لقد تحدثت كثيرا عن علاقة الكاتب بالقارئ، والقارئ بالكتاب الذي يقرأه لكاتب ما، وإن كانت هناك علاقة مزدهرة فعلا بين هذه الأطراف، أم أن الكاتب ينبغي أن يطرح عمله للقارئ عبر ناشر جيد، ثم يختفي تماما عن أي طموحات يضعها القراء للحديث حول كتابه، ومناقشته هو شخصيا سواء بحضوره مكان النقاش، أو عبر تطبيق زوم وغيره من تطبيقات الافتراض التي كثرت جدا في عهد فيروس كورونا، وتستمر حتى الآن. لقد أصبح من السهل دعوة العشرات أو المئات إلى الحضور الافتراضي، لمناقشة أي شيء، عبر رابط يرسل لهم.
وأظن هذه الطريقة ليست سيئة، على العكس ساعدت في انتشار مفهوم القراءة، ووجود شريحة من المتفاعلين ليس بمقدورهم، أو ليس من مزاجهم التحرك من خلف الشاشات لحضور فعالية ما، ولكن يمكن تواجدهم إن أقيمت لهم هذه الفعالية في شاشاتهم.
لقاءات الزوم وغيره جاءت أيضا بثقافة أن لا حقوق للكاتب في الحضور بأي حال من الأحوال، ولا حقوق للأكاديميين الذين ينفقون أوقاتا جسيمة في صياغة دراسات شاملة للكتاب الذي تتم مناقشته، باعتبار أن لا تكلفة حدثت، فلم يتحرك أحد من مكانه، لم يسافر أحد، ولم يقض ليلة في فندق. وكأن لا قيمة للوقت الذي يقضيه الكاتب أو الباحث وهو مرهق يجيب على الأسئلة، ويحاول النفاذ من مصائد عدة ينصبها بعض المتواجدين، الذين في الغالب لا يعرفون عنه شيئا، وإنما فقط يودون إحراجه، ما دام موجودا، في لقاء مجاني، عبر تطبيقات مجانية.
هنا أردت التحدث عن القارئ الذي أسميه القارئ المتتبع، أو المخالف، وهذا من الممكن جدا أن يكون قارئا فعليا، أي اطلع على شيء من نتاج الكاتب، لكنه لا يود أن يكون قارئا عاديا، يتحدث أو يكتب انطباعاته في مواقع القراءة، من دون أن يبدو مميزا، وبعضهم يبالغ في ارتداء التميز ليصبح معلما للكاتب، والكتاب كلهم.
أنا أحد الذين يدخلون مواقع القراءة من حين لآخر، هناك تستطيع أن تعثر على انطباعات جيدة، مكتوبة بضمير قرائي خالص، لا يهم إن كانت في صالح الكتاب أو في غير صالحه، لكن من كتبها، قرأ فعلا، وهضم ما قرأه وكتب ما ينبئ بذلك.
على العكس من ذلك، تعثر أيضا على أوهام، لن تكون حقيقية أبدا، تعثر على كتابة مليئة بكلمات مفخمة، لا تمس الكتب التي تناقش في شيء، أوهام مثل: توقعت النهاية من الصفحة الأولى، أو توقعت النهاية بعد أول كلمتين، في الرواية، أو لو كانت روايتي لكتبت أفضل من ذلك.
حتى الآن لا بأس أن تلقى الأوهام في المواقع الافتراضية، يطلع عليها من يطلع عليها، وغالبا الكاتب لن يراها، لأن لا وقت لأحد مهتم بالكتابة في تتبع ما يقال عن كتابته، في زمن لا بد من وظيفة من أجل لقمة العيش. الكاتب أو المبدع عموما هو موظف في جهة ما، ثقافية أو غير ثقافية، قد يراه الآخرون خاصة إن كان لامعا في مجال الكتابة، ثريا من الإبداع، لكن في الواقع، لا يوجد ثراء، ولا توجد بارقة أمل في الحصول على حياة جيدة من مشاريع الكتابة فقط، والاعتماد كله على الوظيفة.
الذي يحدث أحيانا أن يكون القارئ هذا حريصا جدا على أن يعرف كاتب الرواية ما قاله في تويتر وفيسبوك ومواقع القراءة المختلفة، وأرسله لأصدقائه عبر الرسائل المباشرة، وهنا يكتب للكاتب رسالة خاصة، يعرف تماما أنه سيقرأها.
وكانت من أغرب الرسائل التي وصلتني رسالة من واحد حضر أحد لقاءات الزوم التي حضرتها، وكانت حوارا عاديا مع القراء، ولا تختص بكتاب معين، لكنه لم يستطع مواجهتي في حينها. لقد انتقد بعنف رواية لي، وقال إنني لا أصلح كاتبا، وعليّ البداية من جديد.
كان يتحدث عن عوالم لا أعرفها، وذكر شخصيات ليست شخصياتي وأحداثا لم أكتبها، واتضح في نهاية الأمر أن الرواية ليست لي، والقارئ كان همه الأساسي مهاجمتي من دون أن يتأكد إن كنت أنا صاحب الرواية أم لا؟ ولا أدري هل قرأ تلك الرواية فعلا؟ لأنه إن قرأها، كان من المفترض أن يعرف من كتبها، لأن اسمه موجود على ظهر غلافها.
أيضا تقهرني كثيرا التقييمات المتدنية التي يمنحها البعض للكتب القيمة، فلا أحد في عداد قارئ حقيقي يجرؤ على منح رواية «مئة عام من العزلة» أو «الغابة النرويجية» أو «ثلاثية» محفوظ، أو «المخطوط القرمزي»، نجمة واحدة. هذه ليست روايات ولكن مدارس كتابية، ينبغي الانحناء وأنت تفتح صفحاتها، أنا ومجرد أن أجد من يكتب: من حيث، ومن المفترض أن، ولأن مسار الكتابة، إلخ، أعرف أن الوهم ممسك به وأن لا مراجعة ذات قيمة يمكنني الحصول عليها.
بالنسبة لموضوع النجوم هذا، ينبغي إلغاؤه فعلا، ولا يترك هكذا ليستخدم عشوائيا. ينبغي الدخول إلى مواقع القراءة، وكتابة رأيك سواء أن كنت قارئا أم لا، والخروج من دون أن يتيح لك النظام وضع نجمة أو نجمتين أو خمسة نجوم. نحن هنا في أماكن تخضع للمزاج العام والكتب العظيمة ليست محمية من العبث، هكذا.
أيضا من نوع كتابة وهم التميز، أن يقرأ أحدهم رواية، وربما يعيد قراءتها مرات قبل أن يأتي إلى نقاشها في حوار افتراضي مباشر، أو يكتب ما يكتب في مواقع الكتب، وهذه القراءة ليست حديثا عن الرواية ولكن مطاردة لكل سطر فيها، وبحثا عن الأخطاء النحوية والطباعية والإملائية التي قد تكون موجودة، والتدخل في الصياغات التي يبتكرها الكاتب، وإدخال نحو معقد وكلاسيكي في وسطها. وفي النهاية وهم الانتصار حين يعلن للملأ أن هذه الرواية التي تحبونها ما هي إلا خرقة ممزقة، وطبعا هذه أسوأ أنواع القراءات، أن تجحد عملا إبداعيا بهذا الشكل، أن تحاول قتله، لكن صراحة الإبداع الحقيقي لا يموت.
*كاتب من السودان
بوركت أستاذ أمير، وأستمتع كثيرا بكتاباتك المفيدة والغنيّة..
الداء يكمن في وسائل التواصل الحديثة، وأضرارها الحقيقة أكبر بكثير من منافعها..
هي التي جعلت للحمقى أصواتا تُسمع، بعد أن كان مداها محصورا في دُورهم فقط، ومسامع البعض من أقرباءهم و معارفهم..
هذه هي لعنة العصر، أن يكون مغفل ما يعيش على بعد آلاف الأميال، ونصير مضطرين ولو عن غير قصد، أن نسمع ما يقول، ونسلّم بوجوده ، وبوجود أتباع له مخلصين أيضا !!!!
نهارك سعيد يادكتور: لماذا العلاقة معقدّة بين الكاتب والقاريء؟ اسمحلي بيان المعنى اللغويّ للكاتب وللقاريء. إنّ الكاتب من كتب…أي خرز طيّات القربة وسدّها بالخيط والمخيّط؛ كي لا يتسرب منها الماء فيهدر.فهو المتقن للخرز. بالمخرز أم بالقلم.طبعًا هناك معانٍ أخرى.القاريء؛ من قرأ ؛ القرء: الوقت.فأنت بين متقن وصاحب وقت…فإنْ لم تتقن الخرز ؛ ذهب ( ماء ) الوقت سدىً.لذلك القاريء { يعتمد } على الكاتب والكاتب عليه أنْ يحسب حساب وقت القاريء… فالوقت كالسيف إنْ لم تقطعه قطعك: ثلاثًا ومثنى…وذهب الماء سربًا ياموسى.وصلني كتاب جديد هديّة عن فنّ التفاوض؛ فيه عبارة جميلة ومناسبة؛ لغوتة الشاعر الألمانيّ تقول: ( وضوح الهدف يؤدي إلى الاطمئنان ).لذلك الكاتب الواضح سيجد القاريء الأوضح؛ فينجح.لنْ أقول ضمير { ينجح } لمنْ يعود على القاريء أم على الكاتب.فابحث؟
الفائده العظمي من القراءه للكتب، هي أن تناقش ماقرأته مع الآخر في الوضع المناسب والاستفاده منه… مثلا قرأت كتاب الفريق الشاذلي اسم الكتاب الخيار العسكري.. يعتمد هذا الكتاب اساسا علي علم الإحصاء والقوائم والجداول الرياضيه… الآن الفوضي تعم في السياسه السودانيه.. مثل.. تكوين الجيش والمليشيات المسلحه والهجره الداخليه ونظرية السكان المعدومه باتفاقيات غير علميه بمقصلة الجهل الاستراتيجي.. any way…
ثمة كثير من الوهم ها هنا – بالتأكيد كتاب الشاذلي “الخيار العسكري”، هذا الذي يتكلم عن تكوين الجيش من أجل خوض الحروب (أو حتى قمع الشعوب)، لن ينال أية حظوة لدى أي من دعاة السلام المخلصين و المنتشرين على وجه الأرض !!
اكيد ……! ما لم يكتب الكاتب لدوافع انسانية بحتة فهته العلاقة ستبقى معقدة …! اغلبية الكتاب يكتبون ابتغاء الشهرة و التكريم …! و هذا في حد ذاته خطأً جسيما ……! لكن على من تقرا مزاميركً يا داوود …؟
يا أيها السوداني الأصيل بداية من الإسم (أمير تاج السر) أين المال أو الإيرادات من ما ورد تحت عنوان (الكاتب والقارئ – علاقة معقدة) https://www.alquds.co.uk/?p=3124706
والأهم هو لماذا، وما دليلي على ذلك؟!
لأن (السودان) حالما وصل (حسن الترابي) إلى سدة الحكم، أثناء الحصار الظالم على العراق، خصوصاً بعد استرجاع الكويت في عام 1991،
أنا، (والعياذ بالله من كلمة أنا أو ثقافة الأنا (الكِبر) أو عدم الإعتراف (بثقافة الآخر) داخل الأسرة أو الشركة أو الدولة) من بقية أمة (لغة القرآن وإسلام الشهادتين) بدأت بالتحفيز على الإستثمار في العراق والسودان بالذات، بعد عام 1991،
وخلاصة تجربتي، كانت سيئة جداً، والسبب لا يوجد إنسان يعرف معنى الكلمة أو الزمن أو الإنتاج في وقت مُحدّد، ولا يوجد إحترام لأي ميزانية، ولا يوجد إحترام لأي تخطيط، ولا إحترام لبقاء أي أموال مخصصة لأي مقاولة/مناقصة في المصرف،
بل أي موظف/مسؤول، له حق ضرب القانون، ويستخدم أي مبالغ مخصصة، في أي شيء لأي شيء، بلا منطق ولا موضوعية ولا علمية، بل تعتمد على هوى ورغبة الموظف/المسؤول،
ولذلك حقيقة لا أعرف كيف أشكرك يا ا. فالح الدوري، على هذا الدليل، لكيفية تفكير أهل الكويت في إدارة وحوكمة أي خدمة في دولة الكويت،
كنموذج من نماذج دول مجلس التعاون، وكيف فهم العُماني، هذه الخدمة وعملية الرسوم عليها، يجب أن يدفعها غير مواطن أي دولة من دول مجلس التعاون،
أما المواطن (الكفيل/الأرباب) فلا يجوز على الدولة، أن تطلب منه أي رسوم من أي خدمة،
السؤال لماذا، خطر له هذا التفكير،
وهل هذا التفكير صحيح، أم لا؟!
وللعلم أن (دونالد ترامب) في عام 1989، صرّح برغبته نقل كل استثمارات شركاته، للعمل في الكويت بسبب ذلك،
وأن ما فعله (صدام حسين) يوم 2/8/1990، قلب الطاولة، على هذا المفهوم في دول مجلس التعاون،
بداية من مؤتمر مدريد للسلام في عام 1991، حيث تم فرض الترتيب الجديد للعالم تحت قيادة صندوق النقد والبنك الدولي وأخيراً معهد الحوكمة الكندي وشروطهم الخمس في الوصول إلى دولة الرفاهية والسعادة:
– الشفافية.
– اللا مركزية.
– حاضنة التقنية (الأتمتة).
– الحوكمة الرشيدة.
– حق تعليم لغات الأقليات نفس حق تعليم اللغة الأم، لإلغاء التمييز العنصري/الفاشي/النازي، الذي يمثله الفكر الصهيوني في دولة الكيان الصهيوني، ويتم تمريره من خلال الحرية والديمقراطية لظلم أهل (فلسطين) بالذات.
ولذلك ذكرت أحسنت يا حبيبنا أبا معاذ (محمد أبو شعر)، هناك فرق شاسع بين جنة العلمانية (الإشتراكية/الشيوعية)، وبين جنة المسلم، كما شرحها الشيخ (محمد علي الصابوني/محمد متولي الشعراوي(سوريا))، لمن لا يعرفه، أليس كذلك؟!
خليط ما بين الإشتراكية والشيوعية والحزبية، حولت دولة الحداثة (الآلة/العسكر) إلى دولة الظلم بإسم الديمقراطية والحرية (دولة الكيان الصهيوني أفضل مثال إن لم يكن سوريا أو مصر أو روسيا أو أوكرانيا)،
نحن نعرض حل إلى دولة سوق الحرام (الظلم)، في كيفية تحويلها إلى دولة صالح للسوق (الحلال) في دائرة البريد التابعة لوزارة الاتصالات في أي دولة، من خلال مشروع صالح (التايواني)، من خلال:
– هدية دولة تمثل (مستقبل علم التدوين).
– دورة لمدة أسبوع لتغيير طريقة عمل أي مسؤول/موظف، من أسلوب عقلية الجباية الربوية إلى أسلوب الحاجة أم الاختراع لمنع أي هدر في موارد واقتصاد أي دولة على أرض الواقع.
من أجل خلق إمكانية، منافسة (فلسفة) سوق أمريكا (أمازون) أو منافسة حكمة سوق الصين (علي بابا) الذي تستطيع الوصول إليه بلا حدود أو عوائق أو نقاط سيطرة من خلال الآلة التي في يد أي إنسان(ة).
مقال مفيد جدا شكرا جزيلا، الثقافة محنة المثقف فالجبهات متعددة والله المستعان