واشنطن-“القدس العربي”:
فؤجى مسؤولو الأمن والدفاع في الولايات المتحدة وشركاء واشنطن في قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بسحب 2000 جندي أمريكي من سوريا، إذ حدث التغيير في السياسة الخارجية دون أي مؤشر على النقاش داخل الإدارة فيما يتعلق بمصالح الأمن القومي، مما ساهم في الارتباك والانتقادات الصحيحة والمفرطة.
والتوقيت كان مروعًا بالنسبة إلى العديد من السياسيين على الرغم من تقييم ترامب المتفائل بأن” نحن انتصرنا”، وهناك اعتقاد أن تنظيم “الدولة” لم يهزم وأن عودته كتهديد إرهابي ممكن مع سحب القوات ما زال ممكناً.
وعلى الفور، تم الرد على اعلان ترامب مع استقالة وزير الدفاع، جيمس ماتيس والمبعوث الخاص للتحالف الدولي لهزيمة تنظيم “الدولة” بريت ماكجورك، واشار السيناتور ليندسي غراهام صراحة إلى إعلان ترامب عن هزيمة الجماعة المتطرفة بأنها “اخبار مزيفة”، وقال النائب ماك ثورنبيري(جمهوري عن تكساس) إن القرار سيجعل أمريكا “أقل أمنا”.
وطلبت وحدات حماية الشعب الكردية الحماية من النظام السوري خوفا من أي هجوم محتمل من قبل تركيا، التي تعتبرها منظمة إرهابية يجب ازالتها من منبج، واغتنم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين فرصة خروج القوات الأمريكية، ورحب بقرار ترامب، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زهاروفا إن ذلك قد يؤدي إلى افاق حقيقية للتوصل إلى تسوية سياسية في سوريا، وقالت إيران إن وجود القوات الأمريكية دائما كان”غير منطقي ومصدر توتر”.
هذه الردود هي نتيجة رسائل مختلطة من مسؤولين كبار في الإدارة الأمريكية، مثل مستشار الأمن القومي، جون بولتون، الذي يوضح الحاجة إلى بقاء القوات الأمريكية في سوريا في حين أعرب ترامب في نفس الوقت عن رغبته في سحب القوات على الفور، وقال ماكجورك” لا أحد يقول إن مقاتلي “الدولة” سيختفون، لا أحد بمثل هذه السذاجة، لذلك نريد البقاء على الأرض لنتاكد من أنه يمكن الحفاظ على الاستقرار في هذه المناطق.
واشنطن تجد صعوبة في تحديد مصالحها واخطاء ترامب في المنطقة تربك الاعداء والأصدقاء.
هذه الاخطاء الفادحة في الاتصال، وفقا للعديد من المحللين الأمريكيين، هي نتيجة مؤسفة لمشكلة أكبر وأشمل داخل الإدارة تتمثل في غياب عملية فعالة للتقييم والمناقشة بين الوكالات التي يرغب الرئيس في اتباعها في صنع القرار، وقد وصل هذا الخلل إلى حد أعلان قرار الانسحاب بعد مكالمة هاتفية مع الرئيس التركي، أردوغان.
وأصبحت واشنطن، خلال الأسابيع القليلة الماضية، دائرة كاملة حيث تراجع ترامب قليلا وأعلن أنه يريد الانسحاب بوتيرة مناسبة في حين أعلن بولتون أن بعض القوات ستبقى حتى تهزم بقايا تنظيم “الدولة” وتضمن تركيا سلامة قوات حماية الشعب، وانتقلت فكرة”الانسحاب الفوري” إلى عملية قد تستغرق أشهراُ.
واستنتج محللون أمريكيون أن هذه الفوضى ذاتية السبب، ويمكن تجنبها إلى حد كبير، وكانت مناقشة تعقيدات السياسة الأمريكية في سوريا أفضل من قرار ترامب.
وقال المحلل جيمس كوك ، وهو أستاذ مساعد لشؤون الأمن القومي في الكلية الحربية البحرية الأمريكية ومتخصص في شؤون الشرق الأوسط، إن فرضية فقدان (الدولة) لدولة الخلافة تعني أنه لم يعد هناك التزام دائم من القوات الأمريكية ولكن العديد من النقاد جادلوا أنه يمكن التشكيك بشكل معقول فيما اذا كانت الاستعانة بمصادر خارجية لقتال”الدولة” مثل تركيا وايران وروسيا هو المسار السليم من الناحية الأستراتيجية بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من أن هزيمة تنظيم ” الدولة” هي هدف مشترك لجميع اصحاب المصلحة، إلا أن سوريا تقدم تناقضا في المصالح الوطنية ومعضلة استراتيجية بالنسبة إلى واشنطن، وقال ارون ديفيد ميلر وريتشارد سوكولسكي إن الولايات المتحدة ليست لديها مصالح حيوية في سوريا- فهي دولة ليست منتجة للنفط ولا تشكل قواتها المسلحة تهديدا وجوديا على إسرائيل كما ان خطر”زحف المهمة” وإمكانية جذب الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط دون وجود مصالح وطنية على المحك، وهذا اسباب مبررات سليمة لقرار ترامب.
