القنبلة القذرة: تعامل مزدوج مع تأثيراتها المدمرة

المسؤولون الروس في الأيام الأخيرة؛ وجهوا تحذيرات متكررة للقيادة الأوكرانية من مغبة استخدام القنبلة القذرة. كما أن وزير الدفاع الروسي، اتصل هاتفيا بنظرائه الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين والأتراك، ووصف هذا الاستخدام المحتمل بأنه تجاوز لكل الخطوط الحمر.
أمريكا وفرنسا وبريطانيا شجبت أو رفضت هذا الادعاء وقالوا مسؤولوها إنه محض ادعاء كاذب، وأن أوكرانيا لن تستخدم هذا السلاح، أو بالأحرى إنه ليس في حوزتها، وبينوا أن روسيا تريد من هذا الادعاء الكاذب؛ تصعيد الحرب. وفي تحد واضح لروسيا بينوا أنهم سوف يواصلون دعم أوكرانيا في جميع الحقول ومنها الأمنية والعسكرية، كي يكون في قدرتها الدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي على أراضيها، كما يقولون.

اتجاه الحرب قد لا يسير طبقا للإرادة الأمريكية بفعل عوامل تعمل لصالح روسيا، سواء في الداخل الأوروبي أو التغيرات المحتملة في الداخل الأمريكي

ربما تريد روسيا، في حال كان هذا الادعاء فعلا كاذبا، كما يقول الغرب عنه؛ أن يكون غطاءً أو مبرراً لاستخدامها للقنبلة القذرة، مهما يكن الأمر إذا ما تم استخدام هذه القنبلة، سواء من قبل القوات الروسية، بعد أن توجد المبرر أو العذر، كاستخدام أوكرانيا لها، عندما يتم لها وتتمكن من صناعتها في مصانعها، باستخدام اليورانيوم المستنفد، من مخلفات اليورانيوم المستخدم في مفاعل الطاقة النووية على أراضيها؛ فإن هذا التطور سوف يكون خطيرا جدا، يدفع بالناتو وروسيا إلى الوقوف على حافة البركان النووي من هذه الحرب التي لا يبدو أنها ستنتهي قريبا.
أمريكا وروسيا تعتبران هذه الحرب؛ حربا مصيرية، أو بمعنى آخر؛ حربا على مساحة النفوذ. المسؤولون الروس بلا استثناء يؤكدون أنها حرب ليس أمامهم فيها إلا الانتصار. من الجانب الثاني أمريكا تؤكد أنها سوف لن تسمح لروسيا أن تجني الثمار من هذه الحرب، مهما كان حجم الثمرة. عليه فإن هذه الحرب سيشتد أوارها وتزداد شراسة مع تقدم الزمن عليها، إلى أن يجبر الطرفان تحت ضغط المتغيرات المحتملة التي سوف تنتجها هذه الحرب، إما بالاقتراب الأخطر لجهة الكارثة من القادح النووي؛ الذي يقود حتما إلى الدمار التام، أو بإيجاد منطقة تتلاقى فيها أنصاف الحلول المرضية، إجبارا للدولتين، أمريكا وروسيا على القبول بها. أمريكا دفعت الفرقة العسكرية 101المجوقلة إلى التجحفل مع القوات الرومانية على حدود أوكرانيا، هذا التحرك العسكري الأمريكي في إطار الناتو هو رسالة تحذير لروسيا من الإقدام على أي عمل عسكري خارج حدود أوكرانيا، ومن الاستخدام للسلاح النووي، سواء التكتيكي أو غيره في حربها مع أوكرانيا. واللافت للانتباه في ما يخص الاستخدام المفترض للقنبلة المشعة، او القنبلة القذرة؛ كم الشجب والإدانة له، واللافت للانتباه أيضا، ما يرتبط بالقانون الدولي، وبالعدل والإنصاف في هذا القانون، أو في تطبيقات هذا القانون على الواقع العملي، وبحق الإنسان أينما كان، أو في أي مكان كان من المعمورة؛ في الحياة الآمنة في الحاضر وفي المستقبل. القنبلة القذرة أشد فتكا من جميع الأسلحة، وأقصد هنا الأسلحة التقليدية، هذه القنبلة، كما يقول عنها خبراء هذه الأسلحة؛ إنها على الرغم من تأثيرها المحدود، أي في محيط هدفها، تعمل على صهره تماما، بدرجة حرارة أكثر من 1200 درجة، سواء كان الهدف سلاحا مدرعا أو مواقع حصينة.. وما لها من تأثير معنوي كبير جدا، على قوات العدو المستهدف بها. أما التأثير الأشد فتكا، فهو التأثير بعيد المدى.

