القمة الخليجية الأوروبية الأولى وضغوط التناقض!

حجم الخط
0

من حسن حظ القمة الأولى لدول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، التي انعقدت في بروكسل وعلى مستوى قادة البلدان الخليجية والأوروبية، أنها تمت في ظل رئاسة قطر للدورة الحالية لمجلس التعاون الخليجي، وذلك للعديد من الأسباب الوجيهة، التي ساهمت في جعلها أكثر من مجرد لقاء لتبادل كلمات الإطراء، للدفع باتجاه زيادة معدلات الاستثمارات المشتركة التي بلغت نحو 412 مليار دولار، ورفع مستويات التبادل التجاري المتعاظم الذي بلغ في عام 2022 أكثر من 204 مليارات دولار، وخاصة في مجالات الطاقة، والتحول الأخضر وتكنولوجيا المعلومات والسياحة. كل هذا ضمن إطار الشراكة الاستراتيجية، السياسية والأمنية والاقتصادية بين الجانبين، والتي انطلقت منذ 2022، بعد مسيرة متصاعدة دشنتها اتفاقية التعاون المشترك 1989 للتحرير التدريجي والمتبادل للتجارة في السلع والخدمات، فما يجمعه الاقتصاد قد تفرقه السياسة، ولغة المصالح المشتركة لا تسود دوما من دون نطاق سياسي وأمني يجعلها متسقة ومستقرة وغير متقلبة، ورب أوضاع جيوسياسية، أكثر فرزا وتأثيرا من المصالح الاقتصادية، وما تجربة التعاطي الأوروبي مع روسيا بعد الأزمة الاوكرانية والتضحية بالمصالح الاقتصادية الحيوية، الغاز الروسي ممول الطاقة الرئيسي لالمانيا وغيرها من دول الاتحاد، إلا مثال حي يرزق، فأوروبا حرمت نفسها من مورد للطاقة مضمون وقليل التكلفة، لمعاقبة روسيا ومقاطعتها، ومازالت تعاني من تكلفة البدائل، لكنها تحملت ذلك بدوافع جيوسياسية ضمن استراتجيات الشرق والغرب الغريبة أحيانا في تجلياتها!

