القدس- عبد الرؤوف أرناؤوط:
حرص رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، والرئيس الأمريكي جو بايدن، على إصباغ صفة النجاح على قمتهما الأولى، يوم الجمعة الماضي، بالبيت الأبيض.
ولكن بعيدا عن الكلمات الحميمية التي أطلقها كل منهما عن الآخر، فإنه لم يكن بالإمكان الإشارة إلى نتائج عملية، باستثناء تعهد الرئيس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية، لإعادة شحن منظومة القبة الحديدية المضادة للصواريخ.
وحتى هذه المساعدة، التي تقدر بنحو مليار دولار، ما زالت بانتظار مصادقة الكونغرس الأمريكي رغم موافقة بايدن ومن قبله وزير الدفاع لويد أوستن عليها.
وقال وديع أبو نصار، الخبير بالشأن الإسرائيلي: “على المستوى الشخصي، فإن هذه الإدارة الأمريكية تفضل بينيت، وأي شخص آخر، على رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو”.
وأضاف: “الترحاب ببينيت لا يدل على محبة له، بقدر التعبير عن الكره لنتنياهو، وأنا استغرب كيف يتم الحديث عن صداقة قوية تنشأ خلال اجتماع استغرق 50 دقيقة”.
وتابع أبو نصار: “تأجيل الاجتماع لمدة تزيد عن 24 ساعة، هو مؤشر على أن إسرائيل ليست على سلم أولويات الإدارة الحالية، هي على أولوياتها بالتأكيد، ولكن ليس على رأس سلم الأولويات”.
ولم يسارع الإعلام الإسرائيلي إلى التقاط تصريح بينيت قبيل مغادرته للولايات المتحدة الأمريكية بأنه “حققنا جميع الأهداف التي حددناها لهذه الزيارة وحتى أكثر من ذلك”، وفضل التريث قبل الحكم عليها نهائيا.
فرئيس الوزراء قال: “اتفقنا مع الأمريكيين على عمل استراتيجي مشترك من أجل وقف السباق الإيراني نحو القدرة النووية؛ حققنا خطوة ملموسة فيما يخص التزود بالأسلحة، وتعزيز القدرات العسكرية الإسرائيلية”.
لكن الباحثَيْن في معهد دراسات الأمن الوطني الإسرائيلي إلداد شافيت وسيما شاين، قالا إن “المهم في تصريح الرئيس الأمريكي هو أنه بينما تفضل واشنطن بشدة تحقيق حل دبلوماسي، أي العودة إلى الاتفاق النووي، فإنه إذا فشل هذا المسار، فإن الولايات المتحدة مستعدة للتوجه إلى خيارات أخرى”.
وأضافا في دراسة: “لم يوضح الرئيس ماهية هذه (الخيارات الأخرى)، لكن، طرح هذه القضية بالذات كان أحد أهداف إسرائيل في هذا الاجتماع”.
واستدركا: “مع ذلك، رغم تصريحات الرئيس الأمريكي، تظل هناك تساؤلات حول سياسة الإدارة تجاه إيران في الأشهر المقبلة. لم يترك بايدن أي مجال للشك في أن إدارته تفضل العودة إلى الاتفاق النووي لوقف تقدم البرنامج النووي الإيراني”.
استراتيجية “الموت بألف جرح”
وكان مسؤول مرافق لرئيس الوزراء الإسرائيلي قد أشار إلى أن بينيت قدم للرئيس الأمريكي استراتيجية للتعامل مع إيران تحت عنوان “الموت بألف جرح”.
وبهذا الصدد، قال الباحثان شافيت وشاين: “بعبارة أخرى، هي سلسلة طويلة من العمليات الصغيرة على طرق ومستويات متنوعة كبديل لهجوم عسكري واحد واسع النطاق”.
أما أبو نصار فيقول: “بايدن لم يعطِ بينيت ما أراد، فهو لم يتحدث عن جدول زمني للمسار السياسي وتحدث عن خيارات أخرى ولكنه لم يتحدث عن الخيار العسكري”.
واعتبر بينيت أن أحد أهم إنجازاته، هي العلاقة التي أسسها مع الرئيس الأمريكي وقال: “اللقاء كان دافئا للغاية ومفيدا للغاية. تبلورت بيني وبين الرئيس بايدن علاقة مباشرة وشخصية، مبنية على الثقة”.
لكن صحيفة “هآرتس” العبرية حذرت في افتتاحيتها، الأحد، من أن مواصلة مهاجمة إسرائيل لأهداف في إيران سيقوض حتى هذه الصداقة.
وقالت: “طالما بقيت الإدارة الأمريكية متمسكة بالقناة الدبلوماسية، فإن من شأن النشاط الإسرائيلي المستقل أن يقوّض تلك الصداقة القريبة التي نشأت بين الزعيمين، وترفع إسرائيل إلى مسار الصدام مع الأسرة الدولية”.
وكان البيت الأبيض قال في قراءة للاجتماع: “أوضح الرئيس التزامه بضمان عدم تطوير إيران لسلاح نووي”.
الإعفاء من التأشيرة
وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي الإعلان عن بُشرى للشعب الإسرائيلي، بقرب إعفائه من تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وقال: “حققنا أيضا التقدم في موضوع يشغل الكثير من الإسرائيليين وهو الإعفاء من الحصول على تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة. كما سمعتم، الرئيس بايدن أوعز، لأول مرة، بالمضي قدما وبإغلاق هذا الملف في أسرع وقت ممكن”.
الأمر ذاته أشار إليه البيت الأبيض في قراءته للاجتماع بقوله: “العمل معا على إدراج إسرائيل في برنامج الإعفاء من التأشيرة، ووجه المجتمعان فرقهما لتعزيز المشاورات فيما تعمل إسرائيل على تلبية متطلبات البرنامج”.
إشارة البيت الأبيض إلى عمل إسرائيل لتلبية متطلبات البرنامج، يشير إلى أن الإعفاء من التأشيرات، قد لا يكون قريبا.
وفيما لم يوضح البيت الأبيض ولا الحكومة الإسرائيلية هذه المتطلبات، فقد أشار موقع “واللا” الإخباري” الإسرائيلي إلى أن الأمر يتعلق بشكل كبير بمضايقات السلطات الإسرائيلية للمواطنين الأمريكيين من أصل فلسطيني أثناء مرورهم من خلال المعابر الإسرائيلية.
الملف الفلسطيني
لم يتطرق رئيس الوزراء الإسرائيلي، ولو بحرف واحد خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي أو بعده، عن العلاقات الإسرائيلية مع الفلسطينيين.
وبدا لمن تابع تصريحات بينيت وكأن الموضوع غيّب كليا عن اللقاء، ولكن البيت الأبيض كان له رأي آخر.
ففي قراءته للاجتماع، قال البيت الأبيض: “شدد الرئيس بايدن على أهمية اتخاذ خطوات لتحسين حياة الفلسطينيين ودعم فرص اقتصادية أكبر لهم، كما أشار إلى أهمية الامتناع عن الأعمال التي قد تؤدي إلى تفاقم التوترات وتساهم في الشعور بالظلم وتقوض جهود بناء الثقة”.
وتابع: “أعاد الرئيس بايدن التأكيد على وجهة نظره بأن (خيار) حل الدولتين المتفاوض عليه هو السبيل الوحيد القابل للتطبيق للتوصل إلى حل دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني”.
تطرُقْ بينيت لهذه القضايا، كان من شأنه أن يبرز خلافات واسعة في الموقفين، فهو يؤيد الاستيطان وهدم وطرد فلسطينيين من منازلهم، بما في ذلك في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، وهو ما تعتبره واشنطن “أعمالا قد تؤدي إلى تفاقم التوترات وتساهم في الشعور بالظلم وتقوض جهود بناء الثقة”.
كما لا يُخفي بينيت معارضته الشديدة لحل الدولتين، الداعي لقيام دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل.
ورغم إعلان مسؤولين إسرائيليين بأن اللقاء لم يتطرق إلى مسألتي إخلاء عائلات فلسطينية من منازلها في حي الشيخ جراح وإعادة الولايات المتحدة، فتح قنصليتها العامة في القدس الشرقية، فإن مسؤولة أمريكية نفت ذلك.
ففي لقاء لها عبر الهاتف، مع قادة يهود أمريكيين، قالت باربرا ليف، مديرة دائرة مجلس الأمن القومي الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، إن كلا الموضوعين طرحا في اللقاء.
وقال موقع “تايمز أوف إسرائيل” الإخباري الإسرائيلي، السبت: “عند سؤالها إذا ما كان الموضوعين طرحا في اللقاء ردت: نعم ونعم”.
وأضاف: “قالت ليف إن بايدن أوضح أنه لا يزال يخطط لإعادة فتح البعثة الدبلوماسية للفلسطينيين في القدس، بعد أن أغلقها الرئيس السابق دونالد ترامب في عام 2019”.
وتابع الموقع: “كما قالت إن بايدن أثار معارضته الواضحة لعمليات إخلاء الفلسطينيين في الشيخ جراح في القدس الشرقية”، مشيرة إلى أن “الرئيس أبلغ بينيت أنه يريد أن يرى قرارًا بشأن هذه المسألة من شأنه أن يسمح للعائلات بالبقاء في منازلها”.
(الأناضول)