اتجاه الحرب قد لا يسير طبقا للإرادة الأمريكية بفعل عوامل تعمل لصالح روسيا، سواء في الداخل الأوروبي أو التغيرات المحتملة في الداخل الأمريكي

يقول خبراء الأسلحة القذرة، التي لا يمتلكها سوى أربع دول، هي روسيا وبريطانيا وأمريكا والكيان الإسرائيلي المحتل؛ إن تأثيراتها الكارثية تظل تفعل فعلها في الإنسان لملايين السنين، من خلال انتشار أوكسيد اليورانيوم في التربة وفي الجو، ويعرّفه الخبراء؛ بتراب اليورانيوم. لم تستخدم الأسلحة النووية، سواء كانت تكتيكية، أو استراتيجية، أو القنابل المشعة، إلا الولايات المتحدة الأمريكية، فقد استخدم الأمريكيون لأول مرة القنبلة النووية في اليابان، واستخدموا القنابل القذرة في الحرب على العراق، في عام 1991 وفي الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، وعلى نطاق واسع. استخدام هذه الأسلحة في العراق أدى إلى انتشار أمراض السرطان فيه، انتشارا واسعا. في ذلك الوقت لم يحرك أحد ساكنا في تعرية هذا الاستخدام من جميع الدول بما فيها الدول الكبرى والعظمى الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي، التي يفرض عليها موقعها الدائم في مجلس الأمن الدولي؛ أن تشجب وتعري وتدين هذا الاستخدام لأسلحة لها تأثير مدمر في حياة الإنسان لملايين السنين. ولم يزل مستمرا إلى الآن، صمت العالم الذي يدعي أنه عالم الحرية والديمقراطية وحماية حقوق الإنسان في أي مكان من الكرة الأرضية، على الجريمة الأمريكية بحق الشعب العراقي، من دون أن يكلف هذا العالم نفسه وضع هذه الجريمة تحت شمس الحقيقة، أمام الرأي العام الدولي وفي المقدمة منه الرأي العام الغربي والأمريكي.

بالعودة إلى السجال أو المناكفات الدائرة الآن بين الناتو وروسيا في ما يخص الاستخدام المفترض للقنبلة القذرة، التي لم يتم استخدامها من الجانبين حتى الآن؛ ومن غير المحتمل أن يتم، أو يقوم أحد طرفي الحرب باستخدامها، إلا إذا قرر أحدهما تصعيد مسارات الحرب إلى النهاية، التي تقود حتما إلى أن يقفا على حافة النهاية للهاوية النووية العميقة، والسقوط تاليا في قاعها المدمر، دمارا تاما لا علاج له أبدا. الناتو بعد التحذيرات الروسية شديدة اللهجة؛ من المحتمل جدا أن لا يسمح لأوكرانيا، حتى إن امتلكت هذا السلاح باستخدامه، كما أن روسيا هي الأخرى، استخدامها لهذا السلاح أمر بعيد جدا؛ إلا إذا قررت الدخول في صراع أو حرب مفتوحة مع الناتو. هذا القرار الروسي؛ من الصعوبة ان تجنح إليه روسيا في صراعها مع أمريكا والناتو، إلا في حالة واحدة وحيدة؛ بأن نتائج هذه الحرب سوف تكون تهديدا وجوديا لها. في هذه الحالة وهي حالة بعيدة الاحتمال، أي احتمال أن تصل هذه الحرب إلى الجرف الروسي بما يقود إلى هز كيانها داخليا وعلى حدود جغرافيتها، عندها سوف تستخدم، او تطبق العقيدة العسكرية الروسية؛ باستخدام جميع المحرمات من الأسلحة التي في حوزتها. هذا يفسر لنا؛ تحذير ثعلب السياسة الأمريكية هنري كيسنجر، لأمريكا والغرب، من أن عليهما، أن لا يحصرا روسيا في الخندق الضيق الذي لا هواء فيه لكي يتنفسه الدب الروسي، ما يجبره على تحطيم كل ما حوله. عليه فإن هذه الحرب وبدفع أمريكي وليس أوروبيا، من المحتمل جدا؛ أن لا تنتهي في المقبل من الزمن. أمريكا لا تريد لهذه الحرب أن تصل إلى منطقة الزلزال، وفي الوقت ذاته لا تريد لها أن تنتهي بتحقيق روسيا لأهدافها من هذه الحرب. الأوضاع قد لا تسير طبقا للإرادة الامريكية في هذه الحرب؛ بفعل عوامل كثيرة تعمل لصالح روسيا، سواء في الداخل الأوروبي أو في التغييرات المحتملة في الداخل الامريكي، (انتخابات التجديد النصفي..) أو في محيط منطقة الحرب، أو في الفضاءات الإقليمية والدولية.. أو الاقتراب من الصدام المباشر بين روسيا والناتو في حرب مفتوحة. هذا الاقتراب من الصدام له مخاطر جمة، وهي مخاطر كارثية؛ تهز هزا وجوديا طرفي الصراع. لذا، فإن الاحتمال اليقيني للصدام المباشر، سوف يجبر الجانب الأمريكي والغربي على التفاوض لوضع الحلول الوسط لهذه الحرب.
كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الدكتور جمال البدري:

    مقال يستحق القراءة كما عوّدنا المبدع مزهر جبر الساعديّ.وأضيف أنّ هذه المواجهة في أوكرانيا بين روسيا ومن ورائها الصين ضد الناتو ومن ورائه الولايات المتحدة؛ هي حرب اقتصادية بالدرجة الأولى لكسر سلطان الدولار؛ الذي جعل من
    اقتصاديات الدول تبعًا مباشرًا أو غير مباشر للنفوذ الأمريكي.فعلًا الحرب ( رحى ) التغييرات الكبرى في الصراعات الدوليّة.

إشترك في قائمتنا البريدية