أن تكذب حسب أفلاطون يعني أنّك تريد أن تبني تمثلاتك التي في ذاتك الباطنة عن وضعيات تعتقدها هي الأقرب للسعادة أو للتلاؤم مع خارج يخيفك أو يبخسك حقك. لكنّ الأديان تقف صدا منيعا ضدّ هذا الفرار من البحث عن محاكاة نفس تبحث عن الملاءمة والانسجام مع تمثلاتها الباطنة المخالفة للواقع أو للوقائع.
يمكن أن يقبل الكذب أخلاقيا إذا كان في مصلحة المعاملات والمتعاملين، لكنه لا يقبل في سياق أخلاقي ديني، أو في سياق الضرر. ليس الحكيم ولا العاقل مقدرا عليه أن يكذب، هذا رأي من نظر بمثالية أو حجر لمن يسلك سلوكا قويما.
تراقب الأديان الكاذب بمقياس أخلاقي يغرق في الباطن بحثا عن الصفاء، أو الكدر؛ فقد جاءت الديانات والعقائد بمفهوم النية واستعملتها الفلسفة وعلم اللغة والديانات لمراقبة الكلام من جهة مبعثه أو مصدره العقلي أو الروحي.
الكلام له منابع يفسرها، كلّ حسب حاجته ففي اللسانيّات تعني النيّة أو القصد جملة الأفكار التي يريد المتكلم أن يبينها بقطع النظر عن كونه صادقا أو كاذبا. لكنّ النيّة في الديانة هي حفر في النفوس، أتكون صادقة أم كاذبة، وهل أنّ أفعالها أو أقوالها تطابق ما يعتور الإنسان من خير أو شرّ، أو لا تطابقه، لذلك ربطت الديانة الإسلاميّة الأعمال بالنيات.
والكذب في الكلام يمكن أن يفضح بمعرفة النوايا، ولا يعرف تلك النوايا إلا الله ويعرفها الراسخون في الحدس رجما بالغيب. في الآيات القرآنية كثير من الحديث عن الكذب الذي يكشفه الإله، وأعظمه الكذب في الإيمان، من ذلك هذا المقطع من سورة آل عمران (147) وفيه يقول تعالى: (قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ) قال المفسرون إنّ المقصود في الآية عبدَ الله بن أبي سلول أحد قادة الخزرج في يثرب، فقد رجع هو وأصحابه عن مناصرة الرسول (ص) في موقعة أحد، فقال لهم المسلمون: تعالوا قاتلوا المشركين معنا، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لسرنا معكم إليهم، لكنا معكم عليهم، لكن لا نرى أنه يكون بينكم وبين القوم قتالٌ! فأبدوْا من نفاق أنفسهم ما كانوا يكتمونه، وأبدوا بألسنتهم بقولهم:» لو نعلم قتالا لاتبعناكم» غير ما كانوا يكتمونه ويخفونه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل الإيمان به (شرح الطبري).
هذا الموقف الذي ينسب إلى عبد الله بن أبي سلول يمكن أن تجده هنا وهناك في أقوال من خذلك ويدّعي أنه لو علم بانكسارك لنصرك. وربما كان هذا الضرب من الاعتذار المنافق محمودا ما إذا قورن بالصراح الفجة.
لقد نافق ابن سلول الرسول (ص) وصحابته لكيلا يقع فريسة للنقد، وربما قال ما قال بناء على أنّ اللغة تسمح له بأن يفعل ذلك. التقييم الذي ورد في آخر الآية يضع «المنافقين» في مسترسل الكفر والإيمان يضعهم في رتبة أقرب إلى الكفر منها إلى الإيمان، لأنّ الإيمان ينفي أن يقول المؤمن عكس ما ينوي؛ ثمّ إنّ المؤمن ينوي ثمّ يفعل في صالح الإيمان.
