هناك شبه إجماع اليوم على أن الكتاب المغربي يعيش أزمة تداول. وأن هذه الأزمة هي من أزمة فعل القراءة. هي أزمة كما تقر جل الدراسات التي تناولت هذا الموضوع من وجهات نظر متعددة سوسيولوجية بالخصوص، تبقى بنيوية بالأساس؛ إذ لا يمكن في أي حال من الأحوال فصل أزمة القراءة عن باقي المشاكل والأزمات الأخرى، اجتماعية وسياسية واقتصادية، تلك التي عصفت بالمواطن المغربي وجعلته في مهب الفقر والجهل، إلى درجة أنه لم يعد يفكر في أي شيء آخر سوى الخبز، أو ما قد يسد رمقه ويغنيه عن شظف العيش؛ فكيف له، والحال هذا، أن يفكر في الكتاب، وبذلك أضحت الثقافة بالنسبة إليه مجرد كماليات وترف ليس إلا. ثمة أولويات بالنسبة لهذا المواطن. وثمة إكراهات تمنعه من مجرد التفكير في القراءة، فما بالك أن يتنقل إلى المكتبات البعيدة ويشتري كتابا ثمنه قد يتجاوز دخله اليومي بكثير.
لكن هذا لا يمنع من أن هناك عوامل أخرى يمكن تصنيفها ضمن الأسباب الذاتية التي كانت وراء تراجع نسبة القراءة لدى القارئ المغربي. من هذه العوامل سوء توزيع وتسويق الكتاب، ذلك أن دور النشر وشركات التوزيع ما تزال تعتمد الآليات التقليدية في الترويج، على الرغم من أن مياها كثيرة جرت تحت الجسر، ناهيك عن تمركز عملية بيع الكتب، على قلتها، في أماكن محدودة جدا، عادة ما تكون في وسط المدينة التي أصبح حجمها ممتدا وترامت أطرافه بعشوائية فجة، ما قد يجعل الراغب في الذهاب إلى هذه المحلات والمكتبات يتردد في خوض هذه التجربة التي قد تتحول إلى مغامرة أو على الأقل هكذا تبدو له.
ضعف الدعم المقدم من طرف الدولة للكتاب، حسب بعض المسؤولين عن دور النشر المغربية، يبقى هزيلا جدا بالنظر إلى عدد الكتب المرشحة للدعم.
أما المدن الصغيرة والقرى النائية فإن حظها منعدمٌ تماما من هذا الحـــــق، على الرغـــم من أنها تضم عددا كبيرا من القراء الافتراضيين، يفوق بكثير عدد القـــراء في المدن، الشيء الذي قد يعطينا فكرة مسبقة عــــن عــدد القراء المستهدفين من طرف صناع الكتاب.
وهذا لعمري سبب رئيس آخر في كساد هذه البضاعة. والحال أنه كان بإمكان دور النشر أن تنهج استراتيجية جديدة في ترويج الكتاب تقوم على سياسة القرب، والذهاب إلى حيث يوجد القارئ. ولنا في تجربة شبكة المقاهي الثقافية في المغرب دليل قاطع على أن المشكلة في الأساس هي في سوء التوزيع وليس في غياب القراء.
ففي مداخلة للشاعر المغربي محمد بلمو إثر نشاط نظمته هذه الشبكة في مدينة فاس المغربية، في نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول المنصرم، يرى أن «أزمة القراءة» عندنا تبدو غير دقيقة. الدليل على ذلك أن حفلات التوقيع التي حضرها هذا الشاعر، في العديد من المدن المغربية، الصغيرة والكبيرة، عرفت إقبالا متميزا على اقتناء الكتب المعروضة للتوقيع. وانتهى من خلال عرضه هذا إلى أن الأزمة بالأساس هي «أزمة ترويج» وليست «أزمة قراءة». فأغلب دور النشر المغربية، حسب قوله دائما، لا تقوم بأي مجهود للتعريف بإصداراتها، والترويج لها وتعوزها «الإرادة من أجل إبداع طرق جديدة لترويج منشوراتها، وهي تردد أسطوانة العزوف عن القراءة»، ضاربا بتجربة المقاهي الثقافية في المغرب مثالا لذلك؛ إذ بينت هذه التجربة «أن القارئ موجود عندما تبحث عنه وتذهب عنده إلى حيث هو، فلا يتردد في اقتناء الكتاب» حسب قوله دائما.
