‘القنابل المتكتكة’ التي ستشعل برميل البارود

حجم الخط
0

وجد ‘الشباك’ لاجلنا سببا آخر يُبين لماذا كان معتز وشحة مستحقا للموت. فقد كان مراقبا على ‘عملية اطلاق نار’ على موقع للجيش الاسرائيلي في داخل الضفة الغربية. وبعد أن حاصرت قوة شرطية وعسكرية ضخمة بيته في 27 شباط وقتلته من مسافة قصيرة، حدثتنا التصريحات الرسمية عن أنه كان يملك سلاحا وخطط لعملية. إن كلمة ‘عملية’ هي كلمة تسحرنا فتقتل كل تساؤل مضايق في مهده. وهي تستخرج من الذاكرة ذكريات دامية عن حافلات مفجرة وحينما تتناول المستقبل تقترن بـ ‘قنبلة متكتكة’ تقترن بصورة آلية بـ ‘يحل القتل’. فلماذا نتناول التفصيلات ونسأل اسئلة لا داعي لها مثل: اذا كان خطيرا جدا أفما كان الاجتهاد أكثر لوقفه والتحقيق معه والحصول على معلومات اخرى، أفضل؟ فقد عرف ‘الشباك’ والجيش الاسرائيلي كيف يعتقلان اشخاصا أعلى رتبا منه فلماذا فشلا هنا خاصة؟.
أضيفت لنا الآن المعلومة الحيوية عن الفعل الوقح الذي لا يحتمل المنسوب اليه وهو الرقابة على موقع للجيش الاسرائيلي (حيث يوزع جنودنا الرحماء فهم لا يطلقون النار ولا يراقبون) يوزعون البوظة والسكاكر على اولاد فلسطينيين مساكين من القرى الفقيرة (ألم تعرفوا ذلك؟) في وقت اطلاق نار على الموقع (الذي هو في الأصل نادي جاز مع غيتارات، ألم تسمعوا بذلك؟). إنه يستحق أن قتلته قواتنا من مسافة قصيرة، وتستحق أمه وأبوه أن وقفا في الخارج ورأيا كيف يحترق بيتهما ويُدمر وكيف يقترب الموت الذي يجسده جنود الشرطة الخاصة من ابنهما خطوة بعد خطوة.
جاءت قواتنا لتوقيفه في قوة كبيرة ذات ضجيج. فهل هكذا يعتقلون؟ وجاءوا بقوة أكبر واكثر ضجيجا بأضعاف لاعتقال حمزة أبو الهيجا في مخيم اللاجئين في جنين في 22 آذار. فهل هكذا يحتجزون؟ إن ‘الشباك’ والجيش الاسرائيلي أوقفا أعلى رتبا وخبرة منه ولم يفشلا، ونفذا في اماكن بعيدة أقل شهرة من مخيم اللاجئين جنين، نفذا مهمات سرية ونجاحات. فهل الحديث هنا خاصة عن اعتقال فشل؟ أم يتجدد أمام أعيننا اسلوب قديم وهو أن تُعدم قواتنا تحت غطاء اعتقال فشل، مشتبها فيهم غير كبار بعملية مسلحة على مرأى من الاطفال والنساء.
إن حمزة أبو الهيجا يستدعي اسئلة تُسكت مسبقا حتى أكثر من حالة وشحة. فهو من حماس وهو ابن لمسؤول كبير من حماس سجين يقضي في السجن عدة مؤبدات لمشاركته في عمليات انتحارية، وهو ساكن في مخيم لاجئين يرادف مطلوبين من جميع الطوائف.
تحدث أبو الهيجا الشاب في مقابلة يمكن أن تراها في يو تيوب كيف اعتاد رجال شرطة السلطة الفلسطينية توقيفه بصورة راتبة وكيف جاء الجنود الاسرائيليون ذات مرة لاعتقاله (وقد اعتقل حقا وحُقق معه عدة اسابيع وأُفرج عنه)، وكان على يقين من أن الفلسطينيين فعلوا ذلك مرة اخرى، فقد قال: ‘لاجهزة الامن الفلسطينية والاسرائيلية حاسوب واحد’. وكل الاسئلة التي سألها هؤلاء سألها الآخرون. وهو لم يُسلم نفسه، مثل وشحة، ويبدو أنه أطلق النار على القوات التي حاصرته بخلاف ما فعل وشحة. لكن قواتنا أطلقت النار آخر الامر على رجليه حينما قفز من النافذة وقتلته من مسافة قصيرة.
وهنا ايضا نثر المتحدثون العسكريون كلمات مفتاحية: فقد قيل في تقرير أولي على لسان ضابط رفيع الرتبة: ‘خلصوا في الايام الاخيرة في جهاز الامن الى رأي أن أبو الهيجا خطط لتنفيذ عملية في الايام القريبة. وتابع ‘الشباك’ نشاطه مدة بضعة اسابيع وتبين لافراده أن المطلوب يخطط لتنفيذ عملية اطلاق نار على مستوطنين أو على جنود من الجيش الاسرائيلي. فهذا احباط لعملية من نُعرفه بأنه ‘قنبلة متكتكة’ كان يفترض أن تُنفذ في الايام القريبة’. وبعد ذلك ببضع ساعات، بحسب تقرير آخر اقتبس فيه من كلام قائد قوة في الشرطة الخاصة، كان أبو الهيجا مطلوبا في الخلية التي ‘خططت لتنفيذ عملية في الوقت القريب المباشر في داخل دولة اسرائيل’.
هل اطلاق نار على جنود ومستوطنين أم عملية داخل اسرائيل؟ إننا لا تهمنا هذه الفروق في التقرير. فالشيء الأساسي هو أن ‘العملية’ و’القنبلة المتكتكة’ تقطر الى أدمغتنا مثل مخدر. فلا توجد عندنا تقريبا في الوقت نفسه تقارير عن عشرات المواطنين الفلسطينيين الذين يُجرحون بل يقتلون باطلاق نار دائم ثابت من جيشنا. وأما التقرير الذي كان فقد دُفن سريعا.
إن كليشيه ‘برميل بارود’ أصغر من مخيم اللاجئين جنين. فمؤيدو فتح هناك الشاعرون بالمرارة لاهمال السلطة الفلسطينية إياهم أقرب الى رفاقهم من المنظمات الاسلامية الخصم من كبار مسؤولي حركتهم في رام الله. ألا توجد الوسائل عند من علم يقينا أن أبو الهيجا الشاب خطط لعملية ‘في الوقت القريب المباشر’ في داخل اسرائيل، لوقفه والتحقيق معه؟ أولا يعلم من يجمع كل معلومة صغيرة عن كل عائلة فلسطينية أن عملية مداهمة كبيرة للمخيم وقتل ثلاثة مسلح واحد وشابين حملا جثته نحو بيته هي شعلة متقدة لا مجرد ثقاب في برميل بارود؟ أوربما يكون القصد الى هذا بالضبط؟.
إن طريقة كلام الجيش و’الشباك’ تسحرنا كالـــعادة بايهامها الموضوعي المهني. وكلماتها تتغلغل الى الدم والى الخلايا السوداء وتبني هناك واقعا ذا بعد واحد ليهود يطارَدون بلا سبب. إننا نحذركم من أن صيغ الكلام العسكري تهييء مرة اخرى للتصعيد المسلح القادم.

هآرتس 30/3/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية