القدس- “القدس العربي”:
ترتبط الأعياد الدينية والثقافية في كل دول العالم ومدنه بتحسن الوضع الاقتصادي وانتعاش الأسواق بفعل تزايد البيع والشراء، إلا في مدينة القدس المحتلة، فالمسألة نقيض ذلك تماما وتحديدا مع الأعياد اليهودية التي لا تشبه الأعياد الإسلامية والمسيحية التي تدفع بأن يزور المدينة وبلدتها القديمة عشرات الآلاف من الحجاج والمصلين.
فواقع المدينة المقدسة مع الأعياد اليهودية، التي تمتد على فترة زمنية تتجاوز الشهر، تدفع بأن تتحول تلك البلدة القديمة إلى مدينة أشباح حقيقية بفعل سياسات الإغلاق وعسكرة المدينة.
ويعزز الحال السابق مفارقة ثانية ترتبط بأعياد اليهود، حيث يتهكم المقدسيون على مظاهر الاحتفال وما يترتب عليها من حالة أمنية مشددة، أنه مقابل احتفاء المستوطنين المتطرفين بأعيادهم وممارسة ما يعتقدون أنه يطهرهم من الذنوب والخطايا فإن نتيجة ذلك أن يتكبد المقدسيون خسائر مالية فادحة.
فالأعياد اليهودية بحسب عقيدة الفكر الصهيوني، تعني أن تتعزز حالة كره الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين لأعياد اليهود التي تتحول إلى أكبر حالة من النقمة والمعاناة.
ويعتمد الاقتصاد المقدسي على المتسوقين من خارج المدينة، لكن سياسات الإغلاق الشامل التي أصبحت تتعزز خلال الفترة الماضية مع ما يرافقها من تزايد احتفالات المستوطنين في المدينة تدفع إلى أن تتوقف المدينة عن استقبال أي من الزوار، وهو ما يعني أن تغلق المحلات إجباريا أو اختياريا.
ويعقب الخبير الاقتصادي المقدسي محمد قرش إلى أن القدرة الشرائية بالنسبة إلى المقدسيين تعتبر محدودة بالمقارنة مع ما يدخلها من مواطنين وفق برامج السياحة الداخلية والخارجية.
ومع انتهاء احتفالات عيد “يوم الغفران” (الكيبور) اليهودي الذي يعد أقدس أيام السنة العبرية، وهو المتمم لـ”أيام التوبة والغفران العشرة” الذي تبدأ رأس السنة العبرية الجديدة به، ويصوم فيه المتدينون لمدة 25 ساعة تكرس لمحاسبة النفس والتكفير والتطهر من الذنوب وإقامة الصلوات والشعائر التلمودية في الكنس، تنفس المقدسيون قليلا، حيث سيكونون بانتظار أسبوع آخر حافل بالأعياد، وما يقابل ذلك من إغلاقات وشلل للحركة التجارية والاقتصادية.
وقبل عيد “الكيبور” كانت مناسبة رأس السنة العبرية التي يغلق الاحتلال فيها إغلاقا كاملا على الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتقول السلطة الفلسطينية إن سلطات الاحتلال تعمل على توظيف فاضح للمناسبات الدينية لأغراض استعمارية، تهدف من بين أشياء أخرى إلى إلحاق الضرر بالفلسطينيين.
وعقب مستشار محافظ محافظة القدس معروف الرفاعي على سياسات قتل مدينة القدس اقتصاديا بأنها بدأت منذ احتلال المدينة عام 1967، حيث هدم حي المغاربة الذي أصبح “ساحة المبكي” (البراق بحسب التسمية الإسلامية).
ويضيف: “كان في حي المغاربة مئات المحلات التجارية التي تم تدميرها، ومن هناك بدأ مسلسل استهداف اقتصاد المدينة المحتلة، حيث تعمل دولة الاحتلال منذ عام 1967 على التضييق على التجار داخل البلدة القديمة وخارجها”.
ويضيف الرفاعي أن الأزمة الاقتصادية تصاعدت وتعمقت منذ عام 2000 حتى اليوم، أي بعد إقامة جدار الفصل العنصري الذي فصل القدس ماديا عن الضفة الغربية وبلدات القدس وضواحيها المختلفة.
ويتابع: “كانت الأسواق في القدس هي الأسواق المركزية لكل سكان المدينة وأهالي الضفة الغربية، الذين كانوا يأتون إلى مدينة بصفتها العصب التجاري لكل فلسطيني”.
ويضيف الرفاعي أن القدس وتحديدا بلدتها القديمة كانت “تضم 8 أسواق تحتوي على 1500 محل تجاري مختلفة، حيت كانت تحتوي على أسواق اللحوم والخضار والذهب والملابس…الخ، فكل سوق كان يخصص لخدمة فئة من المواطنين والتجار، لكن منذ عام 2000، حيث منع أهالي الضفة الغربية من الدخول للقدس بدأت أزمة التجار تتصاعد ولا تتوقف”.
ويشدد أن الأعياد الدينية اليهودية تزيد المعاناة والأزمة، إذ تقوم قوات الاحتلال بفرض منع شامل على دخول البلدة القديمة، ما يضطر التجار إلى إغلاق محلاتهم لعدم وجود الزبائن، أو لكون شرطة الاحتلال تقوم بإغلاقها.
وعن عدد المحلات المغلقة تابع: “هناك ما يقرب من 400 محل مغلق بشكل كامل أو مؤقت بفعل الضرائب المختلفة ورسوم الخدمات المختلفة”.
وتابع: “أما الوجود العسكري الكبير والشرطي أمام المحلات ومنع المواطنين من الدخول والخروج وإغلاق القدس وفصلها عن باقي الأراضي الفلسطينية، فإن ذلك يدفع بالإغلاق، وهو أمر يمتد إلى أصحاب المحلات المتنقلة والبسطات التي يتم استهدافها في فترة الأعياد بشكل شبه يومي”.
ويضيف: “الرزنامة الخاصة بالأعياد العبرية تشير إلى أنها تمتد على معظم أيام السنة أعياد، كما أن هناك المناسبات الدينية الجديدة التي لم تعتد عليها مدينة القدس، وهي أعياد ومناسبات بدأت تظهر منذ أن تسلم نتنياهو والحكومة المتطرفة الجديدة، لقد بدأت الجمعيات المتطرفة تضغط على الحكومة من أجل تكثيف الاحتفالات وتكثيف دخول المستوطنين إلى القدس والأقصى، وهذا يعني منع العربي والمسلم من الدخول”.
وتوافق نهاية احتفالات المستوطنين بعيد الغفران مع ذكرى المولد النبوي، حيث تستهدف شرطة المدينة احتفالات المسلمين وتضيق على المصلين المسلمين، وتحديدا القادمين من المناطق الفلسطينية عام 1948.
ومنعت شرطة الاحتلال جمعية كشاف مدينة القدس من إقامة المسيرات السنوية والاحتفالات التي اعتادت عليها المدينة، حيث غالبا ما تنظم مسيرة ضخمة تجوب شوارع القدس من منطقة باب العمود وحتى شارع صلاح الدين.
وبحسب الرفاعي، فإن منع فرقة الكشافة من إقامة الاحتفالات المعتادة يعني أن الفرقة ستضطر إلى نقلها إلى مكان آخر، وهو أمر يعني أن الاحتلال لا يقتل المدينة في الأعياد اليهودية فحسب، إنما يعمل على منع وملاحقة الأعياد الإسلامية أيضا.
وختم: “الاحتلال لا يريد أي مظاهر إسلامية أو مسيحية في القدس”.
وأعلنت جهات مقدسية عن تنظيم احتفال مركزي تقوم عليه إدارة الأوقاف والشؤون والمقدسيات الإسلامية، وتحديدا داخل المسجد الأقصى.
وقبل ساعات الظهر كان قد توافد إلى الأقصى بضع مئات من مدينة القدس ويماثلهم من الداخل الفلسطيني المحتل، فيما توقع مرابطون أن ترتفع الأعداد لحظة موعد صلاة الظهر وما بعدها.
وأكدت مصادر مقدسية أن الاحتلال يقوم على تعطيل متعمد من إسرائيل لحركة السير، بفعل الحواجز التي يقوم بفرضها على مداخل المدينة ومداخل المسجد الأقصى.
ونقلت مصادر محلية عن إعاقة كبيرة ومتعمدة لحركة مرور الحافلات القادمة من الداخل الفلسطيني المحتل.
ورغم انتهاء عيد “يوم الغفران”، فإن المدينة بانتظار “عيد العرش” الجمعة القادم، وستشهد المدينة إغلاقا للطرق الرئيسية للبلدة القديمة ومحيط ساحة وحائط البراق.
ونشرت شرطة الاحتلال تواريخ مركزية لاحتفالات صلاة الكهنة يوم الاثنين والثلاثاء القادمين، حيث سيتم فرض إجراءات أمنية مشددة وإعاقة المرور على حواجز في مناطق متفرقة من سلوان ووادي الجوز وباب العمود، وهذا يعني أن القدس ستعيش طوال أيام الأسبوع القادم من الأحد إلى الخميس حالة من شلل الحركة في طرق حيوية، وهو ما يعني التسبب بأزمات شديدة وفوضى مرورية، وهو ما يعزز من قتل اقتصاد المدينة المحتلة.