القمة وتشظّي الهوية العربية الجامعة للدول

حجم الخط
3

هل يمكن للمواطن العربي الرهان على تنفيذ قرارات القمة العربية في دورتها الثلاثين، التي انعقدت في تونس منذ أيام قليلة؟ بالتأكيد ليس من الصعب عليه الخروج باستنتاج، وهو أن القرارات في واد والتطبيق العملي لها في وادٍ آخر. على صعيد الصِيَغ فهي مكرّرة، ومُستهلكة، والدليل أنه رغم القرارات المتخذة في 29 قمة عربية سابقة، إلا إن الدول العربية تنفذ سياساتها الخاصة بها، بغض النظر عن قرارات القمم، وهذا ما يشهد عليه الوضع العربي الحالي.
تحدث البيان عن تقييم القادة العرب الشامل والمعمّق للعلاقات العربية العربية، والأوضاع السائدة فيها، وما تواجهه بلدانها من تحدّيات جدّية ومخاطر في أمنها واستقرارها وتنميتها، إلى جانب تداعيات التحولات المهمة التي تشهدها العلاقات الدولية والإقليمية. كما أكّد البيان على الالتزام الثابت بميثاق الجامعة، والقيم الكونية ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة، والنهوض بالوضع العام، وأن ما يجمع بين الأقطار العربية أكثر مما يفرّقها، لكن من التاريخ العربي، فإنه حتى كل صِيَغ التنسيق والتكامل العربي السياسية والاقتصادية فشلت تماما، فما هو المقصود من العمل على التضامن العربي هذه المرّة، والنهوض بوضع المنطقة، والعمل على مواجهة التدخل الخارجي في المنطقة؟
المسألة الثانية، من الذي ساهم في تحويل المنطقة العربية إلى ساحة للصراعات الدولية والإقليمية، وإيجاد ملاذات للإرهاب، أليس النظام العربي نفسه؟ فمثلا، أكّدت القمة العربية الحرص على وحدة ليبيا، كما وحدة سوريا، وعودة لاجئيها، والإشادة بإنجازات العراق، وإيجاد حلول سياسية للصراع في البلدان، واستبعاد الحلول العسكرية، كما حلّ التناقضات في الصومال وموريتانيا، ودعم الجامعة العربية، وأهمية التنسيق السياسي والاقتصادي والأمني العربي. كما تطرٌق البيان إلى اليمن، وضرورة التقيّد باتفاق الهدنة ووقف إطلاق النار، وتنفيذ اتفاق استوكهولم، والمبادرة الخليجية، ومؤتمر الحوار وقرارات مجلس الأمن الدولي، بما ينهي الأزمة والتدخلات الخارجية الإقليمية، ويحفظ استقلاله ووحدته، وتقديم المساعدات الإنسانية لشعبه، الخ. ولكن من يعيق الحلول السياسية لهذه الصراعات؟ ولماذا جرى منع وفد سوريا من المشاركة في القمّة؟ ومع من سيجري الحلّ؟ ولماذا لم يتوقف قصف اليمن؟ ومن الذي غذّى الصراعات الطائفية والإثنية في العالم العربي؟ أليس هو النظام العربي نفسه، وخير مثال على ذلك أيضا: الجزائر والسودان، فرئيسا البلدين مستمران بحكمهما، على الرغم من المظاهرات الشعبية اليومية المطالبة باستقالتهما، رغم أن كلّا منهما حكم بلده لعقود طويلة، ويتهم الجماهير في بلده بأنها تتحرك وفقا لأوامر أطراف خارجية، وهي اسطوانة تقليدية معروفة، يعزف عليها الحاكم العربي. لا ننكر تماما نظرية المؤامرة، لكنها المشجب التي يعلَّق عليها تقصير الأنظمة، أمام التنمية ومعالجة الفقر المستشري حد الجوع في الكثير من أقطار العالم العربي، كما البطالة، واغتناء الحكام وأقاربهم والبطانات المحيطة بهم، والفساد والنهب والسرقات التي تتم لموارد البلدان، كما الطلاق مع التطبيق الديمقراطي، والاستعاضة عنه بالممارسات الديكتاتورية للحاكم في بلده. وبالنسبة للإقليم، جرى التأكيد على علاقات حسن الجوار مع إيران.

بيان القمة العربية الأخير، أظهر اتفاقا عربیا وتطابقا في المواقف، لكن ذلك كله على الورق فقط

أيضا، بالنسبة للقضية الفلسطينية، فقد ذكرت القمة كلاما جميلا، وبخاصة عن مركزية القضية الفلسطينية، والقدس. كما هضبة الجولان العربية المحتلة واهمية عروبتهما، ودعم الفلسطينيين والشرعية الفلسطينية ماليا ومعنويا وسياسيا في المحافل الدولية، ودعم صمود الشعب الفلسطيني والأونروا واليونسكو، وقراراتها بشأن القدس والأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة، والحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدّسة، وأهمية تحرير الأسرى الفلسطينيين من المعتقلات والسجون الإسرائيلية، وإحياء مبادرة السلام العربية، وحل الدولتين من خلال التسوية العادلة، وقرارات الشرعية الدولية، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وإدانة العدوان الإسرائيلي وقوانينه العنصرية، وبخاصة سنّ قانون القومية، والاستيطان، وأن م. ت. ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وحق عودة اللاجئين وفقا لقرار الأمم المتحدة رقم 194. ورفض محاولات تهويد القدس، وتغيير ملامحها التاريخية. للعلم: تم في عام 1974 في قمة الرباط إنشاء لجنة لإنقاذ، ولكن ما الذي فعلته اللجنة للقدس؟ فعشرات الملايين التي تم رصدها للفلسطينيين والحفاظ على عروبة القدس في القمم العربية، لم يجر دفع سوى 50 مليون دولار حتى اللحظة من قبل لجنة القدس ومؤتمرات القمم، كما أن هناك تقصيرا كبيرا في دعم اليونسكو والأونروا، ثم أن هناك رفضا لمبادرة السلام العربية من القادة الإسرائيليين من شارون إلى نتنياهو، وهم ينادون بإعادة النظر في بنودها، والاستيطان يتزايد تدريجيا في الضفة الغربية والقدس والجولان، وهناك خطة جديدة بإسكان 250 ألف مستوطن إسرائيلي في الأخيرة. عمليا، تم القضاء على إمكانية حل الدولتين الذي ترفضه إسرائيل مطلقا، وتم ضم القدس إلى دولة الكيان عام 1967، والجولان عام 1981، ورفضت وترفض إسرائيل حق العودة للاجئين الفلسطينيين، كما كل قرارات الأمم المتحدة حول القضية الفلسطينية، فما قيمة بنود بيان القمة العربية على أرض الواقع؟
القضية الثانية، أن من يقوم بالتطبيع العلني مع إسرائيل هو بعض أطراف النظام الرسمي العربي، الذي شارك في القمة؟ ألا تُستقبل وفود إسرائيل في العديد من الدول العربية، وتذهب وفود عربية إلى تل أبيب؟ عدا عن العلاقات السرية لدول عربية وإسلامية (وفقا لنتنياهو) مع تل أبيب بالفعل، فإن قمة تونس جاءت والدول العربية في أسوأ أوضاعها. بيان القمة العربية الأخير، أظهر اتفاقا عربیا وافیا وشاملا على الأولویات، وتطابقا في المواقف، لكن ذلك كله على الورق فقط، أما في الواقع فالخلافات والتباینات في المواقف ھي الحقیقة الثابتة. المستجدات على المسرح الدولي والإقلیمي كانت تستدعي قمة عربیة بمنھجیة مختلفة، وقرارات تتجاوز الأسلوب التقلیدي المتّبع في القمم السابقة، غیر أن الانقسامات الحاصلة في الجسم العربي، والانشغال بالأزمات، والتبعية لأمريكا، كما التطبيع الرسمي العربي یحول دون بناء مواقف عربية موحدة صلبة ومتماسكة.. لقد انعقدت القمة قبیل أیام من انتخابات الكيان، وبعد ضم الجولان، وعلى مشارف صفقة أمريكیة موعودة لتصفية القضیة الفلسطینیة وفق مصالح إسرائیل، وخلافا لقرارات الشرعیة الدولية، أما الواقع العربي فيُضعف الدور العربي تجاه القضايا، بما في في ذلك القضية الفلسطينية.
نعم، الكثير من الدول العربیة مطالبة بالبقاء على الوضع الجغرافي الذي هي عليه، أما المخططات، وفقا لبرنارد لويس، فبتقسيم الدول العربية لتصبح 42 دويلة. إن إعادة ترسيم الوطن العربي أمر لیس جدیدا، وھذا حدث من قبل، فحدود الدول العربية في الأساس، رسمھا الغرب الاستعماري (مؤتمر كامبل بنرمان، سايكس بيكو، وعد بلفور، الخ). نعم، الكیانات الوطنیة العربیة في العموم تعاني من إشكاليات صراعات هوية مكونات الدولة الواحدة، وعملیة تثویر الھویات تأسست بناءً على مطالب متراكمة، لم تتحقق، كما بأيد خارجية تحاول تفجير الوحدة الوطنية لعموم الأمة ومكونات البلد العربي الواحد ديموغرافيا، لذلك فهي مؤهلة للانفجار، وبخاصة بعد فشل أغلب الدول العربیة في صیاغة ھویة عربية جامعة، وتعزیز العدالة الاقتصادیة والاجتماعیة والمساواة بین المواطنین. والتقصير في تحلیل الظروف التي تعيشها البلدان العربية، والمخططات الخارجية وطمعها بالموارد والثروات، ویجري ذلك بتوظیف وسائل كثیرة، في سیاقات أبرزھا، الإعلام والأحزاب والدین والجماعات الدینیة والمذھبیة والعرقیة والقبلیة، في ظل غیاب العدالة، وشیوع الفساد، وانعدام القانون، وتفشي الخلافات، وتحویل المجتمعات إلى طبقات، بعضھا منتفع وصامت، وأغلبھا متضرر وجائع وخائف، ھذا فوق أن ھذه البیئات مقموعة لذلك، فالنار تحت الرماد تكمن فیھا.
للأسف، أن العديد من الأقطار العربية تعيش مقدمات ما قبل التشظي، بفعل ظروف ذاتية تكمن في النظام العربي نفسه، وأوضاع موضوعية، سمّها ضغوطات، أو مؤامرات صهيونية وأمريكية وغربية وإقليمية، ترى في تفتيت الدولة العربية مجالا لتوسيع نفوذها الإقليمي. للأسف، النظام الرسمي العربي الذي يحافظ على أهمية التنسيق العربي الجماعي على الورق، لا يحسن أو هو لا يريد، أو يملى على أطرافه ما ينتهجه من سياسات، والنتيجة هو تضرر عموم الدول العربية في مرحلة من العصر الجديد، أدركت فيه دول عديدة في مناطق جغرافية واحدة من العالم، أن عصرنا هو عصر التجمعات الجغرافية الإقليمية والتنسيق بين دولها، مثلا: دول الاتحاد الأوروبي، اتحاد دول أمريكا اللاتينية، منظمة الوحدة الإفريقية وغيرها من الصيغ، للأسف إلا دولنا العربية، التي تزداد افتراقا بعضها عن بعض.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رجا فرنجية - كندا:

    كما يقول ألدكتور فايز رشيد في مقال اليوم “أن عصرنا هو عصر التجمعات الجغرافية الإقليمية والتنسيق بين دولها، مثلا: دول الاتحاد الأوروبي، اتحاد دول أمريكا اللاتينية، منظمة الوحدة الإفريقية وغيرها من الصيغ، للأسف إلا دولنا العربية، التي تزداد افتراقا بعضها عن بعض”. فعلاً انه من المؤسف حقاً ان دولنا قد وصلت لهذه الدرجة من ألأفتراق وأختلاف فيما بينها في الوقت الذي سبق عالمنا العربي الدول الغربية في كافة المجالات حيث كان ألأسلام مرادفاً للتقدم العلمي وكان الخلفاء مصدر القوة والعلم والتجارة. وقد اصبحنا الآن في اسفل دول العالم حيث تحولت ثمار الربيع العربي إلى استبداد وحروب جديدة. كلاهما يولد البؤس والمعاناة لشعوبنا. لقد آن الأوان لقادتنا في اعادة النظر في علاقتنا من أجل رخاء شعوبنا.

  2. يقول سيف كرار ،السودان:

    صدقني يااخ رجا فرنجية ،نمت العلاقة العربية الاسرائيلية وازهرت حتي ان ناتنياهو عرض علي بعض قادة العرب تحمل المسؤلية والمشاركة في قطاع غزة بعد الاستيلاء عليها ،لذا ذابت بعض كتل الجليد التي كانت عائقة في التواصل بين العرب واسرائيل ونتج عنة تحالف جديد….

    1. يقول رجا فرنجية - كندا:

      أخي سيف كرار، ان ما تقوله صحيح. ان هذه ليست سمات العرب، ان ما يحز في نفسي ما كانت تقوم به السلطة الفلسطينية نفسها بأبلاغ سلطات ألأحتلال عن شبابنا واعدامهم كما حصل قبل ايام او زجهم في السجون. لكن سيأتي ذلك اليوم ويتم تحرير ارض فلسطين من البحر الى النهر وسيعود الصهاينة الأشكناز من حيث اتوا.

إشترك في قائمتنا البريدية