاصة في حي الشيخ جراح وأحياء القدس القديمة التي تضم 32 ألف مقدسي فضلاً عن 4500 مستوطن صهيوني؛ كما أكد خبير الخرائط خليل التفكجي، أي انهم رأس حربة للاندفاع الى جهات أخرى .
وتسعى إسرائيل في سباق مع الزمن إلى تهويد مدينة القدس مستغلة الانقسام الفلسطيني وعدم ارتقاء العرب والمسلمين في دعمهم السياسي والمالي للمقدسيين إلى مستوى التحدي الذي تواجهه المدينة.
واللافت للنظر أن كافة الإجراءات الإسرائيلية لترحيل عرب القدس وضعت وفق مايسمى أحكام القانون الإسرائيلي، فصاحب الأرض، ووفقا لنسق تطور الملكية والسكان؛ فإن صاحب الأرض معرض في أي لحظة لسلب حقه وإقامته، بينما يكفي لليهودي الآتي من دول العالم المختلفة أن يعلن نية القدوم إلى فلسطين حتى يصبح مواطنا في القدس، ولا يفقدها حتى لو غاب سبع سنوات، أو سبعين سنة، أو حمل جنسية أخرى، على عكس العربي صاحب الأرض الذي تفرض عليه قوانين إسرائيلية تهويدية جائرة، لاستلاب أرضه وتهويدها بكافة الوسائل، خاصة عبر مصادرة مزيد من الأراضي في القدس وبناء المستوطنات عليها لتلف المدينة من كافة الاتجاهات وتعزلها جغرافياً وديموغرافياً عن باقي المدن والقرى في الضفة الفلسطينية.
البناء الاستيطاني
وعلى الرغم من الإدانات الدولية التي توجه إلى إسرائيل؛ تستمر في البناء الاستيطاني في مدينة القدس سواء بالمصادقة على المخططات لتوسيع مستعمرات قائمة أو المصادقة على مخططات لإقامة مستعمرات جديدة، سواء كان ذلك داخل المدينة أو خارجها لإقامة القدس الكبرى التي أخذت بعدا أمنيا وسياسيا وجغرافيا وديمغرافيا لتحقيق الأهداف الموضوعة ضمن الإستراتيجية الإسرائيلية بأن القدس عاصمة لدولة واحدة دون شريك فلسطيني.
يعتبر مشروع 5800 لعام 2050، من أهم مشاريع اليمين الإسرائيلي تجاه مدينة القدس، بغرض رسم حدودها في عقول المستوطنين ، ويهدف المشروع إلى إقامة مطار دولي كبير في منطقة البقيعة القريبة من مدينة أريحا والبحر الميت، ولا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن المدينة، وربط المنطقة بشبكة من القطارات، وإقامة مناطق صناعية وتجارية وفنادق، وتوسيع حدود بلدية القدس لتصل إلى أريحا شرقا وغوش عتصيون، بين الخليل وبيت لحم جنوبا، وموديعين (اللطرون) غربا، وتتجاهل هذه الخطة السكان الفلسطينيين واحتياجاتهم، وتظهر المدينة كمدينة دولية مزدهرة.
كما يهدف المشروع التهويدي الضخم للقدس 2050، الى رفع سكانها إلى خمسة ملايين شخص غالبيتهم من المستوطنين اليهود وتمكينهم بإغراءات مالية ضخمة، ولتكون بعد ذلك منطقة جاذبة لنحو 12 مليون سائح سنويا، وتكون مكتظة بالسياح والفنادق، وفيها بنى تحتية وخدمات ومواصلات متطورة.
وتتجاهل الخطة التهويدية في القدس الوجود الفلسطيني فيها، وتعتمد في مبادئها على ستة بنود أساسية، جميعها تتحدث عن يهودية القدس “دولة إسرائيل هي قلب الشعب اليهودي، والقدس هي قلب دولة إسرائيل والشعب اليهودي”.
ويشير المبدأ الثاني إلى زيادة سكان القدس اليهود ليس فقط بناء على التكاثر الطبيعي، بل من خلال الهجرة إلى المدينة، وهذا الهدف سيكون بربطها بشوارع وأنفاق وسكك حديدية متطورة تربط المنطقة الساحلية بالقدس، وجعلها منطقة جاذبة للسكان وليست طاردة؛ أما الهاجس الديموغرافي، فقد وضع في سلم أولويات الخطة، وتشير المبادئ الثلاثة الأخيرة إلى الحاجة للتخطيط الديمغرافي من أجل الحفاظ على أغلبية يهودية في المدينة؛ وقد تأكد ذلك من خلال إصدار إسرائيل لقوانين عنصرية تجاه المقدسين تجعلهم اقليه ، في مقدمتها قانون تهويد التعلي.
غياب مخطط فلسطيني
ويبقى القول أنه على الرغم من تنفيذ إسرائيل خطوات تهويدية متقدمة لترسيخ مشروعها الأخطر “القدس2050 “؛ بقي الانقسام الفلسطيني سيد الموقف؛ ولا وجود لخطط فلسطينية مشفوعة بخرائط حول القدس لمواجهة المخطط الإسرائيلي المذكور وتدويل القضية بالاعتماد على خبراء في القانون الدولي وكذلك الخرائط وفي مقدمتهم خبير الخرائط الفلسطيني خليل تفكجي، وبقيت الفصائل الفلسطينية ومعها منظمة التحرير الفلسطينية أسيرة شعار “الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف” ليس إلا. .
كاتب فلسطيني مقيم في هولندا