وعلى النقيض من ذلك، يعتمد بقاء رئيس النظام السوري، بشار الاسد، على كسب الحرب الأهلية كما ان استمراره في السلطة هو أمر حيوي بالنسبة لايران ، وهو أمر حيوي للحفاظ على موطئ قدم لروسيا من الناحية العسكرية وتسهيل تنامي نفوذها في الشرق الأوسط ، وهذا الاختلال في المصالح في سوريا يدعم حجة رئيس مجموعة يوراسيا، ايان بريمر، بأن الاسد قد فاز بالفعل.
واوضح كوك أن إدارة الرئيس السابق، باراك اوباما، فشلت، ايضا، في معالجة هذه القضايا الصعبة والمثيرة للجدل بعد اصدار انذاره بالخط الأحمر في اغسطس/اب 2012 ضد استخدام الأسد للأسلحة الكيمائية ولكنه قرر عدم استخدام القوة العسكرية، وفي وقت لاحق، أعرب وزير الخارجية السابق، جون كيري، عن أسفه “لاننا دفعنا الثمن لعدم اتخاذ أي أجراء” ولجعل الامور أسوأ، أجبر هجوم”الدولة” في عام 2014 أوباما على إرسال قوات إلى العراق-وفي وقت لاحق سوريا-على الرغم من تعهده بعدم وجود أحذية عسكرية على الأرض.
وقد اتبعت الادارات الأمريكية المسار الأسهل في سوريا من خلال التركيز على الهدف على المدى القريب المتمثل في هزيمة تنظيم “الدولة” دون طرح السؤال المهم استراتيجيا، وماذا بعد؟ إن طرح هذا السؤال سيثير مسائل السياسة الخارجية الأساسية: هل تقبل الولايات المتحدة انتصار الأسد في سوريا، في ظل التكاليف الإنسانية للحرب الأهلية؟ وهل تستطيع واشنطن والرياض العيش مع جسر بري إيراني يمتد من طهران إلى بغداد ودمشق وبيروت؟ وهل تشكل البصمة الروسية الدائمة والمنافسة على النفوذ الإقليمي تهديدا أمنيّا للولايات المتحدة؟ وما إذا كان ترامب على استعداد لمواجهة تركيا، شريك الناتو، حول الدعم الأمريكي لوحدات حماية الشعب؟ وإذا لم يكن كذلك، فكيف تتجنب الولايات المتحدة الظهور كشريك آمن غير موثوق.
لا تعد أي من هذه الاسئلة من الأمور الزائفة، وهي مهمة من الناحية الاستراتيجية لتوجيه قرارات السياسة الخارجية، وهي تستدعي التشاور مع الكونغرس وشركاء الائتلاف الدولي، ووفقا لما قاله الخبراء، فان هذه العملية ستعالج التكاليف والفوائد والمفاضلات المرتبطة بالبقاء في سوريا أو الانسحاب منها، وعلاوة على ذلك، سيوفر ذلك مزيدًا من الشفافية والسياق فيما يتعلق بقرار ترامب بالنسبة إلى منتقديه ومؤيديه.
وطالب المحللون الأمريكيون ترامب بمخاطبة الشعب الأمريكي لشرح أفضل طريقة لتحقيق المصالح الأمريكية بالانسحاب من سوريا، وتقديم جدول زمني معقول يتم تنسيقه مع شركاء التحالف، والتعهد بتأمين الضمانات المتعلقة بسلامة الأكراد ومنع عودة ظهور “الدولة” كما يعد التواصل الفعال أمرار مما لأن المجتمع الدولي يعاني عندما يتم الإعلان عن قرارات السياسة الخارجية وبعد ذلك بوقت قصير يتم الاعلان عن قرارات متناقضة.
ودعا مراقبون إلى عدم التقليل من صعوبة تحديد المصالح الوطنية للولايات المتحدة في سوريا، بالنظر إلى عدد أصحاب المصلحة وجداول اعمالهم، ومع ذلك، فان غياب عملية منضبطة لجعل هذا القرار يعني أنه من المرجح أن يغرد ترامب قريبا بقرار اخر ليواصل دورة الغسيل والشطف والتكرار في السياسة الخارجية.