القدس عروس العروبة: انتهاكات للحرم القدسي الشريف ومحاولات تهويد المدينة

وديع عواودة
حجم الخط
0

الناصرة-“القدس العربي”: كما دائما فأبرز أحداث مدينة القدس في العام 2018 مرتبطة بالاحتلال والانتهاكات غير المنقطعة للحرم القدسي الشريف ومحاولات تهويد المدينة وأسرلة أهلها الفلسطينيين. وكشفت مؤسسة “القدس” الدولية في تقريرها السنوي الثاني عشر “عين على الأقصى” أن عدد الذين اقتحموا المسجد الأقصى بين 1/8/2017 و1/8/2018 بلغ نحو 33198 مقتحما من المستوطنين وعناصر الاحتلال الأمنية والطلاب اليهود، بارتفاع 40.3 في المئة عن العام الماضي. ويكشف مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية زياد الحموري لـ “القدس العربي” أن الاحتلال هدم خلال 2018 نحو 120 مبنى بزيادة عشرات المباني عن العام السابق لافتا لوجود 22 ألف بيت مهدد بالهدم معظمها قيد التداول في المحاكم. ويوضح أن الاحتلال اعتقل في العام الحالي نحو 800 طفل في القدس وحدها بزيادة 100 طفل عن 2017. منوها إلى أن عدد المقدسيين الفلسطينيين ممن يحملون هوية القدس 320 ألفا نصفهم باتوا خارج الجدار العنصري. وللمرة الأولى منذ نحو عامين وفي تموز/يوليو الماضي قرر رئيس حكومة الاحتلال السماح بعودة الاقتحامات السياسية، لكن ضمن ضوابط أمنية بحيث يتعيّن على النائب التنسيق مع قائد حرس “الكنيست” قبل الاقتحام على أن تكون الاقتحامات مرّة كل ثلاثة أشهر. وقد عكست آلية تنفيذ القرار اضطرار نتنياهو إلى الاستجابة لضغوط أعضاء “الكنيست” لا سيما يهودا غليك، وهي استجابة مرتبطة بتوصية المستوى الأمني. وعلى ما يبدو، فإنّ مرور الاقتحامات السياسية الأولى من دون ردة فعل رسمية أو شعبية شجّع على تماديها، حيث تلاها منذ ذلك الحين –أي في أقلّ من ثلاثة أشهر- ما يزيد على ثلاثة اقتحامات سجّلها عضو الكنيست يهودا غليك منفردا. فيما اعتمدت “منظمات الهيكل” تكتيكا جديدا يقوم على زيادة الاقتحامات عاما بعد عام حتى تقدَّم هذه الزيادة كانعكاس لمطالبات شعبيّة يمكن معها إلزام حكومة الاحتلال بالاستجابة لمطالب أخرى وتحويل الوجود اليهودي في الأقصى من مؤقت إلى دائم. ويكشف التقرير أن سلطات الاحتلال أبعدت نحو 130 مقدسيا عن الأقصى خلال الرصد، فضلًا عن منع تنفيذ 20 مشروعا لإعمار الأقصى. وأكد التقرير أن الحفريات والمشاريع التهويدية التي تهدد الأقصى فوق وأسفل أرضه، وفي محيطه لم تتوقف، بل تطورت في التبني الرسمي الإسرائيلي لها، ومن ذلك تخصيص وزيرة الثقافة نحو 17 مليون دولار لخطة حفريات في محيط الأقصى. وتحوّلَ عدد من هذه الحفريات إلى كُنس يهودية، وقاعات لتنظيم المناسبات الدينية والاجتماعية اليهودية، ومزارات للسيّاح يتلقون فيها شروحات محرّفة لتاريخ يهودي مختلق في المكان. وهذه أبرز تطورات المشهد في القدس، وهي تصلح كأمثلة عن السياسة التي يتبعها الاحتلال في القدس، وترجمة لسياسة الاحتلال حيال الشطر الشرقي من المدينة القائمة على تصفية الوجود العربي في المدينة وتثبيت أغلبية تتناسب مع مزاعم الاحتلال حول القدس كـ “عاصمة أبدية للشّعب اليهودي”.

وربما يكون أبرز حدث شهدته القدس نقل الولايات المتحدة سفارتها من تل أبيب تزامنا مع الذكرى السنوية للنكبة في 15 مايو/أيار الماضي والتي أعقبتها مظاهرات في المدينة بمشاركة مقدسيين وفلسطينيين من الداخل. وبعد قرار ترامب وقف الدعم الأمريكي للأونروا ضمن سياسته الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، كشفت بلدية الاحتلال في القدس في 4 تشرين الأول/اكتوبر عن مخطّط لرئيسها عنوانه طرد الأونروا وتصفية قضيّة اللاجئين في القدس. وتتضمن الخطة، وفق بيان البلدية، إصدار أوامر بإغلاق سبع مدارس للأونروا في القدس ويدرس فيها حوالي 1700 طالب، وبناء مدارس تابعة للبلديّة لاستيعاب طلاب مخيم شعفاط للاجئين على وجه الخصوص، بالإضافة إلى إغلاق عيادات الأونروا في المدينة. وبهذا السياق شهدت المدينة انكماشا ملحوظا في المشاريع الإنسانية والتعليمية والإغاثية كافة التي تُشرف عليها السعودية، وتقليص الدّعم المقدّم للقدس من البنك الإسلامي للتّنمية في جدة، وهي تطورات تشير إلى التساوق مع الموقف الأمريكي بخطوات تمهّد لتصفية القضية الفلسطينية.

الخان الأحمر

وتصاعدت الحرب على التجمعات البدوية في محيط القدس وتعرض أهالي الخان الأحمر لضغوط ومخططات إسرائيلية لاقتلاعهم من مضاربهم، تمهيدا لتنفيذ مخطط القدس الكبرى الذي سيصل مستوطنة “معاليه أدوميم” بالقدس المحتلة وتقطيع أوصال الضفة الغربية وقطعها لنصفين مما يجعل تسوية الدولتين غير ممكن على الأرض. وقد كان قرار المحكمة العليا للاحتلال مؤيّدا لتوجه سياسي إلى هدم الخان الأحمر وتهجيره، وما زال أهل الخان ينظمون فعاليات شعبية ضدّ قرار تهجيرهم. وفي ظل ضغوط وانتقادات دولية وتهديد السلطة الفلسطينية بوقف التنسيق الأمني وبفضل التصميم الفلسطيني الشعبي على الصمود والمواجهة أعلن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو عن تجميد قرار الهدم في 20 تشرين الأول/اكتوبر لكنّه لم يلبث أن التفّ على إعلانه بعد المعارضة السياسية التي واجهها، ووعد بتطبيق قرار الهدم قريبا. ورغم الإجراءات الأمنية والملاحقات والتنسيق الأمني لم يترك المقدسيون خيار المقاومة في موازاة مسيرات العودة التي انطلقت في غزة بنهاية آذار/مارس الماضي.

 وتستمر مشاريع التهويد والاستيطان على قدم وساق فقد وافقت بلدية الاحتلال في القدس على مخطّط لبناء عشرة أبراج للسيارات بالقرب من البلدة القديمة، وأصدرت البلدية تراخيص بناء للأبراج لمصلحة شركة “عدن، وتسمح ببناء 6 أبراج بالقرب باب العمود وأربعة بالقرب من باب النبي داود. كما شهدت المدينة تسريب عقارات إلى الاحتلال واستيلاء المستوطنين على عقارات متاخمة للأقصى وصدرت فتاوى دينية بتحريمها لوقفها. كذلك استولت جمعية “العاد” الاستيطانية على مبنى وقطعة أرض جديدة في وادي حلوة في سلوان.

ويدفع الفلسطينيون المسيحيّون ثمن الاحتلال وسياساته، كما يتجلى في تراجع أعدادهم خصوصا في القدس وبيت لحم. وبرز في مطلع هذا العام ملف الضرائب على الكنائس، إذ أعلنت بلدية الاحتلال أن على الكنائس مستحقات متأخرة عن أصول تملكها وقيمتها حوالي 190 مليون دولار. وقد أغلقت كنيسة القيامة أبوابها على مدى ثلاثة أيام (25-27/2/2018) على خلفية استهدافها بالضرائب بخلاف الوضع القائم منذ احتلال عام 1967. وقد يبدو الملف أغلق نهائيا، لكن سلطات الاحتلال غالبا ما تعتمد سياسة تجميد الملفات التي تثير ردات فعل كبيرة حتى يحين وقت مناسب لإعادة فتحها. كذلك، تستمر الاعتداءات على المقدّسات المسيحية ضمن ما يعرف بجرائم الكراهية، وكان من آخر هذه الاعتداءات تكسير صلبان وشواهد العديد من القبور في مقبرة مسيحيّة في بيت جمال غرب القدس المحتلة، وهي مقبرة تابعة لدير الرهبان السالزيان. ومع أنّ الاحتلال هو المسؤول الأوّل عن تهجير المسيحيين وتراجع أعدادهم، لا سيما في القدس وبيت لحم، إلّا أنّ نتنياهو نفض يده من الأوضاع التي آل إليها المسيحيون، وألقى بالمسؤولية على السلطة الفلسطينية في حين أنّ الجدار العازل، والاستيطان الذي ترعاه حكومة الاحتلال هما مثال فقط من السياسات الإسرائيلية التي تؤثّر في الوجود المسيحي في القدس.

 

 

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية