القصير ليست بنغازي

لم يتحرك احد عندما حاصرت قوات الجيش السوري مدينة القصير واقتحمتها بمساعدة حوالى الفين من مقاتلي حزب الله، واستطاعت استعادتها في اقل من ثلاثة اسابيع من القتال الشرس، ولا نعتقد ان احدا سيتحرك عندما تبدأ معركة استعادة مدينة حلب وريفها التي تجري الاستعدادات لها، وبمساعدة قوات تابعة لحزب الله ايضا.
صيحات الاستغاثة التي سمعناها تقطع القلوب وتفجر الدموع، عبر القنوات الفضائية، تلاشت كليا، واذا ظهرت فعلى استحياء شديد للغاية، لان هذه القنوات، او معظمها، متورطة في المؤامرة بشكل مباشر او غير مباشر.
القصير، وباختصار شديد، ليست بنغازي، لان المقاتلين المستحكمين فيها، والمدافعين عنها، من الفصائل الجهادية الاسلامية مثل جبهة النصرة، احرار الشام، جيش المجاهدين، صقور الشام، مجلس شورى المجاهدين واخيرا الجيش السوري الحر.
هناك اتفاق روسي امريكي على تصفية هذه الجماعات الاسلامية المقاتلة جسديا، وبأسرع وقت ممكن، قبل انعقاد مؤتمر جنيف الثاني، وهذا ما يفسر التلكؤ الامريكي الاوروبي في ارسال اسلحة الى المعارضة المسلحة.
في بنغازي هناك نفط، وجيش هزيل لنظام مهزوز، وانتصار حلف الناتو مضمون، والخسائر البشرية معدومة، والاهم من كل هذا ان ليبيا بعيدة عن فلسطين، وليس مهما من يحكمها بعد سقوط النظام طالما ان النفط سيتدفق سلسا الى المصافي الاوروبية، لكن الحال مختلف في سورية، فالنظام ليس ضعيفا، ويحظى بدعم الجيش، وقوى اقليمية اكدت مرارا وتكرارا انها لا يمكن ان تسمح بسقوطه مثل ايران وحزب الله، وعراق المالكي، وفوق كل هذا وذاك روسيا.
‘ ‘ ‘
الحل السياسي القادم الى سورية عبر بوابة مؤتمر جنيف يجب ان يمر على جثامين المقاتلين الاسلاميين، ايا كانت الجهة التي تقاتلهم، سواء كانت النظام نفسه، او قوات حزب الله، او صحوات الجيش السوري الحر التي هي في طور التكوين.
القيادة الامريكية تغير تكتيكاتها وخططها حسب التطورات على الارض، وتتعلم دائما من اخطائها وتجاربها السابقة، ففي ليبيا لم تقدم على اساليب الاحتلال والغزو الارضي، ولجأت الى القصف الجوي، وفي سورية ترددت في خلق قوات الصحوات التي تولت محاربة تنظيم القاعدة على غرار ما حدث في العراق، واوكلت هذه المهمة، دون تكليف رسمي، الى قوات النظام السوري، فطالما انه يتصدى لهذه الجماعات ‘مجانا’ فلم لا، واهلا وسهلا فعدو عدوي صديقي، ولو مؤقتا.
الاطراف الاقليمية والدولية تتلاعب بالمعارضة السورية المسلحة، ويبدو ان هناك في المعارضة من ابتلع الطعم، وصدّق الوعود الغربية والعربية الكاذبة، واعتقد ان الوصول الى قصر المهاجرين في دمشق مسألة اسابيع او بضعة اشهر في اسوأ تقدير للوقائع على الارض، وتقدير قوة الخصم من خلال قراءات وتحليلات عسكرية وسياسية وديموغرافية علمية صحيحة.
خريطة الصراع السوري تتغير يوما بعد يوم، فمن يصدّق ان تونس التي دخلت التاريخ كأول دولة تطرد السفير السوري من عاصمتها، وتستضيف اول اجتماع لمجموعة اصدقاء سورية تفكر حاليا في استعادة هذا السفير الى سفارته، ومصر ما بعد الثورة التي كانت من اشرس المعارضين للنظام السوري تطرح حاليا مبادرة جديدة لايجاد حل سياسي للأزمة السورية تضم الدول الاقليمية الاربع الرئيسية وهي تركيا وايران والسعودية ومصر، الى جانب ممثل للنظام وآخر للمعارضة وثالث للجامعة العربية ورابع لمنظمة التعاون الاسلامي.
الرئيس المصري الدكتور محمد مرسي قال لي انه اراد توسيع نطاق مبادرته الرباعية الاولى بحثا عن حل سياسي، لان الوقائع اثبتت ان النظام يحظى بدعم قطاع من الشعب والجيش، والحل العسكري بات شبه مستحيل، وان الحل السلمي السياسي هو الطريق الامثل، وقد جرى تأجيل هذه المبادرة بسبب قرب انعقاد مؤتمر جنيف الثاني الذي تدعمه مصر وتؤيده ولكنها ستظل على الطاولة.
‘ ‘ ‘
رجب طيب اردوغان رئيس وزراء تركيا لن يكون هو نفسه الاكثر حماسا للاطاحة بالنظام السوري بعد انتفاضة ميدان تقسيم التي اندلعت مثل النار في الهشيم في مختلف انحاء تركيا، او بعد تفجيرات الريحانية الدموية، فقد ادرك ان حماسه هذا بات ينعكس ثورة على بلاده، وخطرا على امنها واستقرارها.
حملة الانتقادات الشرسة التي استهدفت حزب الله اللبناني بسبب تدخله في معركة القصير مفهومة، ولكن القضية الاساسية التي لم يتناولها هؤلاء النقاد واجهزة اعلامهم هي ان هذا الحزب لم يتردد لحظة في التدخل لنصرة حليفه السوري ومنع سقوط نظامه، بينما لم يحرك انصار المعارضة السورية العرب والاجانب، وما اكثرهم، ساكنا، ولم يرسلوا جنديا واحدا لنصرتها، اي المعارضة، واكتفوا فقط بفتح شاشات قنواتهم للبكاء على اطلال القصير، وتوجيه الشتائم لحزب الله.
معركة القصير لم تكن نقطة تحول استراتيجي رفعت من معنويات النظام وجعلته يحقق ابرز انتصاراته فقط، وانما ايضا لانها ازالت الكثير من الاقنعة عن وجوه الكثيرين في المنطقة، واصدقاء الشعب السوري المزعومين على وجه الخصوص.
لا بديل عن الحل السياسي لإنقاذ سورية، او ما تبقى منها، وحقن الدماء، والتخطيط لإعادة الاعمار، ونأمل ان يصحو الشعب السوري في الجانبين، النظام والمعارضة معا، ويفتح عيونه على ما يحاك ضده من مؤامرات عربية وغربية في الغرف السوداء، ويعود بالتالي الى رشده، فسورية كانت وستظل اكبر من النظام والمعارضة واعمق جذورا من اصدقائها واعدائها معا.

Twitter:@abdelbariatwan

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول المهندس- بيت المقدس:

    صح لسانك يا ابا خالد وأصبت كبد الحقيقة. الم يقل سيد المقاومة في لبنان في أحدى خطاباته محذرا الجماعات الاسلامية ان الغرب ينصب لهم فخا لكي يتخلص منهم, وقال لهم انصحكم بعدم الانجرار وراء الغرب والصهيوأمريكي, ولكن هؤلاء بدل ان يتدبروا الامر ويأخذوا بالنصيحة سارعوا لاستعداء وتهديد وشتم المقاومة الاسلامية في لبنان وانساقوا تماما وراء الاكاذيب الصهيوأمريكية ومشاريعها والتي لا تهدف الا لحماية وتأمين سلامة الكيان الصهيوني والابقاء على تفوقه العسكري والنوعي وثانيا الاستمرار في نهب الثروات العربية من النفط والغاز. ما اتمناه على الشعب العربي من محيطه الى خليجه ان يصحوا ويدرك حجم الغبن والنذالة التي تقودها السياسة الصهيوأمريكية في الوطن العربي, اليس هم من اعطوا الضوء الاخضر الى بعض الانظمة العربية لمد المعاريض الاسلاميين والجهات المتطرفة للنظام السوري بالسلاح والمال, وهم اي الغرب من يحارب نفس هذه البتنظيمات هؤلاء في مالي والصحراء. أمريكا والغرب ليس لهم صديق بل مصلحتهم فوق كل أعتبار , واخيرا أتمنى ان يصل كلامك الى قلوب المتنازعين والمتقاتلين في ارض الشام والى كل علماء الامة ومثقفيها لكي يصبوا اتجاههم في وعاء المصالحة والحكمة ويجنحوا الى السلم والمصالحة, فمستقبل الامة العربية يتطلب الحفاظ على وحدة سوريا ارضا وشعبا وغير ذلك درب من الجنون وخدمة للمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة العربية.لان المسجدالاقصى اولى بفتوى الجهاد من (فتاوي الجهاد) في سوريا واتي هي فتاوي اقل ما يقال فيها….؟

  2. يقول sh abdalla:

    أتفق معك تماماً استاذ ..اليوم أعلنتها صراحة ببقاء قاعدة شعبية مؤيدة للنظام اضافة لحلفائه الإقليمييين والدوليين ..للأسف ثورة الشعب السوري بآذار 2011 تم اختطافها وتحولت الى لعبة تصفية حسابات بين القوى الإقليمية والدولية ومن السذاجة استمرار طرح الأزمة السورية بالمنطق المبسّط اي نظام vs شعب ثائر. أنا مواطن سوري عادي من دمشق أدرك تمام المعرفة سوء النظام الحاكم واجرامها كما جرائم خصومه المسلحين دون الدخول السخيف بتوزيع المسؤولية الأخلاقية بين الطرفين..غالبية الشعب السوري حالياً تريد حلاً وسطاً لأنها انهكت تماماً فكفى مغالاة ومزايدة من قبل الإعلام العربي علينا وعلى دماء ابنائنا ..سورية بغالبيتها تريد الخلاص حتى لو ببقاء هيكل النظام الحالي مع العلم أن النظام السوري التقليدي البعثي الذي حكم البلاد اربعين عاماً قد ولّى الى غير رجعة منذ اذار 2011 ..لا نريد استبدال مجرم علماني بوحش سلفي رجعي ..وأنا متيقن أني سأنال السباب من البعض فالغشاوة مستمرة على كثير من العيون والحقيقة مؤلمة أحياناً ..ولك جزيل الشكر

  3. يقول شاكر محمود الشمري:

    السيد عبد الباري عطوان المحترم
    المشكلة ليست القصير بحد ذاتها و لا المشكلة في استعادة حلب وغيرها ..المشكلة ان هناك انهارا من الدم قد سالت …وعلى الطرفين الاسراع للجلوس للتفاوض وبدون ابطاء …لان الاستمرار في القتال هو موضوع عبثي .
    على بشار ان يعي اللعبة السياسية جيدا فالخاسر النهائي هو الشعب السوري دما وارضا وتاريخا واقتصادا…والمرحلة القادمة تبدو ملامحها من الان واضحة وان بعدت بعض الشيئ عن النظر…ان تركيبة وعقلية وثقافة الشعب السوري هي منفتحة بمعنى اخر ان بلاد الشام تعتمد على التجارة والموارد الطبيعية فيها ما عدا الزراعة هي محدودة ..المزيد من الدمار لا يخدم احد…النظام والمعارضة الموالية للغرب والدول الاقليمية كتركيا وايران و مصر والاردن وروسيا وامريكا واسرائيل كلها من المرحبين بنتائج معركة القصير ..ولكل ذي بصيرة فأن جبهة النصرة وحليفاتها هي الهدف المرحلي المشترك للجميع ..وما الدموع التي تذرفها بعض القنوات إلا دموع فرح بتصفية عناصر جبهة النصرة …ولا يستطيع اي انسان مهما أوتي من عقلية ستراتيجية ان يتوقع ما سيحدث في نهاية المطاف. فليس في السياسة حسابات ثابتة فهاهي تركيا تنكفأ داخليا …وعلى بشار وحزب الله …ودول الخليج ..الاسراع في عقد مؤتمر للخروج بحل وسطي للجميع وعلى بشار ان لاينسى اطلاقا ..ان حسم معركة القصير كان بسبب حزب الله وليس بسبب تخطيطه .. فقد كان يترنح قبل فترة قصيرة من الزمن..نرجو ان يسمع الكل صوت العقل والاسراع بالتفاوض على بناء نظام ديمقراطي يصون سوريا من الدمار…ويجب التذكير ان جبهة النصرة قد استوطنت في سوريا ..وهاكم مثال العراق ..الشاخص امامكم فالصحوات هي بمثابة حبة اسبرين لعلاج مرض مستعصي…ونشك ان القوة وحدها ستغير خارطة سوريا السياسية ,,ولو بدت الصورة الحالية ان النظام يتقدم ..فحاظنة جبهة النصرة ستبقى موجودة في سوريا ..والجميع بالانتظار عما ستفصح عنه قادمات الايام من وقائع…والسلام عليكم.