هل ترى إبليس جنى على نفسه حين لم يكذب، ولم يدار سرّ رفضه أن يسجد لآدم.. يبدو أنّ الكذب صنيعة دنيوية اختلقها البشر في الكلام، ليخفوا نقصهم وعجزهم. لم يكن الكلام في الجنة قبل خلق آدم حمّال أوجه، ولم يكن من بنات النوايا التي يمكن أن يخفى فيه ما يعيب ويكذب المرء في الكلام كي يتجمل. النيّة عند اللسانيّين والنحاة لا علاقة لها بما أضمرت من تقدير خبيث أو طيب. النيّة هي أن تضمر شيئا لمن خاطبته وهو قادر على أن يكتشف بالمفاتيح التي تتركها له في الكلام وهذا التقدير لا يكون كاذبا ولا صادقا، بل يكون هو ما ينبغي أن تفهمه حتى يتمّ البلاغ. والنية بلغة اللسانيّين المعاصرين هي عملية مركبة يتزامن فيها تمثل الموقف أو الوضعية، التي يراد تبليغها مع تنشيط المفردات والإجراءات الإعرابية التي تجعل متاحا نقل معلومة من ذهنك إلى ذهن مخاطبك، وكل ذلك بالكلام. أن تنشط في ذهنك جملة من الوحدات المعجمية، وهو أن تبني الكلام في الذهن كأنّك تخطط لما تقول، فتختار من معجمك الذهني الوحدات المناسبة، تنشطها ثمّ تلفظها وتلقيها بعد اختيار ناجح. لكن يمكن لك أن تخالف وأنت تحكي ما تريد أن تقول فيسمّى ذلك غلطا أو سبقا للسان ولا يكون ذلك كذبا.
حبل الكذب ههنا طويل وليس كما في مألوف القول.. ينبغي أن يكون طويلا كي يربط بين هذه العوالم الشعرية البديعة، التي تقفز فيها بين أنسجة من الكذب المليح بين بابل وأساطيرها والعراق ومواويله ونفسك وصدقها وأباطيلها.
في الإبداع وبمنظار نقدي انطباعي يكون الكذب مليحا، حين يكون ممتعا، ولا يكون ذلك إلاّ في الشعر، فعلى حدّ عبارتهم فإنّ أعذب الشعر أكذبه. يكذب الشاعر وليس له إلاّ أن يكذب حتى يوهم ويوحي ويشدّ الألباب. يكذب كذبا جميلا حتى حين لا يبدو الكلام كذلك. يكذب حين يقول (قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل) هو يكذب لأنّه يصنع مشهدا غير صادق يصنع خيالا فيه رفقة يأمرها الشاعر بأن تبدي شيئا لا يفهمه إلاّ هو، هل نبكي نحن لمن دعانا إلى البكاء في الحياة؟ وهل ينبغي لنا أن نحمل رفيقين كي يتوقفا عند خراب؟ كيف يمكن أن أبكي فقط لأنك يا رفيقي تبكي؟ حقا إنّ من يبكي هذا البكاء هو رجل أرفع عاطفة ومنزلة من أيّ حبيبة.. من يبكي لبكائك فقط لأنّك تبكي حريّ به أن يكون الحبيب الأبرز.
ويكذب الشاعر حين يقول كلاما عاديّا لأنّه لا يستطيع أن يبني كلاما كاملا لا مؤشّر فيه على الكذب.. لكنّ الكذب يمكن أن يكون ضاربا في الغور لا يستطيع أن يستخرجه إلا عالم نحرير طبّ بضروب القول وعدوله ومجازاته و تجوزاته. يقول الحطيئة للزبرقان بن بدر (دع المكارم لا ترحل لبغيتها // واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي) عسر هذا الكذب أنّ ظاهره مدح وباطنه هجاء. ولكي نصل إلى صدق معناه علينا أن لا نصدّق ظاهر لفظه. يشدك ظاهر اللفظ بصدقه ويغريك بينما يغمز باطن المعنى عليك ويزريك. إن كنت تعرف ما المكرمة عليك أن تعرف أنّها ممّا يرحل إليه لا ممّا يقعد دونه. إنّه امتحان في الخبرة بالمكارم بين دفتي صدق الكلام وكذبه، لكنّ البحث عن المعنى وإدراك زيف السطحي منه يبقى فاتنا لأنّ الأمر في هذا البحث يشبه الكشف عن نقاب فاتنة متعبة.
