الكتاب خير جليس، لكن ليس بالمغرب!

حجم الخط
0

الكتاب خير جليس، نعم ، لكن ليس بالمغرب، وكل المؤشرات تزكي هذا الطرح، بدءا بمعدل القراءة الذي لا يتجاوز سوى ست دقائق سنويا على المستوى العربي حيث يتموقع المغرب، مرورا بالإحصائيات والدراسات والتقارير التي تؤكد أن القراءة بالمغرب تعيش وضعا متدهورا لا يبعث على الارتياح، وانتهاء بالرتبة 162 التي يحتلها المغرب في لائحة القراءة والكتابة في تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، كل هذه المعطيات والأرقام التي نتحدث عنها ونحن في عهد سمي بعهد التنمية البشرية، وعن أي تنمية بشرية نتحدث في ظل غياب روح مرافقة الكتاب والاستئناس به لدى المغاربة، حتى يساهم فعلا في تنمية معارفهم وتطويرها وتحديثها ومواكبة التطور الذي يقوده الغرب؟
تتعدد وتتباين آراء المثقفين والمحللين حول أسباب الواقع المزري للقراءة بالمغرب، وهذا واضح من خلال إحصائيات المندوبية السامية للتخطيط حول ما تنفقه الأسر المغربية على التعليم والقراءة والثقافة عموما حيث لا يتجاوز 3.6 ‘ ، وهناك من يبرر هذا الضعف بنسبة الأمية المرتفعة بالمغرب التي تضعف نسبة القراءة والاطلاع، في حين يقول آخرون ان القراءة في المغرب لم تشكل يوما القاعدة بل كانت دوما أقرب إلى الاستثناء، فيما يرى البعض الآخر أن الأزمة تكمن في نوعية الكتب وليس في معدل القراءة، وفي هذا الصدد يقول المفكر المغربي المهدي المنجرة ان المغرب يعيش أزمة كتاب وقلة إنتاج وليست أزمة قراءة، بينما هناك من يبرر هذا الضعف بالنظام التعليمي المتبنى بالمغرب. هذه الأسباب وغيرها قد تجعل الكتاب يعيش آخر أنفاسه خاصة مع التطور التكنولوجي الذي يعرفه العالم، وسهوله الوصول إلى المعلومة، ناهيك عن الانشغال المهووس لشباب اليوم بمواقع التواصل الاجتماعي بالانترنت وهو فضاء للتسلية والترفيه أكثر منه للقراءة، حيث تصل الأمور إلى حالة الإدمان في كثير من الحالات. فمن يتحمل مسؤولية الوضعية الراهنة للقراءة بالمغرب؟
المسؤولية تتقاسم بين مجموعة من الأطراف، من كُتاب وما يكتبون ودور النشر التي لا تثق بالكاتب المغربي في الغالب من الأحيان، ووزارة التربية الوطنية ووزارة الثقافة ووزارة الإعلام والأسر التي لم تهيئ الأجيال الصاعدة على القراءة منذ الصغر، إلى جانب الاكتساح التكنولوجي، وشيوع الكتاب الرقمي، فضلا عن العامل الاقتصادي المرتبط بضعف القدرة الشرائية لشرائح واسعة بالمجتمع المغربي.
عندما يصل معدل متوسط القراءة بالغرب إلى حوالى 200 ساعة سنويا، فهو يعكس ثقافة أمة، والثقافة هي تربية وتنشئة وتعويد على الشيء، وهذا المعدل ما هو إلا تحصيل حاصل، بالنظر إلى ثقافة الأسر ومستواها التعليمي والبرامج التعليمية الغربية ومؤسساتها وتجهيزاتها، والمراكز الثقافية والفنية والمتاحف، كل هذا لا يمكنه إلا أن يساهم في خلق علاقة ود بين الكتاب والإنسان الغربي. ودائما بالأرقام وهذه المرة نعرج على اليابان، نريد أن نتمعن في الإنسان الياباني وهو يقرأ وبشكل مضاعف تصل النسبة ’10 مقارنة مع القارئ العربي عامة، وهو فرق مهول ويعكس الفرق بين حضارتهم وحضارتنا.
لكن عندما نعود إلى أرض الوطن وتتأمل في الميزانية المخصصة لوزارة الثقافة المغربية التي لا تمثل سوى 0.03 من ميزانية الدولة سيجعلك تتأكد وللوهلة الأولى، أن الثقافة وتنمية المعارف البشرية وتحديثها هي آخر ما يفكر فيه المسؤول المغربي والعربي عامة، وربما هي سياسة اجعل الشعب أكثر سذاجة سيجعلك أكثر استقرارا في منصبك، والأمية وثقافة الخبز قد تجعل المسؤول أكثر اطمئنانا وضامنا لمصالحه.
ويشير كثيرون أنه أمام هذا الوضع المرير، يجب دق ناقوس الخطر ببلادنا التي أصبحت ترزح تحت وطأة تفشي الأمية والعزوف عن القراءة بما يجعلنا بعيدين كل البعد عن أي تفكير في إستراتيجية تنموية مجتمعية شاملة، ومحاربة الفساد وتتدنى مؤشراته، وبالعلم ترقى الأمم، خاصة في عصرنا هذا الذي يسمى ب’عصر الثقافة’، حيث الصراع على أشده بين الحضارات والثقافات، وبالنظر إلى النقاش الدائر اليوم حول الهوية والتاريخ والأمة وغيرها من المفاهيم التي أصبحت تخلق ما يسمى بـ’الزوبعة الذهنية’ للقارئ، ولا يمكن تعميق النقاش والوعي بها إلا من خلال القراءة وترسيخ ثقافة الاطلاع والبحث في كل أوساط المجتمع، بدءا بالنواة الأسرية مرورا بالمدرسة وانتهاء بالأوساط ومساحات الفضاء العام.

وحتى لا يخبو الأمل، وينزعج الكتاب، نقول له اطمئن فهناك من الأطفال والشباب والشيب من هم مدمنون على الحرف، ولن يدعوك في غياهب النسيان لكي تستأنس بالغبار والرطوبة، وتجعلك العناكب والحشرات مسكنا لها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية