الكتابة الجديدة هي الكتابة الجيدة
سمر يزبكالكتابة الجديدة هي الكتابة الجيدةكل لحظة أبدأ فيها بتحريك أصابعي لأدخل ذلك العالم المجنون المنغلق فيّ… المدهوش… الأهوج… الجامح، وأترك الحياة لأعيش فيه ينتابني إحساس حاد، حارق، يفتت أصابعي لا ألبث أن أشتدّ وارتدّ في محاولة يائسة للنفاذ منه، عالم الكتابة، العالم السعيد الممتع الذي لا تضاهيه سعادات الدنيا كلها، متعة الامتلاء بالمعرفة، وقدرة الكائن الإنساني الضئيل بخلق موازٍ للوجود المعقد، وفي كل مرة جديدة أحفر في مرجلي جهنم صغيرة، لنمو رواية تعود تلك المشاعر نفسها… لكن مع النص الجديد دائماً يكون هناك شيء يشبه بصمات الأصابع من الصعب أن يتكرر، وفي كل مرة أسأل نفسي أيهما أهم: أن نعيش الحياة بالكتابة، أم نعيش لنحيا الحياة… ويبقي السؤال واقفاً أمام رغبة مجنونة بترك دفة الباب مواربة، حتي تتسلل فكرتي المسبقة إلي النص.النص المفتوح، المبهم، المتكور تحت جلدي، الحارق بنار بدائية لا تنطفيء أبداً، في طفلة السماء روايتي الأولي كنت أسكر في كهوف الأيديولوجيا والمقرر المسبق، وكنت مدفوعة بحس تربينا عليه جميعاً، وكان مقتلاً للرواية… الرواية ستغير العالم والأدب هو سلاح التغيير… ولكني، مع ذلك، دخلت في طفلة السماء كساموراي عتيق غير خائفة من ضجيج دقات قلبي… بعد أن تحررت معها من رغبتي في ممارسة ديمقراطية خاصة، وحرية في تعبيري عن نفسي في هذا المكان البائس. في رواية صلصال اختلف الأمر وتأكدت أننا فعلاً لا نتكرر، كتبتها بوله وحشي ومتعة ورهبة وأنا أتناثر في مساحات الخلق المضيئة غير عابئة سوي بالتشكيل… كنت أكثر من مَغوية ومغِوية وحكاءة ومستمعة… ألفّ في دوار يجعلني أجلب الحياة إليّ وتأتي.أجل تأتي الحياة التي نعتقد، خطأ، أننا نبتعد عنها عندما نعيش منعزلين مع رواياتنا وأحلامنا وخيباتنا، إننا نكتب العالم كما نفهمه كما قال يوماً غور فيدال ولكننا، أيضاً، نكتب العالم لأننا نحبه: الحب شرط أساسي لنمو أي فعالية إنسانية باتجاه ما هو جمالي ومعنوي في الحياة، لذلك عندما أفكر بما نكتبه عن الجيل الجديد وأجدني أمام فكرة النص الحديث والرواية الجديدة أصاب بذعر وأتساءل هل فكر جيمس جويس وفرجينيا وولف بكل ما نحاول التنظير له الآن؟ وفكرة الحداثة،أيضاً، الم تتحول الآن إلي مادة قديمة استهلكت بما يكفي لنتجاوزها وندعي أننا كتاب ما بعد الحداثة؟… ونحن، أي حداثة نستطيع التنظير لها والرواية العربية ما تزال في طور البدايات، وما تزال مجتمعاتنا محكومة بالمصادرة والقمع، لقد مرّ القرن الثامن عشر ولم يخطر في عقول العرب كما قال أوكتافيو باث يوماً. ومرّ ما بعد القرن الثامن عشر وتناثر فتاته إلينا وانقلبت الطاسة فوق العمائم والطرابيش ولم نعد نفهم ما يجري ـ دائماً كان الروائيون أنبياء في هذا العالم العربي ـ حيث لا أفق سوي الأسود. يقول إدوارد غاليانو :إن نبياً يحب أفضل من نبيّ يفكر. هذا تماماً ما نحاوله… إننا مغرمون، ملتاثون بالكتابة، تجرفنا إليها ولا تعيدنا أحياء كما كنا قبلاً، تجعلنا نقترف الحب الجارف واليائس لنقترح الجمال فوق هذه الأرض، لذلك أستطيع القول، وبرحابة: إن الكتابة الجديدة كانت دوماً… هي الكتابة الجيدة. ولذلك ما يزال (دون كيخوته) بطلنا الأول رغم أوهام النبالة والشرف.كاتبة من سورية0