والحق أن ضعف الدعم المقدم من طرف الدولة للكتاب، حسب بعض المسؤولين عن دور النشر المغربية، يبقى هزيلا جدا بالنظر إلى عدد الكتب المرشحة للدعم، أو حتى تلك الكتب التي تحظى به في كل سنة، ذلك أن القيمة المالية المخصصة لكل كتاب مدعم، لا تشجع دور النشر على تخفيض ثمنه بما قد يحفز القراء على الإقبال على اقتنائه. هذا الأمر يجعل هذه الدور تلتزم فقط بدفاتر التحملات، إن هي التزمت بذلك فعلا، ولا تفكر البتة في إبداع طرق جديدة لعرض الكتب التي قد تنهك إمكاناتها المالية. طرق تتماشى مع خصوصيات مجتمع المعرفة الرقمية الآن. هذا الأمر يقودنا إلى سبب آخر ينضاف إلى تلك التي سبق ذكرها، ويتمثل في عدم مسايرة دور النشر للتطورات التكنولوجية الحديثة في التواصل، أو بالأحرى عدم استثمارها للإمكانات الإلكترونية الهائلة، التي تجذب الصغير والكبير على حد سواء، إذ أصبحنا نلاحظ أن جمهور للقراء أضحى يقبل بنهم على بعض الكتب المتاحة لديه إلكترونيا عبر الإنترنت بما يؤكد أن هذه البوابة الجديدة قد تكون خيارا آخر بالنسبة لدور النشر من أجل الاقتراب من القارئ وتشجيعه على القراءة؛ ولنا في المجلات والجرائد الإلكترونية خير شاهد.
في هذا السياق قد تبدو بعض المقترحات، في نظرنا، ذات أهمية في جعل صناعة الكتاب المغربي تنخرط في مجتمع المعرفة الرقمية الآن، ما قد يساهم في ترويج الكتاب وتشجيع فعل القراءة. من بين هذه المقترحات مثلا، وبما أنه بات من المفروض على دور النشر الوطنية الانفتاح على القراء أينما كانوا، من خلال سياسة القرب المشار إليها أعلاه، ندعو هذه الدور إلى تأسيس خلايا وجمعيات خاصة بها وطنيا، تتكلف بتنظيم معارض في المدن الصغرى والقرى البعيدة، وكذا النزول إلى المؤسسات التعليمية والجامعية، حيث تتواجد فئة عريضة من القراء، من أجل تنظيم لقاءات خاصة بكتابها مباشرة مع الجمهور، مع عرض كتبهم في عين المكان وبأثمنة مشجعة.
ضرورة توفير هذه الدور لبنيات تحتية تكنولوجية، مع اعتمادها في التواصل الافتراضي مع القراء؛ مثل عقد ندوات مرئية، ومعارض سيبرانية (القائمة على الإنترنت)، ومكتبات بيع الكتب إلكترونيا، وغيرها من الحلول القادرة على تحفيز القراء على القراءة وشراء الكتب. تحويل وسائط النشر والتوزيع إلى وسائط إلكترونية.
٭ كاتب مغربي
القراءة وشراء الكتب صار من الماضى الذى قد لا يعود ذات يوم وهذا مرض اصيبت المجتمعات العربية بدون استثناء بحيث صار الاقبال على زيارة المكتبات امر من الماضى فقد قيل لنا ان العرب لا يقرؤون واذا قراوا لن يفهموا معادلة اصبحت محسومة بين مختلف اطياف المجتمع ومن غريب هذه الظاهرة ان الفرد مهما كان موقعه وفى اى وظيفة لا يلجا الى مصدر الشرح والتفسير لما هو فى حاجة اليه بل يلجا الى الشيخ غوغل الذى يمده بما هو فى حاجة اليه وهذا ناتج عن وصولنا الى المجتمع المعولم الذى انهى جغرافية المعرفة وانهى الامتداد الحضارى للامة من قيم واخلاق وثقافة وفكر .