تحتاج البشرية إلى مئات، وأحياناً آلاف، السنوات لتأخذ خطوة صحيحة إلى الأمام، ليأتي ظرف طارئ أو «شخص طارئ» فيهدم البناء في لحظة، ويعيد البعض الكثير من البشرية خطوات عديدة مؤلمة للخلف. آلاف السنوات، ومئات، أو ربما آلاف الضحايا لإثبات أن الأرض كروية لا مسطحة، لتأتي لحظة جنون، نتمنى ألا تستمر، لتزلزل كل ذلك ولتعيد البشرية آلاف السنوات، حيث كانت الأرض مسطحة وكان العلماء عبيد رجال الدين! مئات من السنوات لتحرير السود في أمريكا، لتأتي لحظة جنون، حاضرة وتتمدد، لتعيد حركة «سيادة البيض» إلى شوارعها على إثر سياسة وأحاديث رئيس «خرم القربة» وعبر كما لم يعبر سابقوه عن العنصريات المريضة التي قد تسكن في عقول وقلوب البشر حتى في أكثر مناطق الأرض، افتراضاً تحرراً وانفتاحاً على الآخر. هكذا هي البشرية، تبني في آلاف السنوات وتهدم في ساعة، إنه قدرنا الغريب الذي يضعنا دائماً على حافة الهاوية.
ولطالما كانت الهند مضرب المثل من حيث تمسكها بالعلمانية التي قادتها إلى مصاف الدول المتقدمة نسبياً، ومقارنة بأفغانستان على سبيل المثال التي تمسكت بالهوية الدينية التي أخذتها إلى مصاف الدول المصدرة للتطرف والإرهاب. الهند التي كافحت بشدة انقساماتها العميقة، التي وظفت تنوع أعراقها وأديانها للإضافة للتعددية لا للنيل منها، التي كان لها رؤساء مسلمون، في حين أن تعدادها الأكبر هو من الهندوس، اليوم تصدر قانوناً يمنع تجنيس المسلمين على يدي رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي، الذي -في محاولة بائسة منه لتبرير القرار، وفي محاولة أكثر بؤساً لتهدئة الشارع الثائر، وهو شارع ضم من المسلمين ومن غير المسلمين كل الهنود المؤمنين بعلمانية بلدهم والقلقين على صحة تنوعها- قال مهادناً إن «المسلمين المتحدرين من الأرض الهندية والذين أجدادهم هم أبناء وطننا الأم، لا مبرر لقلقهم»، حسب ما ورد على موقع france24. وهكذا عوضاً عن أخذ خطوة تصحيحية حقيقية، يمعن رئيس الوزراء في ثقب حائط الوحدة الذي لطالما صد عن الهند، وذلك بتصريحات مقيتة هي أسوأ في الواقع من الفحوى العنصري الظاهر للقانون المطروح، فالإشارة إلى المسلمين «المتحدرين من الأرض الهندية» يعيد إلى الأذهان الخطاب العنصري العرقي البائد الذي اعتقدنا أنه انحصر في شرقنا الأوسط المسكين فقط لا غير، إلا أن أوبئة البشر لا تعرف حدوداً جغرافية، وها هي الدولة التي لطالما اعتمدت على علمانيتها لتحمي نفسها وتنوعها المهيب، ها هي تسقط بتصريح من رئيس وزرائها يحمي من خلاله «الأصيلين» ويخرج الملايين من عديمي الجنسية المسلمين داخل الهند ومن المهاجرين المستقبليين المحتملين خارج دائرة الاحتكام المدني العلماني الحق، وعودة لمفاهيم الأصول والأعراق. نحن جنس لا يتعلم أبداً.
يشير الكاتب الكويتي دكتور حامد الحمود، في مقال له نشر في «القبس» الكويتية بتاريخ 30 ديسمبر/كانون الأول بعنوان «تراجع العلمانية في الهند»، إلى وجود «تناقض واضح» بين الهند العلمانية والهند المتطرفة، وهو التناقض الذي يظهر من خلال عملية اغتيال المهاتما غاندي على يدي المتطرف الهندي ناثورم جوتسي، الذي -كما يؤكد الكاتب- كان «مرتبطاً بتنظيمات هندوسية متطرفة»، ويكمل الحمود:
تعتبر هذه التنظيمات القاعدة الاجتماعية والتاريخية لحزب الشعب الحاكم (بهارتيا جاناتا)، الذي يرأسه ناريندرا مودي، الذي استطاع أن يحصل على أغلبية برلمانية في شهر مايو/آيار الماضي، فقد حصل على 294 مقعداً من 542. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن حزب المؤتمر، الذي قاد الهند لمدة 77 سنة، لم يحصل في هذه الانتخابات إلا على 50 مقعداً، على الرغم من أنه قدم قيادات كان لها ثقل كبير؛ محلياً وعالمياً، مثل: المهاتما غاندي، ونهرو، وابنته أنديرا غاندي، هؤلاء كلهم كانوا يرون أن الهند لكي تستقر وتتطور لا بد أن تأخذ بنهج علماني يفصل الدين عن الدولة.
إن هذه القراء السريعة تشير إلى تراجع الهند، كما بقية العالم، عن الطريق العلماني الديمقراطي وإلى حيث طريق العنصريات التي تُعَرّفها الأصول والأعراق والألوان، طريق كل لوحاته الإرشادية مكتوبة بلغة قديمة تمييزية مريضة عفا عليها الزمن. يقول الحمود مستكملاً، إنه «سبق هذا التشريع البرلماني عدة انتهاكات من قبل القاعدة الشعبية لحزب الشعب أو «بهارتيا جاناتا»»، وإنه «وقبل قانون الجنسية بحوالي الشهرين، تم ضم مقاطعة كشمير وجامو اللتين كانتا شبه مستقلتين. لذا، عندما أصدر البرلمان تشــــريعه الأخير باستثناء المسلمين من التجنيس، كان في منزلة إعلان أن الهند هي للهندوس فقط». وأضيف أنا، إذا ما سمح الهنود لهذا القانون بالمرور، ولم يمارسوا الضغط المطلوب لكي ترده المحكمة العليا، فسيكون ذلك بمثابة إعلان وفاة الدولة الهندية العلمانية.
إن انتخاب ناريندرا مودي إذن هو ليس محض صدفة سياسية أو لعبة هندية داخلية، إنما وصوله هو ترديد لصدى العنصرية العالمي الذي بدأ يظهر صوته بصفاقة ووضوح مع النهايات الأخيرة للقرن العشرين، ثم علا صوته بحجة هجوم 2001 الإرهابي على أمريكا، لتردد صداه حالياً الكثير من دول العالم بتفاوت حسب الظروف والقابلية. إن ما يحدث مع المسلمين في المنطقة الشرق آسيوية عموماً، سواء في الصين مع الإيغور أو في ميانمار مع الروهينجا أو في روسيا مع الشيشان والقوقازيين، أو في الهند من حيث طرح هذا القانون الجائر، كل ما يحدث هذا يمثل ردة بشرية مريعة عن طريق العلمانية والمدنية إلى الطريق الأصولي لإحياء مفاهيم الأصل والعرق والانتماء الجغرافي الزمني والتقسيم الطائفي الديني. يختم الحمود مقاله قائلاً: «وأخيراً، فإن ما يحصل حالياً في الهند ما هو إلا تجربة أو مخاض سياسي يثبت أن هذه العلمانية التي طالما حاربتها الأحزاب الدينية في منطقتنا هي نفسها التي تحمي المسلمين في الهند؛ فالأحزاب الدينية عندنا مضطرة الآن للدفاع عن العلمانية، لأن تراجعها يؤدي إلى التمييز ضد المسلمين في الهند الذين يبلغ عددهم 200 مليون مسلم. فالعلمانية تنصف المواطنين بجميع أديانهم وطوائفهم؛ لأنها تبقى على مسافة واحدة من الجميع».
احسن نظام يحمى الاديان من كل انواع تجار الدين من شيوخ السلاطين الى المتطرفين و الارهابيين مرورا بكل الانواع الاخرى هو النظام العلمانى الشامل و الكامل ….لانه يسحب منهم الاصل التجارى و يعيد الدين الى وظيفته الايمانية و التعبدية بين العبد و ربه فى علاقة افقية و خاصة جدا لا تخرج عن هذا الايطار الخاص ….لان الايطار العام يجمع الجميع المختلف …بكل اختلافاتهم و كل معتقداتهم …..المسلمون يحبون و يستمتعون بالانظمة العلمانية الغربية لانها تحترم معتقدهم و اختلافهم و تعطيهم كل اامجال للتعبد و الاندماج ….مع باقى المجتمع ….لكن يرفضون هذا النظام عندهم …؟ لماذا يا ترى …؟ الايجابة فى اول التعليق ….
المسلمون يذهبون إلى الغرب بسبب الحروب والمشاكل في بلدانهم بمختلف أنواعها والتي تسببت فيها البلدان الغربية العلمانية بشكل مباشر أو غير مباشر، وهم يخافون من تطبيق العلمانية لأنها طبقت في بلدانهم ولم يروا منها إلا الخراب والاستبداد كما حصل في بلدك تونس، أما التجارة بالدين فهي أسطوانة أشبعت شرخا يروجها العلمانيون المتطرفون اللائكيون بهدف إبعاد اي تيار ينافسهم ويهزمهم كما حصل في مصر والجزائر فالقصد أي متدين يبعد عن المنافسة السياسية لكي ينفرد العلمانيين بالحكم فيحولوا البلاد خراباً كما فعلوا أسلافهم ناهيك عن ان المتاجرة بالدين لم تقتصر على المتدينين وإنما حتى العلمانيون يتاجرون بالدين إذا استدعى ذلك وعندي أمثلة ولكن لا يتسع المجال لذكرها، وأخيرا كل الحريات في الغرب ليس سببها العلمانية بالذات وإلا بماذا نفسر وجود أنظمة علمانية دكتاتورية في العالم سابقا والآن!
عندما وقع قتل ثلاثة خلفاء راشدين من اربعة اكيد هى مؤامرة من العلمانية ….و عندما تتقاتل منظمات الخراب و الارهاب و كل انواع تجار الدين من طائفيون سوى شيعة او سنة وهم كلهم يحملون راية لا الاه الا الله هو أكيد مؤامرة من العلمانية …..و عندما تعيش تونس اول ديمقراطية حقيقية فى ما يسمى العالم العربي فهى أكيد من جراء البناء الا سلامى و عندنا تعيش تركيا ديمقراطية حقيقية فهى اكيد من جراء البناء الاسلامى….
سيد رياض، انت انسان مسؤل و طبيب و محاور مثقف.
.
و من باب مسؤوليتك اطلب منك ان تعطيني ادلتك التي بنيتها عليها شتيمتك لي بالتدليس فيما سبق.
.
و أظن بما انك انسان مسؤول ستسارع باعطاىئها واضحة و ليس بالقاء كرة المسؤولية عند القراء .. بل فقط من له لب راجح منهم.
الاخ رياض-المانيا
نحن لا نريد من ردودك ان تعجبنا بل نريد ان نتعلم حقائق منها تجعلنا نتحاور ونصل الى نتيجة تفيدنا وتفيد غيرنا من القراء والمسلم المنسجم مع عقيدته الصلبه والمتاكد من صحتها لا يتهرب من الاجابة
عن اي اجابة تتحدث؟ وعن اي تهرب؟ اقرأ بعمق!
يقول ابن حزم : أن البراهين قد صحت بأن الأرض كروية…والعامة تقولين غير ذلك ..والبراهين من القرآن والسنة جاءت بتكويرها. ..الفصل في الملل والنحل ..ج1 .ص 349. …؛ وذهب ابن تيمية إلى أن الإجماع معقد بين علماء الإسلام على مر العصور على كروية الأرض. ..كما جاء في مجموع الفتاوي..ج. .ص 587. ..إذن من قال بالعكس حتى نصدق الصورة الملحقة بالمقال. ..ونكذب مصادر ومراجع التراث. …؟؟؟؟ أم أن فتاوي ابن أبي شفلحة أصبحت هي المقياس في الاستدلال أو الإسقاط. …
الفتح الإسلامي وصل إلى السند…وهو إحدى أقاليم باكستان الحالية. ..أما ذخول الإسلام إلى عموم الهند فكان بوسائل التجارة والدعوة الفردية أو المنظمة. ..كما كان الشأن بالنسبة إلى كثير من البلدان الأخرى مثل المالديف وبروناي وماليزيا واندونيسيا. …؛ ولا ينفي هذا الحملات العسكرية لبعض المكونات التاتارية والتركية التي كانت تحمل طابعا سياسيا وأهدافها محددة في الطموح نحو تشكيل الإمبراطوريات. ..وبالتالي فإن قياس ذخول الإسلام الى هناك. ..على الغزو الاستعماري الإنجليزي او الفرنسي..يفتقد للواقعية. ..!!!
1-ليس إنتقاداً بل مجرد توصيف:
– المنطقة العربية مشبعة بالدين, متدينة ومكثّرة, العقل الديني إنشغل بتخصيب الدين فأنتج التدين ثم أحاطه بهالة من القداسة تضاهي قداسة الأصل بل تفوقه, الدهنية العربية تسبح في مناخ غيبي هو نتاج ترددها في حسم موقف واضح من الحداثة ومفرداتها.
-كل دساتير المنطقة العربية تشير إلى الدين كمصدر تشريع, وأيضاً الدين هو المكون الأساسي في تكوين الثقافة العربية.
لهده الأسباب و حسماً للتدليس أقول: ليس هناك نظام علماني واحد بالمنطقة العربية.
أكثر من دلك: الأنظمة الموجودة هي بترياركية أبوية دكورية محافظة, يعني أنها أقرب إلى دولة دينية أكثر من أي شي تاني.
2–يحمّل الأخوة المحافظون كل مصائب الدين و الدنيا للعلمانية وهي لم تحكم يوماً ولا حول لها ولا بترول, أكثر من دلك هي تمثل أقلية, يدكرنا المحافظون…ورغم دلك يتظلّمون بأسراف سريالي هنا أتسائل: كيف لأغلبية واثقة تملك مفاتيح الأمر الواقع أن تعاني لهده الدرجة ؟ قالوا أحياناً إن العلمانية العربية تستقوي بالغرب وجهات خارجية حاقدة أخرى.. وطبعاً هدا عكس الحقيقة تماماً: الغرب لا يريد علمانية خارج الغرب, لا يريد ناساً تفاوضه راس براس, دون مركب نقص. بالدات مع المنطقة العربية الغرب ضامن مصالحه دون وجع راس, وكلما إقتضت المصلحة التطبيل للوهابية يطبل الغرب, شو فيها يعني ؟
– لو قُدر للمظلومية أن تصبح رياضة أولمبية لصِفي المسلمون بدوري الهواة مقابل المظاليم الحقيقيين : الأخوة الزنج, ضحايا الرّق, فلسطين الحبيبة شعب فيتنام العظيم, ويمكن أن نضيف..الأقليات القاطنة بالمنطقة العربية…
هل نظام مبارك والسيسي حاليا وبن علي وبشار الاسد الخ. انظمة دينية؟ وهل نظام ال سعود والنظام الايراني انظمة تمثل الاسلام في شيء؟؟ الاول نظام استبدادي عائلي والثاني نظام قومي عنصري يتخذان من الدين مطية، فلهذا وللاسف فغالب ما ورد في تعليقك هو معكوس على ارض الواقع، وأين هي مظلومية ما تسمى الاقليات في الوطن العربي؟
سيد رياض, لم أقل إنها أنظمة دينية, قصدي أنها أقرب من الدين منها إلى العلمانية ودكرت الأسباب, أما مظلومية الأقليات فتجسيداتها كثيرة للأسف, أحدها وضع أقباط مصر, بعد أن كانوا يلجون لمناصب إنتخابية بالدولة خصوصاً على لوائح حزب الوفد بالعشرينات صاروا مقصيين تماماً من المشاركة السياسية مند أن تحركت نسائم الوهابية على مصر زمن السادات. من مظاهر التضييق أيضاً رفع أدان صلاة الفجر بمكبرات صوت عالية جداً وسط أحياء مسيحية مثل المقطم مثلًا وهو أمر يفاخر به شيوخ عدة ويدرجونه في باب الدعوة للدين الحق…
إنها الإسلاموفوبيا التي عمت العالم،لأن الإسلام أصبح الديانة الأولى والأسرع نموا.ف 200 مليون مسلم بما يعادل خمس شعب الهند ليس بالسهل وهو ما يهددها مستقبلا مما دفع ساساتها إلى تسييس هذه القضية لمحاربة الإسلام وأبرز مثال على ذلك إصدار حكم جائر اتجاه الداعية الهندي الشهير ذاكر نايك بالتهمة الجاهزة وهو الإرهاب وقس على ذلك بلدان الغرب التي أصبح فيها المسلمون يشكلون فئة مهمة مما جعلها تستقطب آلاف إن لم أقل ملايين من أوروبا وأمريكا بعد الإطلاع على حقيقته مما جعله يحارب بشراسة ويكشف زيف العلمانية ونفاقها كما هي قضية الفولار بفرنسا.
لن أتدخل بينكم أعزائي الدكتور رياض والأخ الودود سلام والأخ اللدود ابن الوليد! فكلكم ألمان!! تحياتي ولا حول ولا قوة الا بالله
ههههه قوية منك هذه عزيزي واخي داوود. ان كنا في نظرك المان فانت ايضا جزء من الاتحاد الاوروبي وعليك واجب فض النزاع قبل ان يأتي الزحف الجارف من الجنوب.