وحين تقرأ لبدر شاكر السياب (ناب الخنزير يشق يدي… ويغوص لظاه إلى كبدي) ستجده من هذا النوع .. أنت ترى مشهدا ولا ترى صورة ثابتة هو مشهد من يجري منه فيض من دم من ناب الخنزير أثرا، ومن يد المشتكي مصدرا.. ويستمرّ المشهد إلى باطن النفس التي اجترحها الناب وجعلها تحكي ولا ترتاب.. يعجبك هذا المشهد الكاذب، لكنك تقبله ولا تقرأ كذبه في تكذيب الأحداث، بل في قراءة ما كتب في العمق الأسطوريّ في قصة عشتار.. النصوص التي يستفيد منها الشعر طبقات ضاربة في الإيهام.. من أسطورة عشتار إلى قصة الشاعر مع بلدته جيكور إليك أنت مع شأنك البشري أتراك تقف في ثنايا الأسطورة الأولى، أم تقفز على تاريخ من السرديّة الأسطوريّة إلى رمزية حديثة..
حبل الكذب ههنا طويل وليس كما في مألوف القول.. ينبغي أن يكون طويلا كي يربط بين هذه العوالم الشعرية البديعة، التي تقفز فيها بين أنسجة من الكذب المليح بين بابل وأساطيرها والعراق ومواويله ونفسك وصدقها وأباطيلها.
أستاذ اللسانيّات في الجامعة التونسية
فلسفة أو خلاصة حكمة من أجل تعليم/تكوين (مواطن/إنسان/أسرة/شركة)، كنتيجة إعلام دولة إدارة وحوكمة سياسة النفاق الإجتماعي أو عنوان (الكذب الأنيق) نشره أستاذ اللسانيات في الجامعة التونسية (د توفيق قريرة) في جريدة القدس العربي، البريطانية، بالذات، هل هو الحل، لأي أزمة اقتصادية في دولنا بسبب عدم النجاح في المنافسة في أجواء سوق العولمة، أم ماذا؟!
أي السؤال هو، كيف نخلق إيرادات تغطي حاجة الجميع في أي دولة، على الأقل، إن لم يكن لإدارة وحوكمة مقاولة/مناقصة مونديال 2022، التي نجحت فيه دولة (قطر)، والحمدلله، مثلاً، كنموذج ناجح من بقية نماذج دول مجلس التعاون في الخليج العربي بشكل عام.
أي الإشكالية، يا شيخ صالح السُّريِّع (أبا طلال)، هي أي وظيفة/مهنة/تجارة أكثر دخلاً/إيرادات في الدنيا/الآخرة؟!
– هل هي وظيفة في أي (وقف).
– هل هي وظيفة في أي عمل تطوعي (جمعيات/اتحادات/نقابات/غرف المجتمع المدني/الخاص).
– هل هي وظيفة في أي (حكومة/دولة/مملكة/سلطنة).
– هل هي وظيفة في أي (أسرة/شركة).
لخلق وسيلة الإيرادات، أو سرقة كل مُشرك، يبحث عن واسطة/شفاعة (من خلال دفع رشوة، إلى صاحب مفتاح المكان، من أهل دولة من دول (فرعون)) ما بين دجلة والنيل، في الحصول على حلم/رفع ظلم، أليس كذلك، أم لا؟!
أرجو أن ترسل، هذه الصور، إلى وزيرتكم، محافظكم، في العراق أو إيران (الفرس) أو تركيا (الروم) وبقية الأعاجم، من غير (الأعراب/البدو)، في دول مجلس التعاون في الخليج،
إبن الأرباب، يعني إبن الكفيل في دول مجلس التعاون، في لغة الهنود (العربية المكسرة)، أليس كذلك، أم لا؟!?
لأن أبني (صلاح) فاز، مسميه في بطولة/مسابقة، وفانيلته عليه رسم، من فيلم هوليوودي/كارتوني عن قصة ابن الآلهة أو إبن الأرباب، سبحان الله.
ومن هنا خطر لي أهمية تحويل أي دولة، من السوق الحرام، إلى الدولة الصالحة في تقديم خدمات سوق صالح (الحلال)، أي لا غش في بضاعة، ولا فساد/تعدي/ظلم أي طرف من أطراف العقد، المُبرم لتنفيذ أي مقاولة/مناقصة، لتوفير أي خدمة من خدمات دولة الرفاهية/السعادة.??
??????
قوله تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى}.. سوره طه.. هنا الله تعالي أراد إلايناس مع موسي، لكن الله يعلم مسبقا بذلك..