الحضور القطري

كان الحضور القطري متميزا بتفرد خطابه، فمن إدانة موجعة لعدوان إسرائيل على غزة بعناوين الإبادة والتهجير القسري والإطاحة بالقانون الدولي والدولي الإنساني، الى الإشادة بالدول الأوروبية التي اعترفت بدولة فلسطين، الى تجريم إسرائيل بعرقلتها عمل الأمم المتحدة في غزة واستخدامها التجويع كسلاح في حربها على المدنيين الذين فلتوا من قصفها الأعمى، الى تقديم إسرائيل كدولة مارقة بعدوانها المستجد على لبنان وعلى قوات حفظ السلام، اليونيفيل، الى دعوة الاتحاد الأوروبي للنظر في ما يلزم لجعل إسرائيل خاضعة للقرارات الدولية ونداءات شعوب العالم والحكومات المنصفة الداعية لوقف إطلاق النار والجنوح للحلول السلمية العادلة وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، والإيقاف الفوري للاستيطان البغيض في الأراضي المحتلة، ومعاقبة المتجاوزين، الى نقد للمواقف غير المنسجمة مع حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها التي ينتهجها أصحاب المعايير المزدوجة، فمن يتحمس لمناصرة اوكرانيا بدعوى العدوان الروسي عليها، عليه أن يضاعف حماسته في نصرة الشعب الفلسطيني الذي يناضل وبكل الوسائل المتاحة لمقاومة احتلال عنصري لا يرحم، والقانون الدولي يكفل مقاومته، ولا استقرار ولا ورفاه في الشرق الأوسط والعالم من دون حل عادل لقضية فلسطين والأراضي العربية المحتلة، حسب مقررات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. وكما هو السعي الخليجي لإحلال السلام بين روسيا واوكرانيا، تسعى قطر لإيقاف حرب الإبادة بإنجاز اتفاق فوري لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل!
خطاب رئيس المجلس الأوروبي، شارل ميشيل، يتباين مع خطاب، أرسولا فون ديرلاين رئيسة المفوضية الأوروبية المنحازة مع سبق الإصرار والترصد للسياسات الإسرائيلية، وهو يزداد تباينا، ويشتد وضوحا، بالمقارنة مع خطاب، جوزيف بوريل، ممثل السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الذي دعا صراحة وفي أكثر من مناسبة لضرورة محاسبة إسرائيل بسبب تجاوزاتها السافرة للقوانين الإنسانية والدولية، وانتقد ضمنيا عجز الاتحاد عن اتخاذ ما يلزم مما يعزز القول بازدواجية المعايير وبالتالي فقدان سياسة الاتحاد ومواقفه للمصداقية. كان الخطاب مباشرا في تناوله لمشكلة الهجرة غير الشرعية التي تعاني من آثارها دول الشمال والجنوب، حيث لا معالجة جذرية لها من دون الخوض في الأسباب الدافعة للهجرة، كالفقر والحروب والنزاعات والكوارث، ولا فائدة من التصدي الموسمي لأعراض المشكلة دون حلول عالمية تتبنى المصالح الإنسانية العامة لا المصالح الأنانية والضيقة!
تكاد تتفق معظم دول الاتحاد الأوروبي على المفاصل العامة للسياسة الخارجية، وما دام الامن الجماعي لدول الاتحاد مرتبط عضويا بحلف الناتو، حيث هناك 23 دولة من الاتحاد عضو فيه من أصل 27، فإن دبلوماسيتها وعلاقاتها الخارجية ستنسجم حتما مع سياسة الإقرار بالانقياد لمشاغل الاستراتيجية الأمريكية وتبعاتها، ولأغلبها مواقف متقاربة إزاء روسيا والصين، وهناك تفاوت وتباين جزئي ومتذبذب ازاء القضية الفلسطينية، لأسباب عديدة متعلقة بالطبيعة السياسية للحكومات يمينا ويسارا، وصلابتها الأخلاقية إزاء المعايير المزدوجة المتبعة غربيا في تفسير وتطبيق القوانين الدولية وحقوق الإنسان أينما كانت، وأيضا درجة تبعيتها للسياسة الأمريكية، ومدى تجذر اللوبيات الصهيونية فيها، ونوع علاقتها بإسرائيل والدول العربية!
عندما تتوافق الأكثرية البرلمانية في المانيا وايطاليا وفرنسا هذه الدول الأعضاء في مجموعة السبع والتي حولتها أمريكا، عمليا، بديلا عن مجلس الأمن الدولي لمواجهة تحدياتها الدولية بسياسة العصا والجزرة، يسير مركب الاتحاد ومفوضيته مسارها، وهي أكبر دول الاتحاد الأوروبي من حيث السكان والاقتصاد والتأثير السياسي والبرلماني على عمل الاتحاد وسياسته، حتى نجده بالنتيجة يتبنى ما تتبناه تلك الدول.
وتبقى الأصوات المختلفة، ذات تأثير محدود وقد تجد تعبيراتها في البعض من مواقف حكوماتها، وهذا ما نجد صداه في موضوع الاعتراف بدولة فلسطين، وفي دعوة البعض لفرض عقوبات على إسرائيل، وكذلك في دعوة ايرلندا لتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد وإسرائيل!

مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي

مثلما لدول الاتحاد الأوروبي الـ 27 تناقضاتها لدول الخليج الستة تناقضاتها أيضا، لكن عوامل الوحدة غير السياسية بين دول الخليج أقوى عدة وعددا، فكل دول الخليج عربية، وثقافتها الطاغية عربية إسلامية، وأسلوب معاشها متقارب جدا، ومجلس التعاون الخليجي الذي تأسس عام 1981 يقدم نفسه كإطار سياسي اقتصادي عسكري وأمني لدول الخليج لكنه بقي مجلسا متذبذبا. وهنا يكون الاتحاد الأوروبي قد تفوّق بجعل الوحدة الاقتصادية أساسا للوحدة السياسية الجارية. لقد كان تداول القمة الأولى شمول حملة الجوازات الخليجية باتفاقية شنغن، دافعا للتساؤل عن واقع التنقل بين مواطني الخليج، ومدى الجدية في جعل التعاون الحقيقي بوابة للوحدة الفعلية؟

كاتب من العراق

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية