الكل يعلم أن الدول العربية، خاصة المغربية منها، عاشت مخاضا عسيرا جراء احتلالها من طرف المستعمر الفرنسي، واستطاعت نخب تلك الدول عبر التاريخ ترويض المستعمر وبالتالي دحره خارج أوطانها، ثم ركزت جهودها على بناء دواليب دول حديثة بتماسك وانتظام. ولعل من مقومات تلك الأركان تأسيس برلمانات، كان في تونس يعرف بمجلس الأمة، ثم بمجلس النواب إلى حدود سنة 2011، تاريخ ابداله بمجلس تأسيسي، لكن النخب الحالية لم تضطلع بدورها على غرار من سبقتها، ما أحدث فراغا كبيرا سرعان ما وقع استغلاله من طرف أحزاب بلغ عددها بتونس 154 حزبا و13000 جمعية في بلاد لم يتجاوز عدد سكانها الـ11 مليون نسمة. وهذه الأحزاب، سواء التي تشكلت في تونس أوالجزائر أو المغرب، جلها قد حادت بالحياة الإجتماعية والاقتصادية والأمنية والسياسية والثقافية عن المسار الصحيح، لذلك تردت الأوضاع بهذه البلدان، بتخلي النخب عن دورها، والحال أنهم الأقدر على تصحيح المسار واستشراف آفاق المستقبل وكبح جماح الانتهازيين والمارقين، بالتوعية والتوجيه والالتزام بالثوابت والتشريعات والقوانين المنظمة لمختلف أوجه الحياة. صحيح أن تخلي النخب عن ممارسة دورها فيه، ما كان إراديا، بل كان احيانا من جراء الإقصاء الذي تعرضوا له. لكن ذلك لا يبرر بعدهم والإخلال بالرسالة المناطة بعهدتهم وبواجباتهم التاريخية فهم المسؤولون بالدرجة الأولى عن نجاح أو فشل بلدانهم، حيث أنهم المفكرون والمثقفون والمبدعون، وبالتالي المولدون للأفكار، كما قال الفيلسوف أفلاطون، وهم الباحثون عن الحقيقة، كما قال الإمام الغزالي. لأن النخب هم ربان سفن الأمم والضامنون للوصول بها إلى بر الأمان. وإرساء النظام العادل هو أساس العمران، كما قال العلامة عبد الرحمن بن خلدون، لا أن تترك السفن تتقاذفها الأمواج وتتولى قيادتها تلك الأحزاب التي في أغلبها أشباح تجرها أهداف ضيقة بعيدا عن المصلحة العامة والشاملة لأوطانها. ولعل الوضع الراهن بربوع البلدان العربية يستوجب تحريك ‘السواكن واليقظة وتحمل كل طرف مسؤوليته للنهوض بأوطانهم ووضعها على الطريق المستقيم للتخفيف على الأقل مما حل بها من تشتت وانشقاق، بأخذ العبرة من نضالات وتضحيات ابنائها القدامى والعمل على التواصل، لا أن يقع القطع مع الماضي لأنه بمثابة المأساة الحقيقية للشعوب.