  4. يقول حسن - الإمارات:

    بكل إختصار “أحسنت”

  5. يقول محمد الطائفي:

    لا فض فوك أستاذ عبدالباري فقد أوضحت ما كان خافيا حيال الغرب ، فبالفعل عدو عدوي صديقي “ولو مؤقتاً ” .

  6. يقول زمن عجيب:

    ومع هذا ياكاتبنا العزيز الشعب السوري قالها من اول بداية الثورة مالنا غيرك يا الله وانهم ان شاء الله منتصرون .

  7. يقول اسماعيل الوحيدي:

    وفيت وكفيت وافشيت الغليل هذا هو عطوان الذي عرفناه وقرانا له دون ملل او كلل …. شكرا ونقول للاسف تونس تعود للوراء بوادر حسن النية التي بالغ بها الاسلام والوسطي ممثلا بالاخوان ترك الساحه للاخرين الاقرب الى العلمانيين المرتبطين كليا بارادة الغرب ومخططاته…. فقط اريد ان يركز الجميع على فكره واحده ممكن ان نعرف من خلالها حقيقة ما يجري في هذا العالم الغريب ايران وحزب الله والنظام السوري وتلكؤ امريكا وصمت اوروبا وتراجع اردوغان وما احدثته القوى الخفية في بلاده وهذا الصمود العجيب لبشار وانتهاء تقريبا رواية العداء الاسرائيلي الايراني والدليل مرور بوارج الحرب الايرانيه الى سوريا من مياه اسرائيل كل هذا الا يعطي حقيقه مرعبه ومخيفه بان هذا العالم يخضع لقوة هائله يتحكم فيها رابط واحد وميثاق واحد وكل من يحيد عنه تفتح عليه ابواب الجحيم ومن يخلص لهذه القوه وهذه الجمعيه فالعالم كله في خدمته … الشعوب ليس لها ارادة ولا قرار القرار في يد هذه القوة الخفية في تلك الغرف السوداء كما قال السيد عطوان … فهل عرفتم عدوكم من صديقكم !!! ستعرفون اذا فكرتم بهذه الملحمة التي تحدث في سوريا بين الحق والباطل

  8. يقول اياد- فلسطين:

    نشكر الأخ عبدالباري على هذا التحيل
    ولكن يجب على الجميع التفكير في وضع الحلول، لأن ما يجري فعلاً مخطط له بحكمة، فهناك الكثير من الدول تريد سورية ضعيفة، وهذه الدول تلعب دور الشيطان لمصلحة الإحتلال الاسرائيلي من خلال التالي :
    1. اضعاف جبهة النصرة وحزب الله والنظام.
    2. اعادة سورية الى الوراء لمئات السنين.
    3. وضع العداء المستمر بين الشيعة والسنة
    4. سلب خيرات سورية من خلال مشاريع إعادة الإعمار.
    5. عدم التفكير في أولى القبلتين.
    لذا يجب على جميع أن يفكر كيف يمكن حقن دماء المسلمين، وترميم ما تبقى من سورية، وإعادة أهلها للعيش بكرامة، فهم أهلنا

  9. يقول تسنيم:

    كلام جميل ،،، لكن لا أعتقد بأنه فابل للتطبيق فالمعارضه اللتي خذلها العرب السنه معها الحق والنظام المستبد المدعوم من ايران وذيلها نصر الشيطان بعقليه المستعر تريد ات تحكم القبضه على العرب سنه وشيعه وهم على باطللا اظن بانهم يمكنهم الاتفاق على شيء ،، نسال الله حقن دماء المسلمين

  10. يقول Ifriquiya:

    هذه نتيجة طبيعية. تم التغرير بالمعارضة وبشباب في عمر الزهور من تونس وليبيا ودول اخرى لصالح بعض الدول الخليجية التي تعادي ايران ويتم التخلي عليهم بعد ان راوا انهم لا يستطعيون القضاء على النظام. الخاسر الكبير هو الشعب السوري والشباب الاجانب الذين تم دفعهم للمحرقة وسيصبحون وبالا على بلدانهم. المئات من التونسيين الذين زج بهم في المعركة من طرف تجار الدين سيعودون وجزء منهم سيلتحق بالارهابيين في الشعانبي وغيره وذلك نتيجة قلة خبرة النهضة وتكالبها على السلطة. بالمقابل ستبقى سوريا اخر قلعة لحرية المعتقد بعد ان سيطر الاسلام السياسي والسلفيون على البلدان الاخرى.

1 2 3 4 5 6 10

إشترك في قائمتنا البريدية