الكتاب المغاربة ومواقع التواصل الاجتماعي: أي علاقة؟

عبد العزيز بنعبو
حجم الخط
0

الرباط ـ «القدس العربي»: يبدو الكتاب والأدباء والشعراء المغاربة غرباء في المجتمع الرقمي، قليلون الذين يستطيعون جني بعض «لايكات الإعجاب» التي في غالب الأمر لا تتجاوز ربع عدد ما تجنيه منشورات تصنف في خانة «التفاهة».
غربة الكاتب المغربي الذي يحمل مشعل الإبداع، يرجعها البعض إلى المسؤولية الذاتية للمعني بالأمر، ومنهم من يقول إن الشاعر أو الروائي «يقبع» في برجه العاجي، منتظرا وصول حشود المعجبين إليه في زمن التواصل الرقمي بالأزرار وليس بحفلات التوقيع، أو غيرها من اللقاءات المباشرة، أما البعض الآخر فيرمي الكرة في ملعب المجتمع، ويتهمه مباشرة، ودون تردد بالإقبال على «التفاهة» وإنتاجها، وذلك بسبب «الفراغ والجهل».
أصحاب هذا الرأي يعارضون الفريق الآخر، لكن كليهما في معزل عن حقيقة التوجه العام في منصات التواصل الاجتماعي، وتتسلل الأسئلة المقلقة إلى الواجهة، من قبيل: «هل يحتاج متابع في فيسبوك قراءة نص شعري؟» و»هل يرغب رواد الإنستغرام في تلقي صور عن أمسيات شعرية، أو حفلات تقديم وتوقيع كتب؟» وأخطر تلك الأسئلة: «هل يعرف الكاتب أو المفكر كيف يصرف خطابه لعموم رواد منصات التواصل الاجتماعي؟»
الحقيقة التي يعتبرها البعض «مرّة» في ما يراها البعض الآخر «إضافة نوعية» تفيد بأن عالم التواصل الحديث تجاوز الطرق العتيقة، وقفز على أشكال تحقيق الانتشار، من غنائيات القراءات الشعرية، بانفعالات الشعراء، إلى تجسيد تلك الصور الشعرية في مشاهد تجذب وتثير المتابع، دون أن تتعبه في البحث عن المعنى، ولنا في نماذج ناجحة استطاعت أن تحول لعبة الرقمي لصالحها، وانتشرت كتبها، خير دليل على أن صيغة التواصل والنشر هي التي تحدد الناجح من الفاشل رقميا في عالم التواصل بنقرة «زر أسود لقتل الربيع» كما ورد في عنوان مجموعة شعرية للشاعر محمد بلمو.

ماذا جنى الأدب من منصات التواصل الاجتماعي؟

سؤال تحقيق الوجود في عالم حديث جدا مثل عوالم منصات التواصل الاجتماعي، يطرح قبل ذلك سؤال، ما العائد الذي جناه الأدب من هذه المواقع، وهل ساهمت في تحريك بركة القراءة الراكدة مثلا؟ بالنسبة للكاتب المغربي عبده حقي، وهو أحد المدافعين الأوائل عن النشر الإلكتروني وصاحب «اتحاد كتاب الإنترنت المغاربة» فإن منصات التواصل «لعبت دورا مهما للغاية في إعادة تشكيل المشهد الأدبي، حيث صار يستخدم الكتاب والكاتبات المغاربة هذه المنصات بشكل متزايد وبوتيرة متسارعة، لمشاركة أعمالهم والتواصل مع القراء وزملائهم الكتاب».
ويؤكد عبده حقي، في تصريح لـ«القدس العربي» أن منصات التواصل الاجتماعي ـ وعلى الخصوص فيسبوك ـ «وفرّت للكتاب المغاربة فرصا غير مسبوقة ورقيا للوصول إلى جمهور أوسع» ويضيف: «تاريخيا، كان الأدب المغربي غالبا ما يقتصر على القراء المحليين ويواجه متاريس جمة للاعتراف على المستوى المحلي والعربي. ومع ذلك، فقد سمح ظهور وسائل التواصل الاجتماعي للكتاب تجاوز حراس البوابة التقليديين مثل الناشرين والنقاد والإعلاميين الساهرين على الملاحق الثقافية، من خلال مشاركة أعمالهم مباشرة مع متابعيهم من الأصدقاء القراء، إذ أصبح يمكن للكتاب الحصول على ردود فعل وتعليقات فورية وبناء قاعدة جماهيرية وفية». وبعد أن استعرض مميزات حضور الأصوات الإبداعية المغربية على منصات التواصل الاجتماعي، وطبيعتها التفاعلية التي أدت إلى تحويل بنية النص الأدبي، أشار المتحدث نفسه إلى أنه «على الرغم من فوائدها العديدة، فإن تعاظم دور وسائل التواصل الاجتماعي أصبح يفرض أيضا تحديات على الكتاب المغاربة. فالوتيرة السريعة لاستهلاك المحتوى يمكن أن تجعل من الصعب على الكتاب جذب انتباه القراء في كل لحظة وحين، بالإضافة إلى ذلك، فإن الشعور بالضغط لإنتاج المحتوى بشكل متكرر يمكن أن يكون سلبيا، مما قد يؤثر على جمالية وجودة العمل الأدبي. وعلاوة على ذلك، يمكن للطبيعة التجارية لمنصات التواصل الاجتماعي في بعض الأحيان إعطاء الأولوية للمحتوى الأكثر إثارة أو جاذبية على نطاق واسع، ما يجعل من الصعب على الأعمال الأدبية الأكثر دقة أو تجريبية اكتساب رؤية جمالية ونقدية بليغة». ويخلص عبده حقي إلى أنه «مما لا شك فيه أن منصات التواصل الاجتماعي قد غيرت المشهد الأدبي للكتاب المغاربة. فمن خلال توفير جسور جديدة لمشاركة العمل الأدبي، خلافا للصفحات الورقية قبل ربع قرن، وتشجيع الابتكار، تساعد هذه المنصات في الارتقاء بالأدب المغربي إلى آفاق جديدة وهو ما بات يصطلح عليه بـ(الأدب الرقمي)».

استغلال المنصات لتشكيل مجتمع قارئ

من الزاوية النقدية، أطل الناقد والكاتب نجيب طلال، وقال متحدثا لـ«القدس العربي» إن الحديث عن موضوع منصات التواصل الاجتماعي والكتاب «يعد مجازفة وتأطير الموضوع في إطار أحكام القيمة، نظرا لغياب دراسات سوسيولوجية على الأقل تمنحنا أرضية للحديث بنسبية يقينية». ويستطرد طلال بقوله: «رغم غياب هذا الجانب، فمنصات التواصل الاجتماعي، متعددة ومتنوعة المشارب، فارضة وجودها بقوة الحضور، وبقوة التحولات التكنولوجية والحضارية؟» وبالنسبة للمتحدث، فإن «هذا التحول بكل شفافية، لم يكن أغلب الأدباء، متعددي التوجهات والإنتاج مستعدين لذلك، ربما إيمانا بأنها موجة وستنتهي؟ أو ربما حضور سلطة الأنا المتحكمة في العلائق» لكن «لسان حال الواقع، ومنطق التطور، رسخ وسائل التواصل الاجتماعي في البنية المجتمعية، مما نلاحظ حسب التفاعل والعطاء والإنتاج». وبالنسبة لنجيب طلال، فإن «الأدباء توزعوا تلقائيا لثلاث فئات» وهي «فئة انسحبت من النسيج الثقافي والفكري، وفئة تجمدت في إطارها المعتاد، وفئة سعت إلى الانخراط في التفعيل والتفاعل مع تلك الوسائط المتعددة، إما تحديا أو تعلما بمساعدة أبنائهم أو بعض الأصدقاء».
وتساءل نجيب طلال «كم من أديب منخرط في المواقع الثقافية والفكرية ومنتج فيها؟» مؤكدا أنها «نسبة ضئيلة جدا لا تتعدى 2 في المئة». وبالنسبة إليه فإن هذه «النسبة تنشطر لفئتين، منها المواكب باستمرار، والثانية ضعيفة الحضور، وهذا لا يعطي قوة فاعلة الثقافة المغربية، ولا يمكن أن يواجه تسرب السخافة أو التفاهة التي ساهمت في انتشارها وسائل التواصل، وفي السياق نفسه لا يمكن أن تتصدى للابتدال الفكري والمعرفي». وفي رؤيته للموضوع، قال طلال إنها تنطلق «من المعاينة والمشاركة والتفاعل، بحيث إن هذه الوسيلة أمست غاية عند البعض في نشر صوره دون مناسبة، تساهم كشرط إنزالها على الفضاء الأزرق، وهناك من يعرض مشاكله الداخلية، واقتباس بعض الأفكار التي تنسب لفلاسفة أو أدباء، وهم من قالوا تلك (الأقوال). ناهيك عن الاستعطاف والتسول غير المباشر، هذه ليست حالات، بل تحولت إلى ظواهر مثيرة للغاية، ما جعل البعض ينسحب والعديد منهم ظل يراقب خلسة». واختتم طلال تصريحه لـ «القدس العربي» بالإشارة إلى ما إذا قمنا «بإحصاء عدد المجموعات الأدبية والمسرحية، فهي كثيرة والتفاعل يتحقق في نسبة 00٠02 في المئة» لذلك يؤكد المتحدث «فوسائط التواصل الاجتماعي، لها دور فعال في حياتنا، لكن لم نعرف لحد الآن استغلالها كواجهات لتشكيل مجتمع قارئ، مجتمع فاعل، مجتمع منتج…».

«انتهى زمن الأفكار الكبرى»

قالها الكاتب والشاعر إدريس الواغيش، بيقين مؤكدا أنه «انتهى زمن الأفكار الكبرى مع كبار المفكرين والفلاسفة والرّوائيين والمنظرين، ونحن اليوم على موعد مع عهد جديد، وعلى مشارف زمن لا يتوقف فيه التجديد». ولذلك، يوضح الواغيش متحدثا لـ«القدس العربي» فإن «ظهور مواقع التواصل الاجتماعي في حياتنا أحدث تغييرات جذرية في طريقة التواصل بين أفراد المجتمع، وفئات المجتمعات المختلفة من عرب وعجم، سواء داخل الحدود أو خارجها، بمن فيهم المثقفون والمبدعون أنفسهم، لأن الأدباء المغاربة هم أفراد داخل هذه المنظومة الاجتماعية». وحسب الكاتب والشاعر الواغيش، فإن «هذه الوسائط جعلت الجميع يمتطي الحداثة التكنولوجية، وإن لم يكن خيارا، بل إجبار وضرورة فكرية وتقنية حرّرت الأدب والأدباء من السلطة التقليدية، وجعلته أكثر تحرّرا، ولم يعد لنا محيد عن هذه الوسائط المتنوّعة، وخصوصا الواتساب وفيسبوك، باعتبارهما الأكثر تداولا بين المبدعين المغاربة، لا سيما بعد الزيادة غير المسبوقة في استعماله من طرف المنخرطين في السنوات الأخيرة، حيث أصبحت هذه المنصّات جزءا لا يتجزّأ من حياة كثير من الناس».
وبعد أن تحدث عن المحتوى المنتشر في منصات التواصل الاجتماعي، من أشعار وقصص وحتى آراء، قال الواغيش، إن «الجرائد والمجلات الورقية، وحتى بعض الجرائد الإلكترونية لم تعد تمتلك السلطة المطلقة على النشر، أصبح في إمكان أي مبدع أن ينشر إبداعاته بعيدا عن الوسطاء التقليديين المندسين بين مكاتب هيئات التحرير الورقية». واستشهد بحالته وكونه أحد المبدعين الذين منحتهم «هذه الوسائط مساحات شاسعة للتعبير عن الرأي، وتبادل الأفكار دون قيود تحريرية من هذا الطرف أو ذاك، ومنها التقطت أعمالا تشكيلية لفنانين عراقيين، اتخذت منها لوحات لقصصي ودواويني». ويجزم المتحدث أنه «لا عجب أن نسمع ونقرأ لبعض الأصوات التقليدية، التي كان لها السبق في الكتابة والنشر، وهي تشكو اليوم من الإسفاف والاستسهال في الكتابة، وهذا يطرح إشكالا حقيقيا في بلورة عدة مفاهيم في الكتابة وجودتها، ويطرح أسئلة مقلقة في عصر يشهد طفرة تكنولوجية نوعية غير مسبوقة».
وحسب إدريس الواغيش، «يبدو أن العلاقة متشابكة ومتشنّجة بين الأجيال، سابقها ولاحقها، في ظل منصات اجتماعية مفتوحة على مصراعيها، أصبحت صالونات ومنصّات أدبية للقراءة، وحتى منابر للإلقاء الشعري عبر منصة اليوتيوب. أصبح الكل يقرأ، والكل يكتب، والجميع يمارس النقد، بعد أن كانت الساحة مقتصرة على الأسماء المكرّسة حزبيا أو إعلاميا في النقد والقصة والشعر، بل حتى في الغناء والتمثيل والتشكيل». وتساءل: «لماذا لا نترك الأجيال الشابة تجرّب حظها؟ وتمارس حقها في كل شيء. الجيل السابق يتناسى أحيانا أن للجيل اللاحق الحق في التحرّر، وإنتاج نصوص متحرّرة من سلطة هيئات التحرير الجيل السابق، وحتى من أيّ سلطة إلا سلطة القارئ». ولم يفت الواغيش في ختام تصريحه أن يهنّئ الشاعر الرائد محمد السرغيني، لأنه ـ كما قال ـ «لم يكن يفوّت الفرصة لمتابعة كل ما يكتبه الجيل الجديد، سواء على منصات التواصل الاجتماعي أو على الورقي». كما استحضر نظرة القاص الرؤيوي أحمد بوزفور الاستباقية، وهو يصرخ في أحد الملتقيات قائلا: (اتركوا الحرية للبراعم كي تتفتّح)».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية